تسعى وزارة النقل لتنشيط تجارة الترانزيت خلال الفترة المقبلة، خاصة بعد قربها من إنهاء العديد من المشروعات، والتى من أهمها حسب بيانات وزارة النقل محطة تحيا مصر للبضائع متعددة الأغراض فى ميناء الإسكندرية.
وذكرت الوزارة فى أكثر من مناسبة، أن مشروعات الموانئ -خاصة المحطات الجديدة سواء على البحرين الأحمر أو الأبيض- تستهدف بالأساس جذب تجارة الترانزيت، ومن ثم جمع حصيلة دولارية جيدة تساعد على تغطية الاستثمارات التى صرفت على هذه المحطات خلال فترة وجيزة.
واستطلعت “المال” فى هذا التقرير، آراء عدد من العاملين وخبراء القطاع، لوضع روشتة كاملة لآليات الاستفادة من المشروعات الجديدة، خاصة أن الوزارة لم تحدد حتى الآن رقما محددا لإجمالى المستهدف من بضائع الترانزيت المقرر أن تصل إلى الموانئ المصرية، خاصة بعد عملية التطوير التى تمت خلال الـ9 سنوات الماضية.
فى البداية، قال المهندس مروان السماك، نائب رئيس غرفة ملاحة الإسكندرية، إن الموقع الجغرافى ووجود قناة السويس داخل الدولة يضع مصر على خطوط التجارة العالمية من الشرق الأوسط إلى البحر الأبيض ودول أوروبا.
وأكمل أن تجارة الترانزيت مرتبطة بمناطق معينة، مشيرًا إلى أن تكلفة الموانئ هى المحدد الأول للتنافسية، سواء تكلفة مباشرة متمثلة على سبيل المثال فى القاطرات ورسوم دخول السفينة وخروجها، أو تكلفة غير مباشرة تتمثل فى البعدين الزمنى والمكانى عن خط التجارة العالمى.
وتابع “السماك” أنه على الرغم من ارتفاع التكاليف المباشرة فى الموانئ المصرية، لكن ما زالت ميزة الموقع ذات قوة تنافسية يجب استغلالها بشكل أمثل بجانب محاولة تخفيض الشق الأول من التكلفة والحد من كثرة القوانين والتشريعات المتغيرة.
وأكد نائب رئيس غرفة ملاحة الإسكندرية، أن المحطات للأرصفة الجديدة ذات الأعماق الكبيرة والمعدات التشغيلية الجديدة سوف تؤدى إلى رفع كفاءة الموانئ المصرية وتحسين التشغيل بها بشكل كبير.
ونوه إلى ضرورة التعامل مع تجارة الترانزيت على كونها عابرة، وإعطاءها المساحة الكافية والتخفيف من حدة القيود الأمنية، طبقًا لقوانين النظم الدولية، دون الإخلال بأمن الموانئ، موضحًا أن المطلوب تيسير حركة التجارة بالشكل الأمثل.
وأشار اللواء محفوظ طه، رئيس هيئة موانئ البحر الأحمر الأسبق والخبير الملاحى، إلى أن المحطات الجديدة التى يتم إنشاؤها، أو التى تم التعاقد عليها تستهدف بالأساس تجارة الترانزيت، ولا تعتمد بشكل أساسى على التجارة الخارجية “صادرات وواردات”، إذ تحقق الموانئ المصرية 7.5 مليون حاوية، بينما الطاقات الموجودة قبل المحطات الجديدة تصل إلى نحو 12 مليون حاوية.
وأضاف أن الأساس لتلك المحطات الجديدة، والتى يمكن أن تحقق الجدوى الاقتصادية لها، اعتمادها على جذب تجارة الترانزيت، إلا أن موقع المحطات يختلف من محطة لأخرى فى قدرتها على جذب تلك الخدمات.
وأوضح اللواء عبد القادر درويش، رئيس المجموعة المصرية للمحطات متعددة الأغراض، أن إنشاء محطة تحيا مصر بميناء الإسكندرية، يأتى بهدف تعظيم تجارة الترانزيت بالميناء، خاصة أنه لم يكن يحتل أكثر من %1 من حجم البضائع المتداولة به من الترانزيت بالنسبة للبضائع المحواه، موضحا أن هذا معدل متواضع للغاية.
وأشار إلى أن %30 من فترة التشغيل التجريبى للمحطة الجديدة يعد من تجارة الترانزيت، والذى يحقق عائدا كبيرا بالنسبة للشركة أو للميناء.
وتابع أن المحطة تم عملها تجريبيا خلال فبراير الماضى، وتم تداول قرابة 60 ألف حاوية، واستقبلت المحطة 65 سفينة، وهو ليس المستهدف للشركة تحقيقه، لافتا إلى أن المتداول شهريا يتراوح من 50 – 60 ألف حاوية ، بينما خلال التشغيل التجريبى بلغت نسبة المحقق شهريا من 5 - 10 آلاف حاوية شهريا.
من جانبه، أكد مصدر قطاع النقل البحرى أن وزارة النقل تستهدف زيادة نصيب الموانئ المصرية من تجارة الترانزيت خلال الفترة المقبلة، خاصة بمنطقة شرق البحر المتوسط التى تقع فيها مصر.
وتابع: أن الموانئ البحرية حققت بضائع ترانزيت العام الماضى 2022 سجلت 40.4 مليون طن، والواردات 83.4 مليون طن، أما الصادرات فقدرت بحوالى 52 مليون طن.
وأوضح أنه تتم حاليًا دراسة عدد من الحوافز الخاصة بتجارة الترانزيت، وذلك بالتعاون مع مصلحة الجمارك، وهيئات الموانئ، إذ تستهدف وزارة النقل مضاعفة تلك المعدلات خلال السنوات المقبلة، فى ظل منافسة العديد من الموانئ بالبحر الأبيض المتوسط.
يذكر أن الرئيس السيسى افتتح مؤخرا بالإسكندرية محطة تحيا مصر متعددة الأغراض، والتى تنقسم إلى (حاويات – بضائع عامة – سيارات) قادرة على تداول من 12 إلى 15 مليون طن بضائع سنويا واستقبال من 6 إلى 7 سفن ذات حمولات كبيرة فى نفس الوقت.
وتبلغ أطوال أرصفة نحو 2530 مترا طوليا ما يؤهل المحطة لاستقبال السفن ذات الحمولات الكبيرة، وتوفر 1500 وظيفة عمل مباشرة و2000 فرصة عمل غير مباشرة.
من جانبه، أشار اللواء إيهاب البنان، رئيس مجلس إدارة شركة كلاركسون شيبنچ ايچينسى، أنه من الممكن لأى محطة حاويات أن تستقطب تجارة الترانزيت ولكن بشروط.
وأوضح أن من تلك الشروط توفير المساحة الكافية للتجارة، بهدف تخزين البضائع، والتى يعاد تصديرها إلى موانئ أخرى، وأن يقوم الميناء على صناعات تكميلية مع تواجد مصانع قريبة من الموانئ تعمل على إعادة تغليف وتعبئة وتصنيع المواد الخام وإعادة تصديرها، إضافة إلى شرط أن يكون موقع الميناء استراتيجيا بين عدة دول لديها القابلية للتصدير والاستيراد، كما أنه يجب أن يكون الميناء مؤهلا يمتلك أعلى معدلات الشحن والتفريغ، ولا بد من وجود تنافسية بينها وبين الموانئ المجاورة فى الأسعار والخدمات.
وأشار “البنان” إلى أن ميناء الإسكندرية والذى يتضمن حوالى %70 من تجارة مصر، غير مؤهلة لتكون ميناء ترانزيت، موضحًا أن جميع الموانئ المصرية غير تنافسية بالمقارنة مع أسعار الأخرى بالدول المحيطة.
وأشار إلى “شرق بورسعيد” التى تقوم على إدارتها شركة قناة السويس للحاويات، باعتبارها تتضمن تجارة الترانزيت، وطاقتها الاستيعابية 5.5 مليون حاوية تقريبًا فى السنة، موضحًا أن أعلى معدل لها خلال السنين الماضية على تشغيلها بلغ حوالى 3 ملايين حاوية، ما يدل على عدم تفعيل تجارة الترانزيت بالشكل الأمثل.
وأكد رئيس مجلس إدارة شركة كلاركسون، أن أسباب عدم تفعيل هذا النوع من التجارة يتمثل فى كثرة القيود القانونية والتشريعية المتشعبة والمتغيرة التى تقع على كاهل شركات الملاحة ورواد الموانئ المصرية، بجانب قوة التنافسية المتضمنة انخفاض تكلفة الموانئ الأخرى.
وتابع أن الوكيل الملاحى يعمل طبقًا لقوانين الدولة، وأنه غير مؤثر فى تعطيل حركة الترانزيت سواء بالسلب أو الإيجاب.
وقال “البنان” إن من أهم معايير تحقيق أهداف تجارة الترانزيت وتحسين الملف الخاص بها، هو الشفافية، والتى تتمثل فى معرفة المستثمر لجميع التفاصيل والتى منها معرفة تكلفة الاستثمار وألا يفاجأ بتشريعات أو تغير فى سعر الصرف يعوق من حركة استثماره، مشيدًا بتجربة دولة الإمارات الشقيقة فى هذا الصدد موجهًا لضرورة الاستعانة بها.
وأوضح أن مصر تمتلك عوامل جذب كبيرة، تتمثل فى موقعها الإستراتيجى، وطقسها المعتدل أغلب السنة، ونمط استهلاكى كبير ومستمر، إضافة إلى جودة العمالة وانخفاض تكلفتها، بجانب توافر البنية التحتية والتى أصبحت على نطاق واسع فى الآونة الأخيرة.
من جانبه، قال الدكتور أحمد الشامى مستشار النقل البحرى السابق، إن أهم أسس لتحفيز تجارة الترانزيت ترجع إلى كفاءة استثمار الموارد المتاحة بعد دراسة، لمعرفة الحجم المناسب لمساحات الحاويات.
وأضاف أن هذا النوع من التجارة ذو أهمية كبيرة لدعم الأزمة الدولارية، لما توفره الموانئ الخارجية من عملات أجنبية، مؤكدًا ضرورة تفعيل دور الأرصفة التى تصلح كبوابات لاستقبال بضائع الترانزيت.
وأشار “الشامي” إلى أهمية ميكنة آليات التعامل مع الإجراءات الخاصة بقطاع النقل البحرى بشكل عام، بجانب ضرورة تحسين خدمة الأداء اللوجستى من خلال تفعيل دور التكنولوجيا وتدريب العمالة، إضافة إلى تمكين نظام الإيكو الذى يجعل الساحات والموانئ ذكية وصديقة للبيئة.
وقال مستشار النقل البحرى السابق، إن الحاوية هى الأنسب فى إدارة تجارة الترانزيت، لما تتميز به من تنظيم مقارنة بعشوائية وضع البضائع على الأرصفة، مشيرًا إلى أن هناك بضائع عامة وأخرى لا يتناسب معها الحاويات.
وأوضح أنه على الرغم من جدوى الجهود التى قامت بها الدولة فى القطاع الملاحى، لكن هناك تباطؤا فى حركة التجارة العالمية منذ جائحة كورونا، وما تبعها من حروب وأزمات أثرت بالسلب على معدلات التنمية ومعدلات بناء السفن لدى الدول.
وبدوره، توقع محمد كامل إبراهيم الباحث فى شئون النقل البحرى، أن هناك بعض المحطات الجديدة التى تستهدف بالأساس تجارة الترانزيت، ويمكنها تحقيق هذا الأمر، خاصة محطة شركة يور جيت مع خط هاباج لويد، والذى يعد العميل الأول بميناء دمياط بواقع %50 من حجم أعمال الميناء، إلا أنه يجب العمل على تشجيع جذب خطوط جديدة للموانئ المصرية وليس الاقتصار على الخدمات الموجودة بالفعل فقط.
كما توقع أن يتداول ميناء أبو قير البحرى الجديد والذى سيتم تشغيله عبر شركة هاتشيسون الصينية، الجزء الأكبر فى تجارة الترانزيت، متفوقًا على ذلك على ميناء الإسكندرية والدخيلة، وذلك بحكم موقع الميناء من ناحية، والمساحة المتوقعة من ناحية أخرى، موضحًا أن حجم مساحة الميناء من المعايير الهامة لتشجيع تجارة الترانزيت.
وطالب “كامل” بضرورة النظر إلى الضوابط الجمركية التى تحكم عملية تجارة الترانزيت، مشيرا إلى أن الجهات المسئولة عن الإفراج الجمركى تنظر إلى كل ما هو ترانزيت بأنه تهريب، فى حين أن هذا النشاط يعد من أهم الدخول الدولارية للعديد من الدول، ومصر تعد من الدول المؤهلة لهذا الأمر بصورة كبيرة بحكم موقعها وإمكانيات الموانئ الخاصة بها.
