تحول نموذج الرئيس البرازيلى لولا دا سيلفا إلى معيار ذهبى للنمو الاقتصادى فى أمريكا اللاتينية عندما غادر منصبه عام 2011.
ومنذ أن تسلمت خليفته ديلما روسيف مهام منصبها بعد انتهاء فترته الرئاسية، تبذل البرازيل جهودا للعودة إلى النمو الاقتصادى المنتعش بلا جدوى.
ويرى محللون أن عوامل خارجية هى التى كانت مسئولة بادئ ذى بدء فى تحقيق هذا المعيار الذهبى تحت حكم “دا سيلفا” مثل ارتفاع أسعار السلع والنفط، وأن “دا سيلفا” لم ينتهز فرصة الوفرة المالية التى تحققت خلال فترة حكمه لكى ينفذ إصلاحات مؤسسية تحتاج إليها البلاد بشدة للعودة إلى النمو.
ونصح البنك المركزى البرازيلى حكومة بلاده بعد أن عاد “دا سيلفا” إلى كرسى الرئاسة مطلع عام 2023 بخلق الظروف الملائمة التى تمكن البنك من خفض أسعار الفائدة حتى يتسنى تحسين الأداء الاقتصادى.
وأبقى البنك أسعار الفائدة عند %13.75 مطلع العام الجارى، وظل عند هذا المستوى منذ أغسطس 2022.
وبحسب موقع “ويلسون سنتر” لم يستبشر المستثمرون خيرا من تصريحات لولا دا سلفا حول الحاجة إلى تعزيز البرامج الاجتماعية ورفع مستهدفات التضخم، وثارت مخاوف المستثمرين كذلك بعد أن شن “داسيلفا” هجوما على استقلالية البنك المركزى، وهو أمر ظل باقيا منذ عام 2021 بهدف حماية السياسة النقدية من التدخلات السياسية.
وحذر المحلل لوكاس ليما من عدم التزام الحكومة بالمسئولية المالية ومن المخاطر الاقتصادية الناجمة عن انتهاء سريان الإعفاءات الضريبية على الوقود التى تم تطبيقها عام 2022 كما عبر عن مخاوفه تجاه أداء الاقتصاد الصينى خلال 2023، خصوصا أنه يشكل المقصد التصديرى الرئيسى للبرازيل.
وتتوقع الأسواق نمو الاقتصاد البرازيلى بنسبة %0.8 عام 2023 وبنسبة %1.5 العام المقبل.
ويرى لتشيانو سوبرال، الكاتب لدى صحيفة “برازيلين ريبورت” أن أفضل شئ تستطيع أن تفعله حكومة لولا دا سيلفا لتحسين الاقتصاد هو البدء فى تأكيد استقلالية البنك المركزى وطرح مقترح بإطار عمل مالى يقود إلى خفض نسبة الدين إلى إجمالى الناتج المحلى.
واقترح وزير المالية البرازيلى فى يناير الماضى بأول خطة لخفض العجز العام، واشتملت الخطة على مقترح جديد ببرنامج لإعادة التمويل وبذل جهود لخفض إنفاق الحكومة الفيدرالية ووضع آليات تفضى إلى وقف خسائر الإيرادات.
وعندما غادر الرئيس البرازيلى لولا دا سيلفا مهام منصبه فى يناير 2011 كانت بلاده تعد المعيار الذهبى للنمو الاقتصادى والتقدم الاجتماعى فى أمريكا اللاتينية، بحسب تقرير لوكالة رويترز.
ولقى “داسيلفا” مدحا على سياساته وبرامجه التى سرعت وتيرة النمو القومى وكبحت جماح التضخم والديون وعملت على تقليص الفقر وانعدام المساواة ووسعت قادة الطبقة الوسطى.
وزاد النمو الاقتصادى فى البلاد بأسرع وتيرة خلال ما يزيد على 50 عاما من تاريخ البلاد، وعندما غادر “داسيلفا” منصبه بلغت نسبة تأييد سياساته مستوى %82.
وبحسب تقرير وكالة رويترز، تعززت قدرة البرازيل الاقتصادية بفضل توجهات الاقتصاد العالمى، متجسدة فى الطلب الهائل على السلع التى تصدرها البرازيل بكميات ضخمة.
وبجانب هذا، أدى إقبال الولايات المتحدة على خفض أسعار الفائدة إلى تشجيع رءوس الأموال للذهاب إلى الاقتصاديات النامية صاحبة الأداء المرتفع مثل البرازيل، ومع ارتفاع أسعار النفط، اكتشفت البرازيل احتياطيات نفطية بحرية ضخمة.
ويتسم نموذج “داسيلفا” الاقتصادى بسهولة تطبيقه عندما تكون الظروف الاقتصادية مواتية، لكنه يتطلب قدرا من الحنكة السياسية التى يصعب توفيرها عندما تسوء الأوضاع.
وبحلول عام 2016 بعد أن تولت ديلما روسيف المنصب الرئاسى خلفا للولا دا سيلفا عام 2010 أصبحت البرازيل تعانى من أسوأ أزمة قومية فى التاريخ المعاصر، فقد سجل اقتصادها نموا سلبيا للعام الثالث على التوالى، وربما يصل إجمالى خسائر ناتجها إلى %10.
وأنفقت إدارة “داسيلفا” بسخاء خلال سنوات الانتعاش دون أن تدخر شيئا لصالح الأوقات الصعبة، وبعد مرور فترة قصيرة على تولى ديلما روسيف المنصب الرئاسى، تراجعت أسعار السلع عالميا وكذلك معدلات النمو بحدة، وهبطت الإيرادات الحكومية دون أن تتغير المصاريف وأوجه الإنفاق.
وزادت معدلات العجز فى الميزانية ومعدلات التضخم وارتفعت معدلات البطالة، لدرجة أن الشعب بدأ يفقد الثقة فى حكومة “روسيف” التى كانت فى حاجة ماسة إلى خفض الإنفاق بشكل حاسم حتى يتسنى لها تعويض تراجع الإيرادات الضريبية.
وبدلا من أن تُقدم حكومة “روسيف” على خفض الإنفاق الحكومى وتقليص النمو المتسارع للبرامج الاجتماعية وإصلاح برامج المعاشات شديدة السخاء، فإنها سعت إلى تسريع النمو مستعينة بخطة تحفيز غير معدة بشكل جيد، فقد حاولت كبح جماح الأسعار المرتفعة عن طريق تمويل شركات الطاقة بشكل مباشر.
وهناك عدد قليل من الحكومات فى أمريكا اللاتينية التى تملك الجرأة الكافية لتنفيذ برنامج للنمو الاقتصادى فى غياب البعد الاجتماعى.
وأصبح نموذج “داسيلفا” مهيمنا على منطقة أمريكا اللاتينية، كما أنه يتولى توجيه رئيس الأرجنتين وغيره من القادة فى المنطقة، وهم يعتقدون أن نموذج “لولا” قد أنهار فى البرازيل بسبب سوء التنفيذ.
وارتكب “لولا” خطأ عدم تجهيز البلاد للمرور بأوقات صعبة قادمة، كما تخلت “روسيف” عن تنفيذ أى برامج تقشفية.
وربما كانت الأوضاع ستكون أفضل لو سعى أى منهما إلى ضخ استثمارات أكبر بغرض إصلاح السياسات والمؤسسات التى عفا عليها الزمن ، مثل قوانين العمل ونسب الضرائب وتشريعات الأعمال المعقدة والتعليم السيئ وغيرها من المطبات التى عرقلت الإبداع وحدت من رفع مستويات الإنتاج.
