بالتزامن مع الإعلان عن التحليل الشهرى للتضخم، يرى خبراء ومحللون اقتصاد أن تراجع معدل التضخم الأساسى السنوى المعد من قبل البنك المركزى من 41 %ليونيو 2023 إلى40.7% ليوليو الماضي، يرجع إلى استبعاد السلع المتقلبة كأسعار الخضراوات والفاكهة.
وذكروا أن تراجع المعدل الأساسى ليس مؤشرًا على تباطؤ التضخم الفترة المقبلة، فحسبما ذكر البنك المركزى فى بيان الاجتماع الأخير للجنة السياسة النقدية، أن التضخم لم يصل إلى ذروته بعد، متوقعًا بلوغه أعلى معدلاته فى النصف الثانى من 2023.
ويرى الخبراء أن البنك المركزى يقرر السياسة النقدية المتبعة بناء على معدلات التضخم المتوقعة مستقبلًا، وليست الراهنة، مؤكدين أن الفترة المقبلة قد تشهد تحركات فى أسعار الصرف الرسمية وكذلك أسعار الكهرباء والمحروقات، وهذا هو الدافع وراء توقع المزيد من الارتفاع فى الأسعار.
هانى أبو الفتوح: المركزى دائمًا ما يتخذ القرارات وفقًا للتوقعات المستقبلية
وعلق هانى أبو الفتوح، الخبير الاقتصادي، أن السبب الأساسى لتراجع التضخم فى شهر يوليو أن حسابه تم على أساس سنوى مقارنة بيوليو من العام الماضى 2022.
وأضاف أبو الفتوح أن البنك المركزى فى كل بياناته يؤكد أن القرارات تكون وفقًا لمعدلات التضخم المتوقعة والمستقبلية وليست السائدة، واحتواء الضغوط التضخمية من جانب الطلب والآثار الثانوية لصدمات العرض.
ويشتق معدل التضخم الأساسى من الرقم القياسى العام لأسعار المستهلكين مستبعدًا منه بعض السلع التى تتحدد أسعارها إداريًا، بالإضافة إلى بعض السلع التى تتأثر بصدمات العرض المؤقتة.
ويحسب البنك المركزى معدل التضخم الأساسى كمؤشر توضيحى وتكميلي، ولا يمكن اشتقاقه بدون الرقم القياسى لأسعار المستهلكين المعد من قبل الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، لذا لا يعد معدل التضخم الأساسى بديلًا عن العام.
محمد عبدالعال: أتوقع ارتفاع المعدل العام بنحو %2
وفى نفس السياق قال محمد عبد العال، الخبير المصرفي، إنه لا يوجد تعارض بين وصول التضخم لذروته فى النصف الثانى من 2023، وتباطؤ معدل التضخم الأساسى بنهاية شهر يوليو، عما كان عليه فى يونيو.
وأضاف عبد العال أن التراجع هامشي، والوصول إلى الذروة يتعلق بالتضخم العام من وجهة نظره، مع استبعاد أسعار السلع للمستهلكين والتى شهدت ارتفاعًا كبيرًا نتيجة صدمات العرض.
وتابع أن ارتفاع أسعار السلع نتيجة عاملين؛ المستوردة نتيجة العوامل الجيوسياسية الجديدة، من وقف تصدير السلع التى تهمنا من الموانئ الأوكرانية، ووقف اتفاق تصدير الحبوب، مما أدى إلى زيادتها عالميًّا، خصوصًا أننا نستورد حوالى %70 منها من الخارج.
وأشار عبد العال إلى ارتفاع جانب الطلب نتيجة زيادة الكتلة النقدية، إذ ارتفع المعروض النقدي، وأشباه النقود خلال الربع الثالث، مشددًا على اختلاف الفرق بين الأساسى والعام وأنه ليس شرطًا عند ارتفاع معدل التضخم العام أن يلاحقه ارتفاع الأساسي، والعكس صحيح.
ويتوقع عبد العال ارتفاع معدل التضخم العام بنسبة %2 فى الفترة المقبلة، نتيجة العوامل السابق ذكرها وربما تخفيف الدعم ورفع سعر الطاقة، والضغط الشديد على الجنيه المصرى فى السوق الموازية.
منى بدير: «المركزى» يستبعد السلع المتقلبة فى احتسابه
أما منى بدير، المحلل الاقتصادي، فترى أن السبب الرئيسى وراء ارتفاع معدل التضخم العام السنوى يرجع إلى ارتفاع أسعار السلع المتقلبة كالخضار والفاكهة، مضيفة أنها أثرت على ارتفاع أسعار الغذاء بشكل عام.
وأضافت بدير أن أسعار الخضراوات والفاكهة تشغل النسبة الأكبر من احتساب التضخم العام الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.
أما عن التضخم الأساسى الصادر عن البنك المركزي، فأوضحت أنه يستبعد كل السلع المتقلبة سالفة الذكر، وبالتالى انعكس تباطؤ الارتفاع فى أسعار السلع غير الغذائية على انخفاض المعدل الأساسى من %41 لشهر يونيو 2023 إلى %40.7 يوليو 2023.
وتابعت أن سبب تباطؤ ارتفاع أسعار السلع غير الغذائية يرجع إلى عدم وجود عوامل موسمية أو تغييرات فى أسعار الكهرباء أو المحروقات، مؤكدة أن دوافع زيادة أسعار الغذاء تركزت فى الارتفاع فى أسعار التبغ، وكذلك أسعار منتجات الألبان والبيض.
وأكدت أن تراجع معدل التضخم الأساسى لشهر يوليو 2023 ليس دليلًا على استمراره فى التراجع الأشهر المقبلة، مشيرة إلى أن البنك المركزى أشار فى بيان اجتماع لجنة السياسة النقدية المنعقد 3 أغسطس الجارى إلى أن معدل التضخم لم يصل لذروته بعد، ومتوقع أن يصل لأعلى معدل خلال النصف الثانى من 2023.
وفسرت أن السبب الرئيسى وراء التوقعات بزيادة التضخم هو الاضطرابات فى سوق الصرف نتيجة لانخفاض السيولة الدولارية، مما أثر على الواردات وتوافر العديد من السلع ومستلزمات الإنتاج، مما دفع أسعار السلع للارتفاع.
وأكملت أنه بالإضافة إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية فى ذلك التوقيت، هناك توقعات بحدوث تخفيض آخر لأسعار الصرف، بالإضافة إلى تحركات مرتقبة فى أسعار السلع المحددة إداريًّا كالكهرباء والمحروقات، وتعريفة الاتصالات، موضحة أنه مع دخول موسم العام الدراسى الجديد قد يؤدى إلى المزيد من الضغوط التضخمية.
أحمد السيد: مازال هناك الكثير من الضبابية حول اتجاهاته
وأرجع الدكتور أحمد السيد، خبير الاقتصاد والتمويل، تراجع التضخم الأساسى وارتفاع التضخم العام إلى أن البنك المركزى يعتمد فى طريقة حساب التضخم الأساسى على التضخم العام الذى يصدره الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، وذلك بعد استبعاد مجموعات معينة من السلع سواء التى تتذبذب أسعارها بصورة مستمرة مثل الخضراوات والفواكه، أو السلع المسعرة إداريًّا مثل الكهرباء والوقود والغاز.
وتابع السيد أنه بناءً على ذلك فإن الانخفاض الطفيف فى أسعار التضخم الأساسى كان يرجع بالأساس إلى استبعاد أثر المجوعات المشار إليها، والتى ارتفعت بنسبة %43 للفاكهة و%82 فى الخضراوات، وهو ما خفض أثر تلك الارتفاعات على معدل التضخم الأساسي، مشيرًا إلى أنه فى نهاية الأمر كان الارتفاع فى التضخم العام محدودًا، وكذلك التراجع فى التضخم الأساسي.
واستبعد السيد تأثير السياسة النقدية على تلك التحركات فى التضخم، مشيرًا إلى أن هناك الكثير من الضبابية حول توقعات التضخم الفترة المقبلة، وذلك بناء على مدى التطورات المستقبلية فى ملف سعر الصرف، أو قدرة الدولة على إعادة الاستيراد مرة أخرى بشكل كامل، حتى يتم تجنب المزيد من الصدمات فى جانب العرض.
وعلى المستوى العالمي، علل أن الآثار المتربتة على انهيار اتفاق الحبوب، قد يدفع إلى ارتفاع أسعار الحبوب عالميًّا بنسب تتراوح من %15-10 وذلك إذا لم يتم إيجاد حل سريع، بالإضافة إلى التوترات الجيوسياسية كما حدث فى البحر الأسود منذ أيام، وأخيرًا توجه بعض الدول لحظر تصدير المنتجات الزراعية، مثل الحظر الذى فرضته الهند على الأرز.
مدحت نافع: من المهم دراسة السبب الرئيسى لاتساع الفجوة بين الأساسى والعام
وقال الدكتور مدحت نافع، الخبير الاقتصادى ورئيس الشركة العربية للسبائك، إن هناك العديد من علامات الاستفهام حول معدلات التضخم المعلنة من الجهتين سواء البنك المركزى أو الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، مشيرًا إلى أن أولها اتساع الفجوة بين التضخم العام والأساسي.
وأضاف نافع أن أحد أسباب ارتفاع التضخم العام ومع انخفاض نسبى فى الأساسي، هو محاولة تضييق الفجوة بين الرقمين الذى سجل فى وقت من الأوقات ما يزيد عن 10 نقاط مئوية، والتى تُعد كبيرة وغير مبررة.
وأضاف نافع أن الأساسى يزيد، بالرغم من أنه يستبعد أكثر السلع الغذائية مساهمة فى رفع التضخم، نظرًا لأن تلك المجموعة السلعية التى يستبعدها ارتفعت بشكل كبير خلال العام الماضى بنسبة وصلت إلى %68.
ورجح نافع أن الأمر قد يعود لطريقة حساب، ومنهجية معينة تم تعديلها مع وجود إدارة جديدة للبنك المركزى أكثر حرصا على البيانات من أجل اتباع سياسة نقدية صحيحة.
وطالب وزارة التخطيط بالإعلان عن السبب الأساسي، نظرًا لأنها تقيس من خلال ذراعها الإحصائية وهو الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، والمصدر الرئيس للرقم العام الذى يشتق منه الأساسي.
وذكر أن أى كلام عن سياسات تشديد مستمرة وخلافه، سيجافيها المنطق إذا لم نفهم ونستوعب على مدار تاريخ على سبيل المثال 10 سنوات، ودراسة الفجوة بين الأساسى والعام ونفهم سبب اتساعها فى هذه المرحلة تحديدًا منذ العام الماضي.
