عادت أصداء الحرب الروسية الأوكرانية إلى قلب مسارح الدول النامية مجددا، بعد أن تسببت مع اندلاعها قبل أكثر من عام فى تكبيد الاقتصادات الضعيفة وميزانياتها المرهقة مليارات الدولارات الإضافية لتأمين ما تستورده من غذاء.
من القمح إلى الشعير والذرة، وحتى الأسمدة والأعلاف، فضلا عن سلع ضرورية أخرى، ستعرف طريق الأزمة عما قريب، بعد أن قررت روسيا إقحام ملايين الفقراء فى حربها عبر الانسحاب من اتفاق أممى لتمرير الصادرات الغذائية الأوكرانية، فضلا عن استهداف تلك المحاصيل بالصواريخ.
تدرك روسيا تماما ما تفعله، وهى متهمة بما اصطلح على تسميته “تسليح الغذاء”، عبر افتعال أزمة غذاء دولية تضغط بها على الغرب وتدفعه لتخفيف قبضته وإلغاء بعض عقوباته التى تفرض العزلة التامة على موسكو وما تحتاجه من واردات لأسلحتها وعتادها.
وفى المقابل، لا يبدو أن الجانب الغربى مستعد لتقديم أى تنازلات قريبة لحلحلة الوضع.
وفى الأثناء يقدم الطرفان حلولا بائسة للدول الفقيرة، إذ تعهدت روسيا بتوريد حبوب مجانية للدول الأفريقية، وفى الواقع فإن ما تم التعهد به لا يكفى حتى %6 من احتياجات القارة السمراء.
وفى المقابل، يدرس الغرب تصدير الحبوب الأوكرانية برا، فى اقتراح يعنى أن محصول الموسم الواحد سيستغرق 3 سنوات لنقله!
وبالتزامن، شهد العالم عودة دول مختلفة إلى حظر تصدير الغذاء، فيما يمكن أن يقودنا إلى أزمة غذاء كاملة.
انسحبت روسيا من اتفاق توسطت فيه الأمم المتحدة لوقف حصار موانئ أوكرانيا والسماح لها بتصدير الحبوب، وهو اتفاق جوهرى كان يتيح تصدير نحو 33 مليون طن من الحبوب الأوكرانية منخفضة السعر إلى الأسواق العالمية، بحسب موقع دى دبليو.
ولم تكتف موسكو بهذا، بل شنت هجمات جوية عدة على موانئ فى جنوب أوكرانيا، ودمرت 60 ألف طن من الحبوب المعدة للتصدير بطائرات مسيرة وصواريخ.
وقالت روسيا إن أسطولها فى البحر الأسود تدرب على إطلاق صواريخ على “أهداف عائمة” وإنها ستعتبر أن جميع السفن المتجهة إلى المياه الأوكرانية تحمل أسلحة، وردت كييف بتحذير مماثل بشأن السفن المتجهة إلى روسيا.
اتفاق جوهري
وتمثل أوكرانيا جزءا كبيرا من سلسلة الغذاء العالمية، وتقول الأمم المتحدة إن الاتفاق الذى انسحبت منه روسيا - ساعد أفقر الناس من خلال خفض أسعار المواد الغذائية بأكثر من %23 على مستوى العالم منذ مارس من العام الماضى.
فى حين تقول روسيا إن الحبوب الأوكرانية لم تصل إلى الدول الفقيرة وإنها تتفاوض الآن مباشرة مع من هم فى أمس الحاجة إليها، وتقول إنها لن تدخل الصفقة مرة أخرى دون شروط أفضل لمبيعاتها من المواد الغذائية والأسمدة.
وخلافا لتلك المزاعم، ذكرت الأمم المتحدة أن أوكرانيا قامت بتصدير 725 ألف طن من الحبوب إلى برنامج الغذاء العالمى المختص بتقديم مساعدات غذائية إنسانية إلى أفغانستان وجيبوتى وأثيوبيا وكينيا والصومال والسودان واليمن.
وقال الاتحاد الأوروبى إن أوكرانيا رفعت مساهمتها الغذائية المقدمة لبرنامج الغذاء العالمى خلال العام الماضى من %50 قبل الحرب إلى %80 من إجمالى حبوبها.
واستفادت الدول النامية بنسبة %57 من المواد الغذائية التى تم تصديرها من أوكرانيا خلال العام الماضى، كما استفادت الدول المتقدمة بنسبة %43. وشمل كبار المستفيدين الصين وإسبانيا وتركيا وإيطاليا، بحسب تقرير لوكالة بى بى سى.
خطة عسكرية
باختصار، اختارت روسيا استخدام القوة العسكرية لإعادة فرض حصارها على أحد أكبر مصدرى المواد الغذائية فى العالم ما قاد بشكل طبيعى إلى ارتفاع الأسعار العالمية.
وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك إن “هذه الهجمات لها تأثير يتجاوز حدود أوكرانيا”.
وتابع: “إننا نشهد بالفعل تأثيرًا سلبيًا على أسعار القمح والذرة العالمية، وهو ما يضر بالجميع، خاصة الأشخاص المعرضين للخطر فى جنوب الكرة الأرضية”.
وقال دوجاريك إن الأمين العام للأمم المتحدة “لن يلين” وأنه يبذل جهوده لضمان توافر الغذاء والأسمدة فى الأسواق الدولية.
هجوم على أفقر من فى العالم
وقالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بربوك إن الجيش الروسى يشن هجوما على أفقر الناس فى العالم.
وأوضحت أن “مئات الآلاف من الناس، ناهيك عن الملايين، بحاجة ماسة إلى الحبوب من أوكرانيا”.
وتابعت: “هذا هو السبب فى أننا نعمل مع جميع الشركاء على المستوى الدولى حتى لا تتعفن الحبوب فى أوكرانيا فى الصوامع خلال الأسابيع القليلة المقبلة بل تصل إلى الأشخاص فى جميع أنحاء العالم الذين يحتاجون إليها بشكل عاجل”.
وتحقيقا لهذه الغاية، سنعمل بجدية أكبر لانتزاع مزيد من الحبوب من أوكرانيا عبر “ممرات التضامن”.
