استنكر خبراء اقتصاديون جدوى خفض قيمة الجنيه المصرى أمام الدولار فى الوقت الراهن، دون توافر حصيلة دولارية؛ للسيطرة على استقرار سعر الصرف وإمكانية كبح السوق الموازية.
وأضافوا أن الحكومة اتخذت مبادرات حثيثة نحو توفير العملة الصعبة من خلال مصادرها المتاحة، بالإضافة إلى برنامج الطروحات الحكومية، تزامنا مع المراجعة الثانية لصندوق النقد الدولى لبرنامج الإصلاح الاقتصادى فى سبتمبر المقبل، فضلا عن استعادة السيولة بالعملة الأجنبية الواضحة فى احتياطيات النقد الأجنبى بزيادة قدرها 1.7 مليار دولار خلال عام.
من جانبه قال أحمد الجندي، الشريك المؤسس لشركه TCV، إن أى تخفيض آخر فى قيمة العملة دون توافر حصيلة دولارية داخل الجهاز المصرفى لن يكون مجديًا.
وتوقع تقرير ستاندرد آند بورزالدولي، خفض قيمة الجنيه المصرى من 30.9 لكل دولار، إلى 37 جنيهاً بنهاية عام 2023، مما يتسبب فى ضغط تضخمى ورفع البنك المركزى الفائدة بمقدار 300 نقطة أساس، فى تكرار لسيناريو ديسمبر 2022.
وأوضح الجندى أن من أهم المؤشرات التى ينظر إليها المحللون - سواء داخل مصر أو خارجها - لتحديد قيمة العملة وتوقعاتها المستقبلية على المدى القصير، يتمثل فى صافى عجز الأصول الأجنبية داخل الجهاز المصرفي، والذى وصل مؤخرًا إلى 27 مليار دولار.
وأكد أن ذلك العجز فى صافى الأصول الأجنبية يؤكد الحاجة إلى ضرورة توفير حصيلة دولارية قوية، قبل اتخاذ القرار بتخفيض آخر فى قيمة العملة المحلية.
ولم يتغير سعر الدولار مقابل العملة المحلية فى البنوك الرسمية منذ أكثر من 3 شهور، ليسجل نحو 30.90 جنيه، وعلى نحو 8 أشهر من المفاوضات مع صندوق النقد الدولى انخفضت قيمة الجنيه وفقد ما يقرب من 50 % من قيمته، مما تسبب فى نشاط السوق الموازية للعملات الأجنبية.
وفيما يخص احتمالية حل أزمة نقص المعروض الدولارى حال موافقة الصندوق على صرف الشريحة الثانية من القرض خلال الشهر المقبل، قال الجندى إنه بغض النظر عن القرض، لابد من توافر نسبة معقولة من العملة الخضراء تمثل على الأقل ثلث إجمالى صافى العجز فى الأصول الأجنبية لمصر.
وذكر أن هناك العديد من العوامل التى لابد من وضعها فى الاعتبار قبل اتخاذ قرار آخر بتخفيض قيمة العملة، لافتًا إلى أنه فى عام 2016 مر الاقتصاد المصرى بوضع شبيه، ولكن تمت السيطرة عليه بعد اتخاذ الإجراءات المناسبة خلال 6 أشهر.
ووفقا لبنك جولدمان ساكس، فإن مصر تحتاجإلى ما يزيد على 5 مليارات دولار من السيولة المالية من أجل تحقيق المرونة فى سعر صرف العملة.
وتابع أن الاختلاف بين الوضع الحالى وما حدث فى 2016، هو تصاعد وتيرة الدين الخارجي، حيث كان يبلغ حوالى 55.8 مليار دولار فى 2016، مقابل 165 مليار دولار بنهاية الربع الأول من 2023، مشددًا على أن ذلك يؤكد الحاجة إلى ضرورة اللجوء إلى مصدر آخر لتوفير الحصيلة الدولارية، كبيع الدولة لبعض الأصول المملوكة لها، وهو مايتم العمل عليه بالفعل من خلال برنامج الطروحات لضمان توفير الجزء الأكبر من السيولة الدولارية.
ولفت إلى أهمية سد العجز القائم فى صافى الأصول الأجنبية من خلال برنامج الطروحات، وليس من خلال المزيد من الاستدانة، موضحًا أنه بالنظر إلى حجم الدين الخارجى إذا تم اتخاذ قرار سد العجز عن طريق اللجوء لاستثمارات مؤسسية فى أدوات الدين المصرية سواء أذون أو سندات خزانة؛ ستكون المحصلة أقل بكثير مما تم الحصول عليه عام 2016.
وجاءت الأزمة فى الأساس بعد موجة التضخم العالمية واندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، مما تسبب فى خروج الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة التى كانت تمثل جزءا كبيرا من السيولة الدولارية فى البلاد.
وأفاد بأنه إذا كلل برنامج بيع الأصول وتخارج الدولة من الاقتصاد بنجاح؛ هنا فقط ستعود ثقة المتعاملين فى السوق المحلية مرة أخرى، مضيفًا أن عودة الثقة فى حد ذاتها تكون قادرة على حل أكثر من أزمة، من ضمنها عودة ما لا يقل عن مليار دولار شهريًا من تحويلات المصريين العاملين بالخارج، وكذلك عودة الثقة بالعملة المحلية.
وبالإشارة إلى معضلة عملية بيع الأصول بسعر العملة الرسمى الحالى فى ظل رؤية الكثير من المستثمرين أنه لا يعكس القيمة الحقيقية فى السوق، شدد الجندى على ضرورة البيع بناء على القيمة المتوقعة للعملة، وليس بالسعر الرسمى الحالى فى الجهاز المصرفي، وكذلك الأخذ فى الاعتبار سعر المشتقات المالية المستقبلية.
واأكد أن هناك ضرورة لخلق سوق عملة نشطة داخل القطاع المصرفي، ومع توافر الحصيلة الدولارية سالفة الذكر، إذا حدث تخفيض للعملة وتجاوز سعر الدولار السعر الرسمى بفارق ملحوظ؛ سيعود مرة أخرى للاستقرار بناء على قوى العرض والطلب، ومن ثم عودة ثقة المتعاملين، ويليها دخول حصائل بالدولار أكبر وانتهاء الأزمة، معبرًا عن ثقته للفترة المقبلة إذا تم تنفيذ الخطوات سالفة الذكر بجدول زمنى محدد، وهو ما حدث فى 2016 مع اختلاف مصدر دخول الحصيلة الدولارية من الاستثمار فى أدوات الدين المحلي، إلى بيع الأصول المملوكة للدولة.
وقالت آية زهير، رئيس قسم البحوث بشركة زيلا كابيتال للاستشارات المالية، إن مصر تعتمد على 5 مصادر أساسية تحصل من خلالها على العملة الصعبة؛ وهي: الصادرات، وتحويلات العاملين بالخارج، وإيرادات قناة السويس، وإيرادات السياحة، والاستثمار الأجنبى المباشر.
ووضعت الحكومة المصرية خطة لزيادة حصيلة الإيرادات الدولارية بنحو 70 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة، للوصول بحلول العام 2026 إلى حدود 191 مليار دولار.
وأضافت آية زهير أن الحكومة تتبنى حاليا رؤية خاصة لتعظيم مشاركة القطاع الخاص فى الاقتصاد، واتخذت فى سبيل ذلك عددا من المبادرات التحفيزية من شأنها تذليل العقبات أمام المستثمرين.
وبسؤالها عن كفاية محاولات توفير الحكومة توفير الدولار والسيطرة على ما يحدث فى سوق الصرف، أشارت إلى أن تخفيض قيمة الجنيه حل أساسى للسيطرة على العملة ولكن بشرط وجود وفرة من الدولارات عند اتخاذ هذا القرار للسيطرة على استقرار سعر الصرف وإمكانية السيطرة على السوق الموازية.
وتابعت أن توفير السيولة الدولارية، عملت عليه مصر من خلال بيع أصولها للمستثمرين، ونجحت فى جمع ما يصل إلى 1.9 مليار دولار، مشيرة إلى أنه من المفترض أن تجمع مليار دولار أخرى من بيع أصول جديدة خلال الفترة القليلة المقبلة.
وأضافت رئيس قسم البحوث بشركة زيلا كابيتال للاستشارات المالية، إلى أن مصر تسعى لجمع ما يصل إلى 40 مليون دولار خلال السنة المالية الحالية 2023 - 2024، من بيع تذاكر القطارات بالدولار للأجانب والعرب؛ لتوفير العملة الصعبة فى البلاد.
وترشد الحكومة الإنفاق الاستثماري، خاصة الذى له مكون دولاري، فى سبيل توفير موارد الدولة وتحفيز مشاركة القطاع الخاص والمستثمر، بالإضافة إلى تخصيص أراض بنظام البيع بالدولار، وطرح شهادات دولارية جديدة، لزيادة موارد العملة الأجنبية داخل الجهاز المصرفي، وفقا لزهير.
