«الهيدروجين الأخضر» يعظم صناعة الشحن البحرى بالسوق المحلية

توصلت المنظمة البحرية الدولية إلى اتفاق تاريخى يقضى باعتماد هدف خفض الانبعاثات الكربونية الناتجة عن سفن الشحن البحرى إلى الصفر بحلول عام 2050

Ad

توصلت المنظمة البحرية الدولية إلى اتفاق تاريخى يقضى باعتماد هدف خفض الانبعاثات الكربونية الناتجة عن سفن الشحن البحرى إلى الصفر بحلول عام 2050 أو ما حوله، وهو ما يمثل فرصة للعديد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومن بينها مصر، كونها بدأت بالفعل فى وضع أسس راسخة لتصبح مركزا للهيدروجين الأخضر الذى يمثل بديلا نظيفا لوقود السفن التقليدى.

وعلاوة على ذلك، تحتضن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نخبة من أفضل موانئ الحاويات فى العالم، والتى تلعب دورا رئيسيا فى التجارة الدولية، إذ وفقًا لمؤشر أداء ميناء الحاويات العالمى (CPPI) الصادر عن البنك الدولى، تقع 4 من أفضل 5 موانئ عالمية بالمنطقة فى السعودية وعمان وقطر والإمارات فضلًا عن ميناء بورسعيد المصرى الذى احتل المركز الخامس عشر على المؤشر.

يأتى ذلك بينما أطلقت الحكومة المصرية المصرية بالفعل مشروعات تطوير طموحة تضمنت استثمارات ضخمة فى قطاعات النقل، والبناء والتشييد، والاتصالات، والطاقة المتجددة، وتطوير محور قناة السويس.

وتستهدف الحكومة جمع استثمارات أجنبية مباشرة فى مشروعات الهيدروجين الأخضر بنحو 81.6 مليارات دولار بحلول 2035.

وفى الواقع، يمثل قطاع النقل أحد المحركات الرئيسية للتنمية الاقتصادية والنمو فى مصر، فى وقت تسعى فيه الدولة المصرية إلى تعزيز مكانة البلاد كمركز لوجستى عالمى رئيسى يربط بين أسواق الإنتاج والاستهلاك، مستفيدًا من الموقع الجغرافى الفريد لمصر ومشروعاتها المتعددة فى مجالات البنية التحتية.

وتستهدف الحكومة المصرية مضاعفة حجم التجارة عبر موانئها 3 مرات، وقد وضعت خطة طويلة الأجل لزيادة طاقة الموانئ إلى قرابة 400 مليون طن سنويا بحلول عام 2030.

كما عقدت مصر شراكات طموحة مع خطوط شحن عالمية كبرى فى عدة مجالات، أبرزها مع ميرسك العالمية لإنشاء مشروع لإنتاج الوقود النظيف للسفن فى مصر بقيمة استثمارات 15 مليار دولار.

وحسب معهد الشرق الأوسط، المنظمة الأمريكية المستقلة، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ستتأثر بشكل خاص بهذا الاتفاق، إذ تحتاج الحكومات الإقليمية والشركات الخاصة إلى تطوير مناهج مستدامة إزالة الكربون من الشحن البحرى.

وتعد صناعة الشحن البحرى العملاقة، هى المسئولة عن نقل أكثر من %80 من البضائع المتداولة فى العالم عبر عشرات الآلاف من السفن الضخمة التى تعمل بالوقود الأحفورى، ونتيجة ذلك، فإن تأثيرها على المناخ هائل إذ تنتج حوالى %3 من الغازات المتسببة فى ارتفاع حرارة الكوكب.

كما يولد القطاع حوالى 1 مليار طن من الغازات الدفيئة كل عام، وهى كمية تناهز البصمة الكربونية لألمانيا، كما يشغل النقل البحرى المرتبة السادسة على قائمة الجهات المسببة للتلوث فى العالم.

وفى مبنى على نهر التايمز فى لندن، اجتمع ممثلون من 175 دولة عضو فى المنظمة البحرية الدولية، وهى هيئة تابعة للأمم المتحدة تنظم النقل البحرى العالمى، وانخرطوا فى مجموعة من المفاوضات اختتمت يوم الجمعة الماضى وانتهت إلى الالتزام بخفض التلوث الناتج عن القطاع والذى يتسبب فى ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض.

وفى النهاية، اتفق المجتمعون على تعهد مناخى بالحد من التلوث الناتج عن القطاع إلى صافى الصفر “بحلول عام 2050 أو قريبًا منه”.

ووافقت دول العالم أيضًا على خفض الانبعاثات بنسبة %20 بحلول عام 2030 بنسبة %70 بحلول عام 2040، مقارنة بمستويات عام 2008.

وتحدث الأمين العام للمنظمة البحرية الدولية كيتاك ليم عن الاتفاق، واصفًا إياه بأنه تطور محورى يفتح صفحة جديدة على صعيد خفض الانبعاثات الكربونية التى يصدرها النقل البحرى.

ومع ذلك، حذر نشطاء من الاتفاق لكونه معيبا وعاجزا عن تحقيق مستهدف اتفاق باريس بخصوص خفض الارتفاع فى درجات الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية بنهاية القرن الحالى.

وبحسب “بى بى سي”، يتطلب خفض انبعاثات النقل البحرى بوتيرة متسارعة خلال العقود الثلاث القادمة تمرير تشريعات جديدة وتوفير بنية تحتية وقود بديل.

وأوضحت أن النقل البحرى يستطيع خفض اعتماده على الوقود الأحفورى عن طريق التحول إلى تكنولوجيا قديمة، وهى الأشرعة.

ويعد الدفع المعتمد على الرياح واحدا من مصادر الطاقة الواعدة لتحقيق مستهدف تخليص النقل البحرى من الكربون.

وبنت شركة أأوشنبرد السويدية نموذج أول سفينة مزودة بأربعة صوارى ثابتة. ولا تسهم طاقة الرياح فى دفع السفينة للأمام فقط، بل تساعدها أيضا على المناورة وتكسبها الرشاقة المطلوب توفرها وهى تجوب سطح المياه.

ويعد تشجيع المستثمرين والحكومات على تبنى طاقة الرياح وإدخال تعديلات على السفن لتحقيق غرض الاستفادة منها واحد من التحديات الكبرى القائمة حاليا، خصوصا أنها لا تزال فى مراحل تطورها المبكرة.

وتلعب الاستعانة بأنواع نظيفة من الوقود مثل الهيدروجين دورا حيويا لتحقيق مستهدف النقل البحرى للوصول إلى صافى الانبعاثات إلى الصفر بحلول عام 2050.

ويتسم الوقود الأخضر بإطلاقه صفر انبعاثات، إذ يتم توليده باستخدام الطاقة النظيفة مثل الرياح أو الشمس استخلاص الهيدروجين من جزيئات الماء.

لكن هناك تحديات كبرى تعرقل توليد الهيدروجين، منها ضرورة تخزين الوقود عند درجة حرارة متدنية للغاية تصل إلى سالب 253 درجة مئوية ( تعادل سالب 423 فهرناهيت)، وينبغى تدريب طاقم العاملين على كيفية التعامل مع الوقود الذى يتسم بشدة قابليته للاشتعال.

وتراهن شركة ميرسك التى تعد ثانى أكبر شركة حاويات فى العالم على الميثانول الأخضر لمساعدتها فى التخلص من الكربون.

وتقدمت الشركة بإجمالى طلبيات لشراء سفن تعمل بوقود الميثانول بلغت 25 طلبية حتى تاريخه.

ويعد الميثانول الأخضر عبارة عن وقود منخفض الكربون يمكن إنتاجه من الوقود الحيوى المستدام أو عن طريق استخدام الطاقة الكهربائية المتجددة لتحليل الماء إلى الأوكسجين والهيدروجين الذي يمتزج مع ثانى اكسيد الكربون.

وبخلاف الهيدروجين، لا يتعين تخزين الميثانول الأخضر تحت الضغط العالى أو البرودة الحادة، وتتوفر بالكثير من الموانئ بالفعل بنى تحتية لتخزينه، لكن العملية معقدة، إذ يجب اقتناص غاز ثانى أكسيد الكربون من الجو، بينما التكنولوجيا المتاحة حاليا لتحقيق هذا الغرض لا تزال فى مراحلها الأولى بجانب أنها باهظة الثمن وغير موثوقة بالقدر الكافى.

ويعد شحن البطاريات باستخدام الطاقة المتجددة واحدا من الطرق الأخرى لخفض الانبعاثات التى يطلقها النقل البحرى، لكن توجد قيود تحد من المسافات التى تقدر هذه البطاريات على تغطيتها.

وفى الوقت الراهن، تعد البطاريات المعتمدة على الطاقة المتجددة واحدة من الخيارات الملائمة للسفن ذات الرحلات القصيرة، مثل المعديات والقوارب النهرية، بينما لا تصلح السفن ذات الحمولات الكبيرة العابرة للمحيطات.

وبدلا من هذا، يسعى ملاك السفن إلى تزويد سفن البضائع بمزيج من طاقة الرياح والألواح الشمسية.

وأقبلت شركة إيكو مارين اليابانية لأنظمة الطاقة المتجددة، مثلا، على تطوير سفن “صوارى الطاقة” التى تسمح بتثبيت صوارى ثابتة مزودة بألواح شمسية، مما يتيح للسفن استخدام طاقة الرياح والشمس فى ذات الوقت.

ولتحقيق هدف الاستفادة السريعة من الوقود الأخضر واستخدامه فى السفن، ينبغى إقامة بنية تحتية فى الموانئ لإنتاجه وتخزينه والسماح للسفن بالتزود بالوقود.

وينبغى أن تستثمر الموانئ فى الأجهزة المختصة بتحليل الماء لتوليد الهيدروجين وتعزيز قدرتها على الاستفادة من الطاقة المتجددة، مثل تلك المستخرجة من الرياح والشمس وإقامة منشآت تخزين البطاريات والهيدروجين.

وتحتاج معظم السفن كذلك لإدخال تعديلات لتمكينها من العمل اعتمادًا على الوقود الأخضر واستخدام طاقة الرياح والبرمجيات الرقمية لتحسين كفاءة خطوط سيرها.