أشارت عدة تقارير صادرة عن شركات دولية إلى انحسار صفقات سوق الاندماج والاستحواذ خلال النصف الأول من 2023 بنسبة وصلت إلى %40 مقارنة بالفترة المماثلة من 2022، وكان نصيب الشرق الأوسط منها نحو %2؛ فهل سايرت مصر الاتجاه العالمى بالانخفاض أم خالفته؟ وما مصير السوق المحلية خلال الفترة المقبلة؟
اتجهت «المال» للبحث عن إجابات للتساؤلات المطروحة بالاستعانة بخبراء السوق والتقارير الصادرة عن الشركات الدولية، من بينها «برايس ووتر هاوس كوبر» و«ديلوج«.
أرجع الخبراء سبب الانخفاض فى عمليات الاندماج والاستحواذ عالميًّا خلال النصف الأول من 2023 إلى التقلبات السياسية والأزمات الإقليمية واحتمالات تشكيل نظام مالى نقدى جديد والاتفاقيات التى تتم بين تكتلات من الدول، خاصة فيما يتعلق باستبدال الدولار بالعملات المحلية فى التعاملات الجارية بينها، إضافة إلى ارتفاع معدل التضخم وتبنى سياسية نقدية تشديدية من قبل البنوك المركزية.
ورجحوا استمرار موجة الانخفاضات العالمية فى صفقات الاندماج والاستحواذ خلال العام الجارى وحتى منتصف 2024؛ إذ إنه مرهون بالسيطرة على التضخم وانخفاض سعر الفائدة.
وكشف تقرير صادر عن شركة «ديلوجيك» عن تراجع صفقات الاندماج والاستحواذ بنسبة %40 خلال الأشهر الستة الأولى من 2023 إلى 1.34 تريليون دولار منها 601.6 مليار دولار فى الربع الأول و 738.8 مليار دولار فى الربع الثانى مقارنة بـ 2.2 تريليون دولار فى النصف الأول من 2022.
وأوضح التقرير أن منطقتى الشرق الأوسط وإفريقيا مثلتا نسبة مجمعة بلغت 3% من إجمالى قيمة صفقات الاستحواذ خلال النصف الأول من 2023، وشكل قطاع التكنولوجيا المعدل الأعلى عالميًّا بـ %16 من إجمالى الصفقات.
وسجلت منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا وأوروبا إجمالى قيمة مجمعة بلغت 296.4 مليار دولار من خلال نحو 6726 عملية، أى بتراجع %55 عما شهدته فى الفترة المماثلة من 2022 والبالغة 653.4 مليار دولار، وفقًا لـ«ديلوجيك».
ودعم تقرير«برايس ووتر هاوس كوبر» الاتجاه الهابط للسوق؛ إذ شهدت الأشهر الستة من 2023 تراجعًا فى حجم صفقات الاندماج والاستحواذ بنحو %4 وهبوطًا فى قيمها بنحو %12 مقارنة بالنصف الثانى من 2022.
وبيَّن تقرير«برايس ووتر هاوس كوبر» أن حجم الصفقات فى منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا وأوروبا تراجعت %7، فيما هبطت قيمتها %25 مقارنة بالستة أشهر الأخيرة من 2022.
وتوقع الخبراء نمو صفقات الاندماج والاستحواذ خلال الفترة المقبلة فى السوق المصرية برهنعدة عوامل، منها تسريع وتيرة الإصلاحات الهيكلية، وتدبير العملة الصعبة، واستقرار الاقتصاد العالمى وعودته إلى حالته الطبيعية واستكمال برنامج الطروحات الحكومية.
وتباينت رؤى الخبراء حول أداء سوق الاندماج والاستحواذ فى مصر خلال النصف الأول من 2023؛ إذ يرى البعض أنه ساير الاتجاه العالمى بالانخفاض بسبب ارتفاع سعر الفائدة وزيادة التضخم، وتراجع قيمة الجنيه المصرى، ووجود سعرى صرف أحدهما رسمى وآخر فى السوق الموازية.
فيما رأى آخرون أن سوق الاندماج والاستحواذ نما فى مصر فى الستة أشهر الأولى من 2023 مقارنة بالفترة المماثلة من 2022، وذلك بدعم من برنامج الطروحات الحكومية.
وكانت الحكومة المصرية نفذت عددًا من الصفقات ضمن برنامج الطروحات، كان من بينها إبرام 3 صفقات بقيمة إجمالية1.741 مليار دولار شملت ترسية زيادة رأسمال شركة «إيجوتاك» للفنادق كحصة أقلية على تحالف مصرى أجنبى يضم شركة آيكون المملوكة لطلعت مصطفى، بقيمة 700 مليون دولار.
وكانت الصفقة الثانية لشركة «أبوظبى التنموية القابضة« «ADQ» بعدما استحوذتعلى حصص تتراوح بين 25 إلى %30 بشركات من صندوق ما قبل الطروحات، وهى «إيثيدكو» و«إيلاب» و«الحفر» بقيمة 800 مليون دولار.
والصفقة الثالثة كانت عن طريقطرح %31 من شركة عز الدخيلة (من حصص الجهات الحكومية) لصالح «حديد عز» بـ241 مليون دولار، %60 منها بالعملة الخضراء، و%40 بالجنيه.
وأعلنت البورصة المصرية فى مايو 2023 تنفيذ استحواذ شركة «الأصباغ الوطنية الإماراتية» على نحو %80.66 من أسهم شركة «البويات والصناعات الكيماوية – باكين» بقيمة إجمالية 24.9 مليون دولار وحصلت على النسبة المتبقية منها فى يوليو 2023 بقيمة 9.2 مليون جنيه.
وفى أبريل الماضى، استحوذت «إيجيترانس» على نسبة %99.9 من أسهم رأسمال الشركة الوطنية لخدمات النقل وأعالى البحار «نوسكو»، والتى تُعد من الشركات الرائدة فى مجال النقل، وخصوصًا النقل البرى والنقل المتخصص للمشروعات الضخمة.
وكانت شركة «بى إنفستمنتس القابضة» قررت فى يونيو الماضى الاستحواذ على نسبة لا تقل عن %51 حتى %90 من أسهم رأس مال شركة «أوراسكوم المالية القابضة» عن طريق تقديم عرض شراء إجبارى من خلال المبادلة.
وقال كريم هلال،الرئيس التنفيذى لمجموعة«كونكورد إنترناشيونال» للاستثمارات، إن الأسواق العالمية تشهد حالة من عدم الاستقرار بسبب ارتفاع سعر الفائدة، وزيادة معدل التضخم، بالإضافة إلى التقلبات السياسية والأزمات الإقليمية، مما ساهم فى تراجع سوق الاندماج والاستحواذ خلال النصف الأول من 2023.
وأوضح الرئيس التنفيذى لمجموعة «كونكورد إنترناشيونال» للاستثمارات أن السوق المصرية تشهد حالة اقتصادية أصعب من نظيرتها العالمية، نظرًا للمشكلات التى تتعرض لها، سواء من ناحية الأداء الاقتصادى والتخوف من خدمة الدين الخارجى، وأزمة توفر الدولار والتضخم غير المسبوق وفقد الجنيه لأكثر من نصف قيمته فى أقل من عام، بالإضافة إلى وجود سعرين للدولار أحدهما رسمى وآخر فى السوق الموازية.
ولفت إلى أن المستثمرينيتريثون فيقرار دخول السوق المصرية نظرًا لوجود سعرين للدولار، بالإضافة إلى أزمة ثقة فى إخراج استثماراتهم من السوق بالعملة الأجنبية مرة أخرى؛ مشيرًا إلى أن تلك العوامل أثرت سلبًا على سوق الاندماج والاستحواذ محليًّا.
وتابع أن السوق المصرية شهدت عددًا محدودًا من الصفقات خلال الستة أشهر الأولى من 2023 رغم وجود فرص استثمارية جاذبة، خاصة فيما يتعلق بتقييمات الشركات المطروحة بها.
وأشار إلى أن الصفقات التى تمت ضمن برنامج الطروحات الحكومية خلال الفترة الماضية كانت عبارة عن بيع حصص أقلية فى كيانات قائمة لمستثمر مالى أغلبها صناديق سيادية خليجية، موضحًا أنها ليست عمليات تملك بالشكل التقليدى المتعرف عليه من قبل البنوك الاستثمارية؛ إذ إن الدولة فى حالة اضطرار لتنفيذ خطتها لحاجتها الماسَّة لتوفير العملة الأجنبية.
وقال هلال إن التوقعات بشأن سوق الاندماج والاستحواذ محليًّا متوقفة بشكل كبير على ما سيحدث على المستويين الاقتصادى والسياسى فى مصر؛ إذ لابد من تسريع وتيرة الإصلاحات الهيكلية وتدبير العملة الصعبة سواء لخدمة الدين أو تأمين الاحتياجات من السلع الإستراتيجية؛ موضحًا أنه لابد من استقرار تلك العوامل، بالإضافة إلى وضوح الرؤية الذى تفتقده السوق.
وتابع أن التوقعات بشأن سوق الاندماج والاستحواذ على المستوى العالمى ليست إيجابية على المدى القصير نظرًا لاستمرارية السياسة التشديدية النقدية من قبل البنوك المركزية برفع سعر الفائدة.
وقال عمرو الألفى، رئيس قسم البحوث بشركة برايم لتداول الأوراق المالية، إن صفقات الاندماج والاستحواذ فى مصر نمت خلال النصف الأول من 2023 مقارنة بالفترة المماثلة من 2022 نظرًا للظروف الخاصة التى يمر بها السوق من تنفيذ لبرنامج الطروحات الحكومية.
وتوقع الألفى انتعاش سوق الاندماج والاستحواذ محليًّا بدعم من تنفيذ صفقات برنامج الطروحات فى ظل تراجع قيمة العملة المحلية مقابل نظيرتها الأجنبية، والتى تساعد الشركات فى الدخول إلى السوق المصرية؛ مرجحًا أن تكون النسبة أعلى من العام الماضى.
وعلى صعيد السوق العالمية، أوضح الألفى إن تكلفة التمويل ارتفعت خلال النصف الأول من العام الجارى بعدما زادت أسعار الفائدة على الدولار الأمريكى بشكل متتالٍ.
وقال عمرو هلال،الرئيس التنفيذى لبنك«Sell Side»التابع لشركة «سى آى كابيتال»، إن الأجواء العالمية تطورت خلال العام ونصف الأخيرين فى ظل ارتفاع معدل التضخم، والذى أسفر عنه اتجاه البنوك المركزية لرفع الفائدة للسيطرة عليه، خاصة بعدما شهد العالم تراجعًا فى سعر الإيداع والإقراض منذ جائحة كورونا.
وتابع هلال أن البنوك المركزية خلال فترة جائحة كورونا اتبعت إستراتيجية تخفيض سعر الفائدة عالميًّا بهدف ضمان الاستقرار الاقتصادى حينها مما ساهم فى رفع معدل التضخم مما وجههم فى إعادة زيادة معدل الإيداع والإقراض مرة أخرى.
وأضاف أن عملية تمويل صفقات الاندماج والاستحواذ تتم عالميًا بالاعتماد على القروض بنسبة أكبر من التمويلات الذاتية، خاصة من قبل المستثمرين الماليين نظرًا لتفضيلهم تمويل معظم قيمة الصفقات من القروض لتعظيم قيمة العوائد، خاصة إذا كان سعر الفائدة منخفض.
وأوضح أنه خلال الفترة من مطلع عام 2021 وحتى الشهور الأولى من 2022، وصل حجم الاستحوذات والاندماجات عالميًّا إلى مستويات قياسية لم يشهدها العالم من قبل، فى حين انعكس وضع السوق منذ بدء الاضطرابات العالمية فى 2022 وحتى منتصف 2023.
وتوقع هلال أن تستمر موجة الانخفاضات العالمية فى صفقات الاندماج والاستحواذ خلال العام الجاري؛ موضحًا أن عودتها لمعدلاتها الطبيعية لن يكون قبل منتصف 2024؛ إذ إنه مرهون بخفض البنوك المركزية لسعر الفائدة والسيطرة على معدل التضخم، بالإضافة إلى عدم انكماش اقتصادات الأوروبية والأمريكية.
وعلى الصعيد المحلى، قال هلال إن نشاط الصفقات فى السوق المصرية كانت دائمًا أقل من نظيرتها العالمية، موضحًا أنه خلال النصف الأول من 2023 تمت عدة صفقات بنجاح سواء كانت صفقات استحواذ أو أخرى بطرح أسهم مثل «المصرية للاتصالات» والتى تولى «سى آى كابيتال» إتمام طرحها.
وتابع أن مصر خلال النصف الأول من 2023 سايرت اتجاه السوق العالمية بالانخفاض نظرًا للظروف التى لحقت بكافة الاقتصادات منذ اندلاع الأحداث الروسية الأوكرانية فى فبراير 2022.
وتوقعالرئيس التنفيذى لبنك«Sell Side»التابع لشركة «سى آى كابيتال» انتعاش سوق الاندماج والاستحواذ فى مصر على غرار نظيرتها العالمية بعد استقرار الاقتصاد وعودته إلى حالته الطبيعية.
وقالأنور زيدان، الشريك المؤسس، ورئيس قطاع أسواق المال بـ«مكتب ذو الفقار للاستشارات القانونية» إن التراجع فى عمليات الاندماج والاستحواذ خلال النصف الأول من 2023 كانت بسبب التحديات تمر بها الاقتصادات.
وأوضح أن التوقعات منذ تفشى جائحة كورونا كانت تشير إلى تباطؤ الاقتصاد العالمى، والذى انعكس فعليًّا على السوق المحلية.
وتابع أن ارتفاع معدل التضخم وتراجع معدلات الدخول على مستوى العالم يؤثر على قرارات الاندماج والاستحواذ نظرًا لعدم قدرة المستثمرين على وضع حسابات دقيقة لاستثماراتهم.
وأوضح أن ارتفاع تكلفة التمويل المستخدم فى عمليات الاستحواذ والاندماج كان سببًا فى التراجع الصفقات على المستويين العالمى والمحلى.
وأضاف زيدان أن عمليات الاستحواذ والاندماج فى مصر شهدت تراجعًا ملحوظًا خلال النصف الأول من 2023 تماشيًا مع الموقف العالمى فى الانخفاض مقارنة بالفترات المماثلة من السنوات السابقة.
وتوقع زيدان تحسن نشاط عمليات الاستحواذ والاندماج فى مصر قبل نهاية العام الجارى بشرط استقرار سعر الصرف، واستئناف برنامج الطروحات الحكومية.
وقال ياسر عمارة، رئيسمجلس إدارة شركة «إيجل للاستشارات المالية»، إناحتمالات تشكيل نظام مالى نقدى جديد بالإضافة إلى عدة اتفاقيات تتم بين تكتلات من الدول، خاصة فيما يتعلق باستبدال الدولار بالعملات المحلية فى التعاملات الجارية بينهايؤثر بشكل كبير على عمليات الاندماج والاستحواذ.
وأضاف أن الاتفاقيات بين الدول بالابتعاد عن الدولار بشكل جزئى، بالإضافة إلى ارتفاع معدل التضخم والديون يؤثر على عمليات التسعير والتقييم للشركات التى سيتم الاستحواذ عليها أو الاندماج بها.
وأوضح أن استحواذ الشركات واندماجها مع كيانات أخرى تنشأ من سعيها بالبحث عن الاقتصادات التى تساعدها على النمو وتحقيق أهدافها.
وعلى مستوى الشرق الأوسط، قال عمارة إن سوقى أبوظبى ودبى المالى أصدرا بيانات بتراجع صفقات الاستحواذ والاندماج، فيما ارتفعت فى مصر خلال النصف الأول من 2023 مقارنة بالفترة المماثلة، خاصة بعد إتمام صفقات من برنامج الطروحات الحكومية.
وأضاف أن صفقات الاستحواذ والاندماج فى السوق المحلية تسير وفق خطة مهيكلة وترتفع تدريجيًّا مع كل تحسن فى الاقتصاد، أما على المستوى العالمى فإن التراجع كان نتيجة الظروف الاقتصادية.
وتوقع عمارة عودة سوق الاستحوذات والاندماجات عالميًّا لمعدلاتها الطبيعية بنهاية 2023 ثم تبدأ فى الارتفاع تدريجيًّا بحلول 2024 بدعم من وضوح رؤية اتجاه الاقتصاد واستقراره.
ورجح عمارة زيادة فى صفقات الاندماج والاستحواذات بين الكيانات المختلفة فى مصر خلال النصف الثانى من 2023 حفاظًا على التنافسية.
كريم هلال: الأمر مرهون باستقرار البيانات الاقتصادية
عمرو هلال: موجة الانخفاضات مستمرة حتى منتصف 2024
أنور زيدان: ارتفاع التضخم وتراجع الدخول حجّم من قدرة المستثمرين على وضع حسابات دقيقة لاستثماراتهم
ياسر عمارة: السوق المحلية خالفت الدولية بالنمو خلال النصف الأول 2023
