التغيرات المناخية تهدد السياحة والطيران حول العالم

تواجه صناعة السياحة والطيران أزمة عالمية بسبب ظاهرة التغير المناخي، والتى سيكون لها تأثير حاد وملحوظ على وجهات سياحية بعينها، كما أن العواصف الرعدية

Ad

تواجه صناعة السياحة والطيران أزمة عالمية بسبب ظاهرة التغير المناخي، والتى سيكون لها تأثير حاد وملحوظ على وجهات سياحية بعينها، كما أن العواصف الرعدية التى يشهدها الغلاف الجوى ومنها الاضطرابات الهوائية تؤثر بالسلب على رحلات شركات الطيران.

ويُعد المناخ أحد أهم العوامل الرئيسية التى تؤثر على اختيار الوجهة السياحية الدولية، إلا أن تغيره يمثل تهديدا كبيرا لتلك المقاصد.

ويرى الخبراء أن تأثيرات تغير المناخ سوف تكون حادة فى وجهات سياحية بعينها خاصة الساحلية والجزرية، نظرا لتآكل السواحل وانتشار الطحالب على الشواطئ وتغير الحدود الساحلية والعواصف والأحداث المناخية المتطرفة، بالإضافة إلى ارتفاع مستوى سطح البحر والأضرار المادية للبنية التحتية والمنشآت.

وتوقعوا أن تطال تلك التأثيرات السياحة الداخلية أيضا بعض الوجهات، إذ يواجه السائحون تزايد الفيضانات، وفترات الطقس الحار غير المُعتاد، بالإضافة إلى هطول الأمطار بغزارة وهبوب العواصف الشديدة وانتشار حرائق الغابات.

وفى هذا السياق، قال الدكتور سعيد البطوطى المستشار الاقتصادى لمفوضية السفر الأوروبية ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا، إن العلاقة بين السياحة والتغير المناخى لا جدال فيها، إذ يقع على عاتق هذه الصناعة مسئولية وفرصة لحماية الموارد التى تعتمد عليها، بما فى ذلك البيئات الطبيعية والحياة البرية والتراث الثقافى الذى يجلب تجارب السفر إلى الحياة.

وأضاف «البطوطى» لـ«المال» أن صناعة السياحة مسئولة عن حوالى %8 من الانبعاثات الكربونية فى العالم إذ تساهم الأنشطة السياحية المختلفة مثل النقل بأنواعه، أماكن الإقامة، الأغذية والمشروبات، التسوق، الترفيه، والبناء والتشييد والصناعات المرتبطة الأخرى فى البصمة الكربونية.

وتابع إنه مع تزايد أعداد الأفراد القادرين على السفر تزداد البصمة الكربونية، مشيرا إلى تقرير تم إعداده من خلال منظمة السياحة العالمية(UNWTO)بالمشاركة مع الوزارة الاتحادية للبيئة والمحافظة على الطبيعة والسلامة النووية وحماية المستهلك(BMU)فى ألمانيا الخاص بمنهجيات وأدوات قياس انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى فى العمل السياحي.

وأشار إلى أنه وفقا للتقرير فمن المتوقع زيادة انبعاثات ثانى أكسيد الكربون من السياحة بنسبة %25 بحلول عام 2030 عن مستويات 2016 بحسب السيناريو الحالي.

ولفت إلى أن التوقعات تشير أيضًا إلى أن انبعاثات السياحة يمكن أن تصل إلى 6.5 مليار طن بحلول عام 2025، وهو ما يمثل زيادة بنسبة %44 عن 2013 ويعادل حوالى %13 من انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى العالمية الحالية.

وأوصى «البطوطى» بدعم تنفيذ الالتزامات التى تم إطلاقها فى نوفمبر 2021 من خلال إعلان «جلاسكو» بشأن العمل المناخى فى السياحة بمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ «COP26» والذى يلزم الموقعين بتقديم خطط لخفض انبعاثات السياحة بمقدار النصف على مدار العقد المقبل، والوصول إلى «صفر» صافى من الانبعاثات فى أقرب وقت قبل عام 2050.

وأكد أنه قام بالتوقيع على الإعلان حتى الآن حوالى 800 من الكيانات السياحية والجهات والتى تشمل أصحاب المصلحة فى صناعة السياحة على مستوى العالم.

وأوضح أن تغير المناخ يعنى الجفاف الشديد - ندرة المياه - الحرائق الشديدة - ارتفاع مستويات سطح البحر - الفيضانات - ذوبان الجليد القطبى - العواصف المدارية الكارثية وتدهور التنوع البيولوجي.

التأثير على الصناعة

وقال «البطوطى» إن التغير المناخى له تأثير كبير على الصناعة، لا سيما وأن أهم عناصر الجذب السياحى لأى منطقة فى العالم هى البيئة الطبيعية والمناخ وهى التى تؤثر على اختيار الوجهة السياحية.

وأضاف أن استمرار ظاهرة تغير المناخ وتداعياته الخطيرة سيكون له تأثير على العديد من الوجهات السياحية حول العالم؛ إذ يمكن أن تتعرض الشواطئ للفيضانات، وانتشار حرائق الغابات، واشتداد الظواهر المناخية المتطرفة مثل العواصف والجفاف وذوبان الأنهار الجليدية.

وتوقع أن تتغير استجابات السائحين لتلك المتغيرات من أجل التكيف معها، من خلال تجنب الوجهات التى تعانى من الآثار السلبية لتغير المناخ، أو تغيير توقيت السفر لتجنب الظروف المناخية غير المواتية، وبالتالى فمن المتوقع إعادة تشكيل أنماط الطلب بالنسبة للعديد من الوجهات السياحية وقطاع السياحة ككل.

ولفت إلى تأثير التغيرات المناخية على الوجهات السياحية الجبلية والشتوية إذ يؤدى ارتفاع درجة الحرارة إلى ذوبان الجليد وتغيرات فى هطول الأمطار وزيادة الآفات وتحول المواسم.

وذكر أنه يمكن التعامل مع آثار تغير المناخ فى المناطق الجبلية إذا قام العاملون فى القطاع بتحفيز المنتج والتنويع الموسمى من خلال إنشاء منتجعات صحية، واستخدام الثلج الصناعي، وتهيئة منحدرات التزلج لتقليل الحاجة إلى الثلوج العميقة، وتحسين الاستعداد للطوارئ.

وعن تأثير التغيرات المناخية على سياحة الغابات والتنوع البيولوجي، قال إن تغير المناخ سيؤدى إلى زيادة بنسبة %12 فى حرائق الغابات بحلول عام 2050 فى حوض الأمازون.

وتابع إن التغيرات المناخية تؤثر بصورة سلبية على وجهات سياحة السفاري، إذ بدأ بالفعل ظهور آثار تغير ذلك فى مناطق المحميات الطبيعية والحدائق الوطنية فى كينيا ومنطقة وسط أفريقيا، ومناطق الأمازون وجبال وسط آسيا وغيرها.

وأشار إلى أن التغير المناخى له تأثير سلبى على السياحة البحرية، فالمحيطات تحتل %70 من مساحة سطح الأرض وهى موطن لمجموعة واسعة من التنوع البيولوجي، مما يجعلها مناسبة لمختلف الأنشطة الترفيهية، موضحا أن سياحة الغوص تتزايد بمعدل %20 سنويا، أى 4 مرات أسرع من السياحة العالمية بأنماطها المختلفة.

وأضاف أن تغير المناخ يؤثر سلبا على بعض الوجهات السياحية للمحيطات والحياة البحرية، (مثل الحاجز المرجانى العظيم على طول ساحل أستراليا) من خلال عمليات مثل تحمض المحيطات، بالإضافة إلى موت كميات هائلة من الشعاب المرجانية، كما لوحظ ابيضاض الشعاب المرجانية فى المحيط الهندى بالقرب من كينيا وتنزانيا والهند وسريلانكا.

وعن الدول العربية، قال «البطوطى» إن الأغلبية من حجم الحركة السياحية الوافدة لتلك المنطقة يزور الشواطئ المشمسة الدافئة والمعالم الأثرية التاريخية والخصائص الثقافية لتلك الدول، و الغوص لمشاهدة الشعاب المرجانية.

وتابع: «إلا أن السياحة القائمة على هذه الأسس الطبيعية باتت اليوم مهددة بسبب التغيرات المناخية، فالمنطقة العربية تشهد ارتفاعا فى درجات الحرارة يرافقه تراجع فى كمية الأمطار المتساقطة وبالتالى تزايد رقعة الأراضى الجافة والقاحلة وزيادة فى عدد الأيام الحارة».

ولفت إلى أنه فى مصر على سبيل المثال، قد تؤدى التغيرات المناخية المتطرفة إلى التأثير على السياحة فيها، فإذا ارتفع منسوب المياه فى البحار (البحرين المتوسط والأحمر) فإن بعض الشواطئ ستختفى وسيؤدى ذلك إلى تعرية التربة فى المناطق الساحلية، كما سيؤثر ارتفاع درجات الحرارة، حتى ولو كان طفيفا، على الشعاب المرجانية فى البحر الأحمر.

وأكد أن الشعاب المرجانية والتى تجذب العديد من السائحين سنويا مهددة أيضا بسبب كثرة القوارب والسفن التى تستخدمها كمراسٍ حين ترسو فى البحر لتتيح للسائحين الفرصة للغطس لمشاهدتها.

ونوه بأن ازدياد التصحر بسبب التغيرات المناخية وارتفاع درجة الحرارة سيقلل من قدرة هذه الدول على تأمين الغذاء لسكانها وستضطر إلى استيراد المواد الغذائية من الخارج.

وطالب «البطوطى» برفع وعى السائحين عبر تغيير سلوكهم الاستهلاكى وخلق بنية تستند على التعامل مع العروض السياحية بشكل مستدام وصديق للبيئة.

من جانبه، قال الدكتور عاطف عبد اللطيف عضو جمعيتى مستثمرى مرسى علم وجنوب سيناء إن التغير المناخى له تأثير سلبى كبير على صناعة السياحة والطيران.

وأضاف أنه خلال الصيف الحالى تأثرت العديد من الدول بسبب التغيرات المناخية سواء من خلال حرائق الغابات أو الارتفاع فى درجات الحرارة والتى تخطت 50 درجة فى بعض البلدان.

وأشار إلى أن التغير المناخى تسبب فى حرائق فى بعض الجزر بدول إسبانيا، اليونان، إيطاليا، الجزائر وتونس بالإضافة إلى الأعاصير التى شهدتها الصين والهند، موضحا أنه بسبب تلك الظواهر تم إجلاء السائحين وتأجيل خطط بعضهم للسفر لبعض الوجهات.

ولفت إلى أن ظهور أسماك القرش على الشواطئ بسبب التغير المناخى إذ تؤدى تغير درجة حرارة مياه البحار إلى هروب الأسماك ونفوق بعضها مثلما حدث فى إحدى الولايات الأمريكية.

توصيات

وأوصى «البطوطى» بوضع المنهجيات الواضحة لأصحاب المصلحة فى السياحة (شركات النقل شاملة الجوى والبحرى والبري، والفنادق وأماكن الإقامة، ومنظمى الرحلات السياحية ووكالات السفر، ومنظمات وهيئات إدارة الوجهات السياحية)للحد من الانبعاثات.

وأضاف أنه يجب تحفيزهم على المساهمة فى مبادرات الحفاظ على الحياة البرية ومبادرات تمويل مشروعات العمل المناخي، وتحفيز منظمى الرحلات السياحية على تضمين حساب الانبعاثات فى البرامج السياحية وأدوات إنشاء مسارات الرحلات.

وتابع إنه يجب تبنى خطة زمنية للنقل النظيف وإزالة الكربون منه خاصة النقل الجوى ودعم وتطوير استخدام البطارية أو الطائرات الكهربائية الهجينة وخلايا وقود الهيدروجين وتحسينات أداء المحركات واستخدام وقود الطيران المستدام (SAFs).

واتفق معه «عبداللطيف» فى الرأى، مشيرا إلى أن مصر قطعت شوطا كبيرا فى السياحة الخضراء والمستدامة ولابد من التسويق لذلك خارجيًا، كما أنها من أقل الدول تضررًا جراء التغير المناخى وهو ما يمكن أن يجذب أعداد أكبر من السائحين.

فى سياق متصل، يستهدف الاتحاد الدولى للنقل الجوى (إياتا)، الوصولإلى “صفر” انبعاثات كربونية بحلول عام 2050 كاشفا عن أن إجمالى إنتاج الوقود الحيوى سيصل إلى 69 مليار لتر بما يعادل 55 مليون طن بحلول عام 2028 لتوفير حوالى %62 من تخفيف الكربون.

وأشار رئيس الاتحاد إلى تضاعف إنتاج الوقود الحيوى 3 مرات لحوالى 300 مليون لتر بما يعادل 240 ألف طن، إذ تضم “إياتا” أكثر من 130 مشروعا من مشروعات الوقود المتجدد أو الحيوى ذات الصلة التى أعلن عنها أكثر من 85 منتجا فى 30 دولة.

وأضاف أنه فى حال وصل إنتاج الطاقة المتجددة إلى 69 مليار لتر بحلول عام 2028 كما هو مقدر، فإن المسار إلى 100 مليار لتر (80 مليون طن) بحلول 2030 سيكون على الطريق الصحيح.

البطوطى: توقعات بزيادة انبعاثات الكربون من القطاع إلى %25 بحلول 2030

عبد اللطيف: تغيير الوجهات وتأجيل خطط السفر بسبب الآثار السلبية للاحتباس الحرارى

تصاعد حرائق الغابات بنسبة %12 فى 2050

«الغوص» تتزايد بنسبة %20 سنويا وتؤثر سلباً على الشعاب المرجانية 

تآكل الشواطئ وارتفاع مستوى سطح البحر يسبب أضرارا مادية للبنية التحتية والمنشآت