رجح عدد من خبراء الاقتصاد قدرة مؤسسات التمويل الدولية الكبرى وبنوك متعددة الأطراف على تخفيض تكلفة تمويلاتها خلال الفترة الراهنة لمصلحة البلدان النامية والاقتصادات الناشئة، وبشروط ميسرة، لا سيما دول القارة الأفريقية التى تتسم بدرجة مخاطر ائتمانية عالية.
وأضافوا أن التمويلات الميسرة، من جانب مؤسسات التمويل متعددة الأطراف ستساعد فى تحقيق الأهداف الإنمائية المستدامة فى البلدان النامية، مستغلين خبراتهم المتخصصة، وتقديم مساعداتهم الفنية والمعرفية، مستفيدين من تجارب بعضهم، والمضى قدمًا فى أجندات التنمية المشتركة.
واطلعت جريدة “المال” على تقرير من قبل البنك الإسلامى للتنمية، يضم 10 بنوك للتنمية متعددة الأطراف، إضافة إلى مجموعة البنك الدولى وصندوق النقد الدولى، إذ بلغت تمويلاتهم السنوية مجتمعة حوالى 232 مليار دولار، حتى عام 2020.
ووفقًا للتقرير، تضم بنوك التمويل الدولية متعددة الأطراف على سبيل المثال، التنمية الأفريقى، ومصرف التنمية الآسيوى، والاستثمار الآسيوى للبنية التحتية، ومصرف مجلس أوروبا للتنمية، والأوروبى للإعمار والتنمية، والاستثمار الأوروبى، مجموعة بنك التنمية الأمريكى، ومؤسسة التمويل الدولية، والبنك الإسلامى للتنمية، والتنمية الجديد.
وقال الدكتور فخرى الفقى، رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، إن المجتمع العالمى للتنمية تعاون فى مواجهة التحديات المشتركة، وتوحيد الجهود ليس بين مؤسسات وبنوك التنمية الدولية متعددة الأطراف وبعضها فقط، وإنما مع شركاء التنمية الآخرين من القطاعين العام والخاص، وقدرتهم على خفض تكلفة التمويلات لتحقيق الأهداف الـ 17 للتنمية المستدامة بحلول عام 2030.
وأضاف “الفقي” أنه خلال فترة مضت شهدنا تحالفات لدول من خلال “مبادلة الديون لأغراض التنمية”، والتى تكون مبادرة من الدول المتقدمة، لصالح النامية، ومن تمتلك فوائض مثل الخليج، بالرغم من كونها نامية لكنها غنية، لتتولى الأولى تمويل جزء من مشروعات التنمية خاصة الاستثمارات الخضراء، باتفاق مسبق بين الطرفين؛ ومبادلة الدين المستحق للثانية بالعملة الأجنبية مقابل المحلية بخصم كبير؛ بهدف تخفيف عبء الديون الخارجية.
وفى نوفمبر من العام الماضى، شاركت مصر ممثلة فى وزارة المالية فى تسهيل مبادلة الديون لتغير المناخ وخفض تكلفة الاقتراض الأخضر، ومن ثم نفذت برنامجين أولهما مصرى إيطالى، على 3 مراحل لتنفيذ عدد من المشروعات التنموية فى مختلف المجالات، والآخر بالتعاون مع ألمانيا بقيمة 100 مليون يورو.
وأضاف “الفقي” أن صندوق النقد الدولى أجرى 4 توزيعات لحقوق السحب الخاصة، آخرها عام 2021، بحوالى 650 مليار دولار (465 وحدة)؛ لدعم السيولة العالمية والبلدان خلال جائحة كورونا، والذى يعد الأكبر فى تاريخ الصندوق، مشيرًا إلى أنه تم توزيعه وفقًا لحجم اقتصاداتها، بزيادات تراوحت بين 6 - %21 فى احتياطياتها الدولية.
ووفقًا لموقعه الرسمى، أنشأ صندوق النقد الدولى حقوق السحب الخاصة فى 1969 كأصل احتياطى دولى، وليست عملة ملموسة، قيمتها على أساس سلة مكونة من 5 عملات، نظرًا لندرة الاحتياطات النقد الأجنبى عالميًا وارتفاع عدد السكان، إضافة إلى الحاجة إلى السيولة لتسوية المعاملات فى التجارة الدولية.
وأفاد “الفقي” بأن قيمة حق السحب الخاص تتحدد مقابل الدولار يوميًا على أساس أسعار الصرف الفورية، مشيرًا إلى أن الصندوق يُجرى مراجعة لمكونات سلة حقوق السحب الخاصة كل 5 سنوات.
ولمَّح إلى صندوق الصلابة والاستدامة، مستهدفين جمع 50 مليار دولار الذى أنشأه الصندوق فى 2022، لتقديم تمويل طويل الأجل بتكلفة معقولة لدعم البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، مشيرا إلى أنه جمع حوالى 41 مليار دولار.
وذكر أن الصندوق استهدف الدول التى لديها أزمة فى النقد الأجنبى، ولا يوجد لديها استثمارات أجنبية كافية، وتعانى الديون، لتمنح تمويلًا بحد أقصى 1.3 مليار دولار، على أن تسدد على 20 عامًا وفترة سماح 10 سنوات وربع العام، بفائدة منخفضة.
وأفاد بأن بعض الدول المتقدمة التى لديها تصنيف ائتمانى مرتفع تلجأ إلى الاقتراض لحسابها، فى سبيل إقراض النامية التى تعانى تصنيفًا أقل، مشيرا إلى أن تلك الطريقة تصنع فارقًا فى سعر الفائدة، لأن الأولى تقترض بأسعار فائدة منخفضة، على عكس الثانية، فى سبيل فرق بسيط تستفيده من سعر الفائدة عند مبادلتها مع الدول الواجب عليها سداد الدين.
وضرب “الفقي” مثالًا: إذا اقترضت دولة متقدمة لتصنيفها الائتمانى المرتفع، بسعر فائدة %2، تستطيع إقراض دولة نامية بفائدة %2.5 بدلا من %5، التى يمكن أن تقترض بها تلك الدولة لتصنيفها الائتمانى المنخفض.
ويتوقع هانى حافظ، الخبير المصرفى، استجابة المؤسسات والبنوك الدولية بتوفير التمويلات منخفضة التكلفة الأمر الذى ينعكس على العالم أجمع فى مجابهة أشكال الفقر والهجرة غير الشرعية.
وقال حافظ إن الائتمان منخفض التكلفة يمثل ضرورة قصوى للدول الإفريقية، ويرجع ذلك إلى أن أفريقيا تتسم بدرجة مخاطر ائتمانية عالية، ما يدعو المؤسسات الدولية والبنوك إلى منح القروض بفائدة كبيرة (تكلفة تمويل مرتفعة).
وأفاد “حافظ” بأن دور المؤسسات الدولية فى أهمية توفير التمويل منخفض التكلفة وبشروط ميسرة للاقتصادات الناشئة، بما يسهم فى التكيف والتأقلم مع النتائج السلبية للتغير المناخى، ومن ثم التحول التدريجى إلى الاقتصاد الأخضر القائم على استخدام موارد طاقة نظيفة مثل خلايا الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وإنتاج الهيدروجين الأخضر.
وأضاف “حافظ” أن الإستراتيجية المصرية تنطوى على تعزيز الأمن الغذائى فى قارة أفريقيا، من خلال تكثيف الاستثمارات الزراعية الموجّهة لها؛ لتطوير القدرات الإنتاجية والتخزينية لدولها عبر توطين التكنولوجيا الحديثة، بشروط تمويلية مُيسرة ومنح تنموية وتمويلات مختلطة لتحفيز استثمارات القطاع الخاص.
وأفاد “حافظ” بأن مصر تنتهج تعاونات مع مختلف المؤسسات والهيئات الدولية والتمويلية، لخدمة الأهداف التنموية فى مصر وأفريقيا والعمل على تهيئة البيئة المواتية للتوسع فى إقامة المشروعات، للاستفادة من التجارب المماثلة لدعم جهود التنمية المستدامة، خاصة فيما يتعلق بإدماج البُعد البيئى فى قطاع المشروعات للحد من التغيرات المناخية.
وتشهد التمويلات الإنمائية الميسرة مقارنة بالتجارية، منافسة شديدة بين الدول المختلفة خاصة فى ظل الحاجة الشديدة للتمويل على مستوى العالم، وأن التعاون الدولى والإنمائى يتم من خلال إطار مؤسسى، ومصر تحظى بثقة من تلك المؤسسات متعددة الأطراف، ما يمنحها أولوية للتمويلات المناسبة للمشروعات المستهدف تنفيذها وفقًا لرانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولى.
وقال ماجد فهمى، رئيس بنك التنمية الصناعية سابقا، إنه من المهم أن تقدم المؤسسات الدولية تمويلات منخفضة التكلفة للدول النامية، لتوجهها إلى أنشطة معينة.
وأضاف “فهمي” أهمية توجيه تلك التمويلات للأنشطة التنموية بصفة عامة، على أن تكون الأولوية للمشروعات الاستثمارية التى تدر عوائد من خلال منتج وبيعه مستقبلًا، وفى حال الاحتياج إلى مشروعات البنية التحتية، سواء طاقة وخلافه على أن تكون بحدود أقل لأنه على مدى أهميتها، ولكنها بلا عائد.
وأكد “فهمي” أن تمويل تلك المؤسسات يكون موجهًا للدولة، بناء على دراسات كثيرة تتعلق بقدرتها على السداد وتصنيفها الائتمانى، ببرامج سداد محددة وفائدة معينة، إضافة إلى خططها المستقبلية.
