خفض تصنيف أمريكا الائتماني يثير الشكوك في واشنطن و«فيتش» معا

بعد أكثر من 10 سنوات على أول خفض تاريخى لتصنيفها الائتمانى من قبل وكالة «ستاندرد آند بورز»، وجدت الولايات المتحدة نفسها فى ذات الموقف المحرج

Ad

بعد أكثر من 10 سنوات على أول خفض تاريخى لتصنيفها الائتمانى من قبل وكالة «ستاندرد آند بورز»، وجدت الولايات المتحدة نفسها فى ذات الموقف المحرج عبر قرار مماثل اتخذته «فيتش».

ورجحت الكفة الآن لصالح الوكالات التى تحذر من «خلل» فى النظام المالى الأمريكى وما يرتبط به من عجز مزمن وديون فاقت %100 من الناتج الإجمالى وانقسام سياسى بشأن الطريقة الأمثل للتعامل مع الديون وأعبائها.

وبات الضغط حاليا على وكالة «موديز» التى أصبحت الوحيدة فى الاحتفاظ بتصنيف فائق للولايات المتحدة (AAA)، بعد أن كان هذا الضغط ولمدة عقد كامل على وكالة «ستاندرد آند بورز» التى نُظر إليها خلال تلك السنوات على أنها «خارج الإجماع».

ومع أن خطوة «فيتش» بخفض التصنيف الائتمانى للولايات المتحدة أثارت الشكوك بخصوص الجدارة الائتمانية للولايات المتحدة، لكنها من ناحية أخرى أعادت إلى الصدارة حديثا يظهر من حين لآخر حول جدارة هذه الوكالات نفسها، لا سيما وأنها تعمل دون رقيب وتربطها علاقات معقدة مع الشركات على نحو يثير شبهات «تضارب المصالح».

الانتقاد الأبرز لـ»فيتش» لم ينصب على تحليلها الذى أرفقته كمبرر لخفض التصنيف الأمريكي، ولكن على سؤال «لماذ الآن؟» إذ أن التحليل لم يقدم بيانات مالية جديدة على السوق، وبالتالى كان يمكن أن يكون قرارها منطقيا نوعا ما لو اتٌخذ قبل شهرين أو أكثر.

التوقيت الخاطئ إن جاز التعبير، منح الفرصة لواشنطن من أجل انتقاد «فيتش» على نحو غاضب، خاصة أن البلد منتشية فى الوقت الراهن ببيانات إيجابية تشير إلى انتعاش الاقتصاد وابتعاد شبح الركود رغم رفع أسعار الفائدة.

وعلى مستوى ردود أفعال السوق، دق اقتصاديون ناقوس الخطر واصفين قرار فيتش بأنه «رسالة ينبغى الاستماع إليها»، بينما وصفه آخرون بأنه «عديم الجدوى» ولن يؤثر على السوق ولا على جاذبية السندات الأمريكية كأكثر أصول العالم أمانا.

تجريد الولايات المتحدة من تصنيفها الممتاز.. «رسالة يجب الاستماع لها»

فى بلد ينفق أموالا أكبر مقارنة بتلك التى يتحصل عليها عبر الضرائب والرسوم كل عام، ويدمن الاقتراض، ويعانى من العجز المستمر، يجب أن تكون خطوة خفض التصنيف الائتمانى من AAA إلى AA+ «رسالة يتوجب الاستماع إليها».

يبلغ الدين القومى للولايات المتحدة حاليا 32.67 تريليون دولار، وتتوقع وكالة فيتش أن يستمر فى الارتفاع فى السنوات القادمة وسط «ارتفاع تكاليف الضمان الاجتماعى والرعاية الصحية بسبب شيخوخة السكان».

بحلول عام 2025، تتوقع الوكالة أن يصل الدين القومى للولايات المتحدة إلى %118 من الناتج المحلى الإجمالي، مقارنة بحوالى %39 للدول المصنفة AAA.

وتحصل الولايات المتحدة على قروض نظير أسعار فائدة واجبة السداد للمستثمرين، وتواصل الفائدة الارتفاع بانتظام لأنها تتجه للصعود بشكل عام ولأن حجم الدين الأمريكى يتزايد.

وفى العام المالى 2022، دفعت الولايات المتحدة فوائد بقيمة 475 مليار دولار، بما يعادل نسبة %1.9 من إجمالى الناتج المحلي، ومن المتوقع صعود هذا الرقم إلى 1.4 تريليون دولار بحلول عام 2033، بما يعادل نسبة %3 من إجمالى الناتج المحلي، بحسب تقرير لوكالة «سى إن إن».

فوائد الدين.. أكبر استحقاق فى الموازنة

ومن المتوقع بحسب المنحنى المالى الحالى للبلاد، صعود الإنفاق على الفائدة بحلول عام 2051 ليشكل أكبر استحقاق واجب السداد فى الموازنة الفيدرالية، متخطيا الضمان الاجتماعى وبرامج الرعاية الصحية وجميع برامج الإنفاق على الأساسيات والكماليات.

ويقول مارك سابل المسئول رفيع المستوى السابق لدى وزارة الخزانة الأمريكية خلال محادثة تليفونية مع موقع ماركت واتش، إن الاستدامة المالية للولايات المتحدة لا تزال بمنأى عن المخاطر فى الوقت الراهن حتى بعد خفض تصنيفها الائتمانى مؤخرا، لكن المشكلة تكمن فى المخاوف طويلة الأجل، فهناك ارتفاع هائل فى معدلات الاقتراض واجب السداد بحلول عام 2030 وما بعده.

وتابع:» هذا أمر نحن نحتاج بشدة للتركيز عليه كمجتمع، لكن جميع الأطراف لا تبدو مستعدة لإيلاء هذه القضية الاهتمام الواجب».

وأظهرت البيانات الصادرة عن مكتب الموازنة التابع للكونجرس مطلع العام الجارى أن عجز الموازنة الأمريكية سيرتفع إلى 2 تريليون دولار بحلول عام 2033 صعودا من 1.4 تريليون دولار عام 2023.

تذكير بهشاشة الصورة المالية

وتستبعد شركات السمسرة الكبرى وقوع اضطرابات مستدامة لأن البيانات الاقتصادية الأمريكية القوية ساهمت فى تهدئة المخاوف حيال الوقوع فى هوة الركود، بحسب وكالة رويترز.

لكن المتعاملين فى الأسواق يقولون أيضا إن خطوة خفض التصنيف الائتمانى ما هى إلا تذكير بأن الصورة المالية للبلاد تزداد هشاشة، وهو ما يعزز مخاوف فئات متعددة تشمل مدراء الأصول والبنوك المركزية العالمية وغيرهم من المستثمرين الذين تقع فى حيازتهم كميات ضخمة من الديون الحكومية الأمريكية.

وقال روبرت تيب، رئيس الاستثمارات لدى شركة بى جى آى أم للدخل الثابت، إن خطوة وكالة فيتش ستدفع الناس إلى التوقف وطرح الأسئلة.

وتابع: «الإطار المالى الذى كان سائدا فى تسعينيات القرن العشرين قد ذهب غير مأسوفا عليه، لذا يتعين استبدال فائض الموازنة الذى كان سائدا فى ذلك الوقت بمستويات العجز الضخمة والتهديد المتكررة بإغلاق الحكومة والتعثر فى سداد الديون».

وأشار تيب إلى ارتفاع نسبة الديون الأمريكية إلى إجمالى الناتج المحلى التى تستقر حاليا عند %100 بنهاية عام 2022، وفى العقد الماضي، كان يتم النظر إلى ذلك المستوى بوصفه دالا على الدخول فى منطقة الخطر التى تشكل مصدر تهديد لمساعى الجهات السيادية الحصول على ائتمان.

ويظل انضمام وكالات التصنيف الائتمانى الأخرى إلى جولة التخفيض فى جدارة الولايات المتحدة الائتمانية احتمالا واردا، بحسب جوسيه توريه الخبير الاقتصادى لدى شركة انتركتف بروكرز.

وأضاف أن إقبال وكالات التصنيف الائتمانى الثلاثة الكبرى على خفض التصنيف الائتمانى للولايات المتحدة سيؤثر على أسواق الأسهم والسندات، لأنه سيرفع تكلفة رأس المال على الشركات ووزارة الخزانة على حد سواء.

بعد 10 سنوات على قرارها التاريخى الجريء.. «ستاندر آند بورز» تحتفى بـ«البراءة»

عندما سمع نيكولا سوان أن وكالة «فيتش» أزالت الولايات المتحدة من قائمة المقترضين الخاليين تماما من المخاطر، شعر على الفور بإحساس «الرضا».

وقال سوان لصحيفة نيويورك تايمز إن القرار كان بمثابة «التبرئة».

وسوان هو الرجل الذى لعب دورا رئيسيا منذ أكثر من عقد من الزمان، فى خفض وكالة ستاندر آند بورز لتصنيف أمريكا، عندما كان محللًا رئيسيًا للوكالة.

ففى 2011، كانت «ستاندر آند بورز» أول وكالة على الإطلاق تخفض التصنيف الائتمانى طويل الأجل للولايات المتحدة عقب الخلافات المحتدمة حول سقف الديون.

فى ذلك الوقت، كانت هذه الخطوة مثيرة للجدل، وآنذاك اتهمت وزارة الخزانة الوكالة باتباع نموذج يحتوى على خطأ رياضى ما أدى إلى المبالغة فى حجم الدين الفيدرالى بنحو 2 تريليون دولار.

خلافات الأحزاب باقية

قبل عقد من الزمان وحتى هذا الأسبوع، تم الاستشهاد بالخلافات الحزبية بين الجمهوريين والديمقراطيين كأحد أسباب خفض التصنيف.

إذ استشهدت ستاندرد آند بورز بـ «الفجوة بين الأحزاب السياسية»، واستشهدت وكالة فيتش بـ»المواجهات السياسية المتكررة للحد من الديون وقرارات اللحظة الأخيرة».

وقال سوان للصحيفة إن سياسة حافة الهاوية المتكررة لسقف الديون تسلط الضوء على نقاط الضعف الهيكلية فى الحوكمة المالية فى الولايات المتحدة.

وأوضح: «تتمثل مهمة وكالة التصنيف الائتمانى فى تحليل جميع المعلومات ذات الصلة، والمؤشرات الأكثر أهمية على الجدية التى تتعامل بها واشنطن مع الالتزامات الفيدرالية الأمريكية».

وتابع: «قوة اقتصاد الدولة، رغم أهميتها، ليست سوى جزء من تقييم التصنيف السيادي، فى الأساس، لا يمثل التصنيف الائتمانى السيادى رأيًا فى اقتصاد الدولة فى حد ذاته، ولكنه رأى حول احتمالية الدفع لحاملى ديون الحكومة فى الوقت المحدد، وبالكامل، ودون قيد أو شرط».

وأوضح سوان أن الاقتصاد القوى يساعد على ذلك بشكل كبير، لكن الحوكمة المالية المختلة يمكن أن تفوق تلك القوة.

وأوضح: «تتمتع دول AAA المتبقية بسجلات إنجازات أقوى من الولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر بالحوكمة المالية».

لم نخطئ

وأكد سوان أن تخفيض التصنيف الائتمانى السيادى للولايات المتحدة من قبل ستاندرد آند بورز عام 2011 لم يكن خطأ.

وأوضح: «لقد ازدادت نقاط الضعف التى أشرنا إليها بعد ذلك، مقارنةً ببلدان AAA، من حيث قدرة واشنطن على بناء إجماع من الحزبين حول مسائل السياسة الرئيسية فى الوقت المناسب، خاصة فيما يتعلق بالإدارة المالية».

وقال إن إعادة رفع التصنيف الأمريكى يستلزم تقليص الولايات المتحدة عجزها المالى الهيكلى بشكل كبير، لوضع الدين الحكومى على مسار هبوطى متعدد السنوات من حيث الناتج المحلى الإجمالي.

كما يتوجب على واشنطن تطوير سجل حافل بالانضباط المالى الموثوق به على المدى المتوسط المدعوم بإجماع سياسى متعدد الأطراف.

«سى إن إن»: القرار «خدش» لا تأبه له الأسواق

وصف تقرير نشرته وكالة «سى إن إن» الخفض المفاجئ للتصنيف الائتمانى الأمريكى بأنه لا يحفز أية تبعات سلبية كبرى طويلة الأجل وأنه لا يؤثر على الاقتصاد ولا على المستهلكين ولا على قدرة الحكومة على الاقتراض.

وأوضحت «سى إن إن» أن قرار الخفض لن يسفر عن تقليص الجدارة الائتمانية للولايات المتحدة ولن يرفع أسعار الفائدة المقررة عليها عند الاقتراض من الأسواق.

ويرجع السبب وراء هذا إلى أن الخفض ليس كبيرا، إذ هبط التقييم خطوة واحدة من AAA إلى +AA، وكانت وكالة ستاندرد آند بورز قد فعلت الشيء نفسه عام 2011 عندما احتدم الخلاف بين المشرعين الأمريكيين بخصوص المعركة السياسية الأبدية بخصوص رفع سقف الدين القانونى للبلاد.

وبحسب خبير سابق فى موازنة الحكومة الفيدرالية، فإن التحدث علانية عن خطر التعثر كفيل وحده بإعطاء انطباع زائف بأن البلاد تعانى من أزمة، وأن الولايات المتحدة هى الدولة المتقدمة الوحيدة التى تفعل هذا.

وتقول «سى إن إن» إن الاقتصاديين أعلنوا رفضهم للخفض لأنه يأتى بعد مرور شهرين فقط على توصل المشرعين إلى اتفاق يقضى برفع سقف الدين ويسهم فى تقليص العجز بنحو 1.5 تريليون دولار خلال العقد القادم.

ووصفت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين البيانات التى استندت إليها وكالة فيتش بأنها قديمة.

وقال جورج ميتايو، خبير الاستثمارات لدى بنك كى برايفت إنه يعتقد أن خطوة الخفض لن تتسبب فى تغييرات كبيرة فى الأسواق.

وتابع: «الأداء القوى للاقتصاد الأمريكى مقارنة بالاقتصادات المتقدمة الأخرى هو سبب آخر لانعدام تأثير الخفض، وذلك فى ظل تراجع التضخم ليصل إلى أدنى مستوياته وصعود إجمالى الناتج المحلى إلى 2.4% فى الربع الثانى على أساس سنوي».

ويرى الاقتصاديون أن موقف الولايات المتحدة بخصوص الدين غير مستدام على الأجل الطويل، لكنهم يعتقدون أن الاقتصاد الأمريكى سينجح فى تفادى السقوط فى هوة الركود رغم إقدام الاحتياطى الفيدرالى على خفض أسعار الفائدة 11 مرة منذ مارس 2022 ضمن جهود خفض التضخم.

«ماركت ووتش»: ضربة جديدة لمكانة الدولار

تشكل خطوة خفض التصنيف الائتمانى للولايات المتحدة أحدث ضربة لمكانة الدولار وسمعته، بحسب موقع ماركت واتش.

وحسب تيرى وايزمان، خبير الأسواق لدى «ماكرى جروب»، ربما تفضى انتقادات وكالة فيتش إلى مساعدة بلدان مثل الصين وروسيا على المضى قدما فى جهود التخلص من الدولار وهيمنته العالمية، مقابل تثبيت دعائم نظام يعتمد على العملات المتعددة أو العملات مشفرة أو السلع.

ونجحت الصين مؤخرا فى إقناع عدد أكبر من الدول، أحدثها بوليفيا، فى تنفيذ قدر أكبر من معاملاتها التجارية الدولية باستخدام اليوان الصيني.

وأقبلت روسيا على تخفيض احتياطياتها من الدولار الأمريكى لصالح الذهب واليوان ردا على العقوبات الأمريكية والأوروبية التى حرمت البنوك الروسية من الوصول إلى النظام المالى العالمي.

وأعلن قادة دول أخرى مثل البرازيل أنهم سيتخذون خطوات لخفض اعتمادهم على الدولار.

وتعتزم روسيا والصين والبرازيل انتهاز فرصة انعقاد مؤتمر مجموعة «بريكس» فى وقت متأخر من الشهر الجارى فى جنوب أفريقيا لتحفيز المزيد من الدول على التخلص من الدولار فى معاملاتها التجارية.

وأقبل رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا على دعوة عشرات الدول الأخرى للمشاركة فى المؤتمر جنبا إلى جنب الدول الأعضاء فى تكتل «بريكس» روسيا والصين والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا.

ويرى الكثير من الاقتصاديين أن مكانة الدولار الأمريكى كعملة احتياط عالمية ستظل بمنأى عن هذه المحاولات فى الوقت الراهن على أقل تقدير.

لكن هذا الوضع ربما يتغير إذا أخفقت الولايات المتحدة فى إيجاد حل للمشاكل التى كانت السبب وراء تحرك وكالة فيتش ضد الولايات المتحدة، بحسب مارك سوبل، المسئول السابق فى وزارة الخزانة الأمريكية.

ويرى سوبل أن عدم توفر عملة ملائمة قادرة على أن تحل محل الدولار ستظل هى الضمانة التى تحمى وضعية الدولار فى الوقت الراهن.

ولابد أن تتوفر فى هذه العملة البديلة سجل من السيولة والقدرة على الوصول إلى الأسواق المالية وحرية تحويله إلى عملات أخرى وسيادة حكم القانون.

وربما يتغير هذا الوضع إذا فشلت الحكومة الفيدرالية الأمريكية فى تقليص معدلات اقتراضها على المدى الطويل، أو إذا تمادت فى تسليح دور الدولار فى النظام المالى عن طريق استخدامه فى العقوبات.

وتستفيد الحكومة والشعب الأمريكى من وضعية الدولار كعملة احتياط، لدورها فى تيسير الاستيراد بأسعار متدنية وتقليص تكاليف الاقتراض، وهناك مضار أخرى ناجمة عن استمرار صعود قوة الدولار، منها خروج وظائف التصنيع من الولايات المتحدة إلى البلدان الأخرى التى توفر عمالة أقل تكلفة.

وكالات التصنيف الائتمانى فى مرمى الانتقادات

تلعب وكالات التصنيف الائتمانى دورا مهما فى النظام المالى، فهى تزود المستثمرين بالمعلومات اللازمة بخصوص الجدارة الائتمانية للبلدان، مما يقلل المخاطر ويحسن كفاءة الأداء فى الأسواق.

لكن، صدرت خلال السنوات القليلة الماضية دعوات تطالب بإصلاح صناعة التصنيف الائتماني، ومعالجة انحيازها مع أو ضد الدول والمؤسسات.

وتشمل هذه الإصلاحات مطالبة وكالات التصنيف بالكشف عن تضارب المصالح مع الدول أو المؤسسات التى تقوم بتقييم تصنيفها الائتماني.

وهى تشمل أيضا إقامة جهاز مستقل مسئول عن مراقبة وكالات التصنيف ودفعها للتحلى بقدر أكبر من الشفافية عن طريق مطالبتها بالكشف عن الأسباب التى دفعتها لإصدار التقييم.

وهناك أمثلة تكشف إخفاق وكالات التصنيف فى قرار التقييم وبعده عن جادة الصواب، ففى عام 2007، منحت وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتمانى الدرجة الاستثمارية لأدوات الدين المدعومة بقروض الرهن العقارى فى الولايات المتحدة، ثم تبين لاحقا أن هذه الأدوات شديدة المخاطرة، مما قاد إلى تكبد الكثير من الأمريكيين كما ضخما من الخسائر جراء تعثر هذه الأدوات.

وفى عام 2009، أصدرت وكالة موديز تقريرا سعت فيه لتهدئة مخاوف المستثمرين بخصوص الجدارة الائتمانية لليونان، وبعد ستة أشهر من التقرير، طلبت هذه الدولة خطة لإنقاذها من التعثر.

ويرى وزراء المالية أن قرارات خفض التصنيف ربما تكون صحيحة لكنها تزيد الوضع سوءا داخل بلدانهم لأن الإعلان عن خفض التصنيف فى حد ذاته يبالغ فى تصوير خطورة الوضع خلافا للحقيقة، بحسب صحيفة الجارديان.

ويعتقد كرستيان نوير، المحافظ السابق للبنك المركزى الفرنسي، أن وكالات التصنيف هى التى أججت أزمة عام 2008 لأنها تباطأت كثيرا فى خفض التصنيف الائتمانى للديون السامة التى تسببت فى وقوع الأزمة المالية العالمية فى ذلك العام.

وينطبق الأمر نفسه على شركات مثل «إنرون» و»ليمان برازرز» و»أيه آى جي،» فقبل أيام قليلة من تعثرها، حصلت هذه الشركات على تقييم يؤكد جدارتها الاستثمارية، ومن المثير للصدمة أن نسبة تزيد على النصف من جميع ديون الشركات التى حصلت على التقييم الممتاز AAA بواسطة وكالة ستاندرد آند بورز تم خفض تصنيفها الائتمانى بعد سبع سنوات، بحسب بحث للاقتصادى سوخيديف جوهال.

وتكمن المشكلة فى أن وكالات التصنيف يتم تمويلها من الشركات التى تقوم هذه الوكالات بتقييمها، وتتراوح رسوم التقييم بين 1,500 دولار إلى 2,500,000 دولار بحسب حجم الشركة، مما يخلق حالة من تضارب المصالح.

ويشير تقرير لموقع كوارتز إلى أن الاقتصاديات الناشئة هى الأكثر تأثرا بتقييمات وكالات التصنيف الائتمانى مقارنة بالاقتصاديات المتقدمة، لأن الأخيرة تملك القدرة على إقامة علاقات تجارية مع معظم دول العالم.

وتم خفض التصنيف الائتمانى للأرجنتين عام 2014 بواسطة وكالة ستاندرد آند بورز مما قاد إلى ارتفاع حاد فى تكاليف الاقتراض وزاد من صعوبة تمويل ديونها، وسقوطها فى هوة أزمة اقتصادية عام 2015.

كما جرى خفض التصنيف الائتمانى لجنوب أفريقيا بواسطة وكالتى ستاندرد آند بورز وموديز عام 2017 بعد سقوط البلاد فى هوة الركود، مما أدى إلى صعود تكاليف اقتراض الأموال وإلى تراجع قيمة عملتها الراند لاحقا.