ارتفع حجم النقد المتداول بحسب بيانات البنك المركزى خارج خزانة القطاع المصرفى بنحو %31.62 خلال الفترة من يناير 2021 إلى فبراير الماضى على الرغم من الشهادات والأوعية الادخارية مرتفعة العائد التى طرحتها البنوك فى الفترة الأخيرة فى محاولة لكبح جماح التضخم وسحب السيولة من السوق.
وسجل النقد المتداول محليًا خلال يناير 2021 نحو 617.42 مليار جنيه مقابل 812.66 مليار فى فبراير الماضى، متخذًا بذلك وتيرة متصاعدة من نحو 646.46 مليار فى فبراير 2021 إلى 696.29 مليار فى نوفمبر من العام ذاته.
واستمرت وتيرة تصاعد الأموال المتداولة خارج القطاع المصرفى خلال الأشهر التالية، لتلامس 800 مليار جنيه خلال يونيو 2022.
وارتفع النقد المتداول خارج خزائن البنوك، خلال الفترة من يوليو 2022 وحتى فبراير 2023 من 801 مليار جنيه إلى 812.66 مليار.
وقال محمود نجلة، المدير التنفيذى لأسواق النقد والدخل الثابت بشركة الأهلى لإدارة الاستثمارات المالية إن السياسة الحالية للبنك المركزى تركز على كبح جماح التضخم وليس تحقيق معدلات نمو مرتفعة، وهو ما كان عكس مستهدفاته خلال الفترة الماضية.
وأضاف أن سياسة «المركزى» كانت تستهدف وجود سيولة كافية فى الأسواق للمحافظة على معدلات نمو مرتفعة، لافتًا إلى أن هذه المستهدفات تغيرت فى الوقت الحالى لصالح تحجيم التضخم المنفلت.
وأوضح أن «المركزى» كان يعمل على الحد من تداعيات الأزمات العالمية مثل كورونا ثم الحرب الروسية الأوكرانية عبر السماح بوجود معدلات سيولة مرتفعة فى السوق، وهو الأمر الذى يفسر تنامى النقد المتداول خارج القطاع المصرفى.
وألمح إلى أن هذه السيولة المتداولة محليًا خارج خزانة البنوك شهدت حالة من التراجع خلال الأشهر القليلة الماضية.
وهيمن الانخفاض على النقد المتداول خارج خزانة القطاع المصرفى منذ نهاية العام الماضى إذ سجل نحو 831.26 مليار جنيه خلال ديسمبر الماضى، ثم 797.11 مليار فى يناير الماضى.
ورأى محمد البيه الخبير المصرفى أننا لا زلنا فى الحدود الآمنة على الرغم من زيادة حجم النقد المتداول خارج البنوك، معللًا وجهة نظره بكون الحكومة ملتزمة أمام صندوق النقد بأن يتراوح معدل نمو السيولة المحلية M2D – هو حجم النقد المتداول محليًا – من 10 إلى %15 سنويًا.
وأفاد بأن معدل النمو السنوى فى النقد المتداول محليًا بلغ نحو %18 بحسب أحدث تقارير البنك المركزى، لافتًا إلى أن هذا المعدل سجل مطلع 2022 نحو %22 وهو ما يعنى أن الحكومة تسير فى الاتجاه الصحيح فيما يتعلق بهذه المسألة.
النقد المصدر ومحددات
طباعة النقود
على الجهة المقابلة، شهد النقد المصدر وتيرة تصاعد ملحوظة محققًا معدل نمو بلغ %34.28 خلال الفترة من يناير 2021 وحتى فبراير 2023.
وسجل النقد المصدر من قبل البنك المركزى نحو 659.4 مليار جنيه خلال يناير 2021 وظل قريبًا من هذه الحدود حتى مايو 2021 ليشهد بعدها ارتفاعًا طفيفًا ويسجل 719.348 مليار جنيه، ليشهد موجة ارتفاعات بلغت ذروتها خلال أبريل 2022 مسجلًا نحو 846.24 مليار.
واتخذ النقد المصدر خلال الشهرين التاليين (مايو ويونيو 2022) مسارًا هبوطيًا قبل أن يعود إلى مستوياته المعتادة بحلول شهر يوليو 2022 ويسجل نحو 867.072 مليار جنيه. فيما غلب التذبذب على أدائه خلال الأشهر الممتدة من أغسطس 2022 إلى فبراير 2023.
وأضح محمد البيه الخبير المصرفى أن البنك المركزى لديه عدد من المحددات التى يستند عليها لمعرفة حجم النقد المطلوب طباعته (إصداره) مبينًا أن هذه المحددات تتمثل فى: معدل التداول النقدى فى السوق، النمو الاقتصادى ككل، وحجم النمو فى الناتج المحلى الإجمالى، وأخيرًا معدل التضخم.
وأشار إلى أنه فى حال تراجع معدل التضخم على سبيل المثال فسوف يعتمد «المركزى» على المحددات ذاتها الحاكمة لحجم النقد المطلوب إصداره، ولكن تراجع معدلات التضخم قد ينعكس إيجابًا على معدل النقد المصدر، ويكون الحجم المطلوب إصداره أقل مما لو كان معدل التضخم مرتفعًا.
من جانبه، يذهب «نجلة» إلى أن النقد المصدر – طباعة النقود – والحد من التضخم يجب أن يسيرا بالتوازى مع بعضهما، موضحًا أن خفض السيولة المتداولة محليًا يجب أن يتم بالنظر إلى معدلات التضخم.
التضخم الأساسى وسحب السيولة
وشهد التضخم الأساسى فى مصر خلال الفترة من يناير 2021 إلى مايو الماضى موجات ارتفاعات دراماتيكية، ليقفز فيها من %3.63 إلى %40.31 متجاوزًا 11 ضعف ما كان عليه فى يناير 2021.
وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التى يبذلها البنك المركزى ممثلًا فى لجنة السياسة النقدية، ومحاولاته الدءوبة لكبح جماح التضخم، فلم يشهد معدل التضخم الأساسى، خلال الفترة المشار إليها أعلاه، تراجعًا إلا مرتين إذ سجل %39.5 خلال مارس الماضى مقابل %40.26 فى فبراير، وانخفض فى الشهر التالى (أبريل 2023) إلى %38.57.
وبخلاف ذلك شهد معدل التضخم الأساسى ارتفاعات متوالية، إذ تراوح ما بين 3 و%4 خلال الربعين الأولين من عام 2021، ليختتم العام عند مستوى %5.96.
فيما كان عام 2022 أكثر دراماتيكية، فلئن كان معدل التضخم الأساسى قد سجل %6.26 خلال يناير، فقد اختتم العام بمعدل تضخم بلغ %24.44.
ولم يختلف عام 2023 عن سابقه سوى فى كون معدل التضخم الأساسى شهد تراجعًا لشهرين متوالين مسجلًا %39.5 و%38.57 خلال مارس وأبريل على الترتيب، بيد أنه عاود الارتفاع من جديد خلال مايو الماضى ليسجل نحو %40.31.
وأشار «البيه» إلى أن هذا التضخم الجامح كان سببًا أساسيًا فى زيادة معدلات النقد المتداول خارج القطاع المصرفى، مفسرًا ذلك بكون الناس مضطرين إلى شراء السلع ولكن بأسعارها الجديدة، وهو ما يعنى احتياجهم إلى قدر أكبر من الأموال، ومن ثم يلجئوا إلى السحب من ودائعهم فى البنوك.
الشهادات مرتفعة العائد
وأشار «نجلة» إلى أن البنك المركزى يستخدم حاليًا جميع أدواته من أجل الحد من معدلات التضخم المرتفعة وتحجيم النقد المتداول محليًا، لافتًا إلى أنه تم رفع الاحتياطى الإلزامى من 14 إلى %18.
ولفت إلى أن «المركزى» لجأ أيضًا إلى أداة رفع الفائدة من أجل سحب السيولة وخفض معدلات التضخم، فضلًا عن طرح الشهادات والأوعية الادخارية مرتفعة العائد.
وأصدر بنكا الأهلى ومصر، مطلع يناير الماضى، شهادة بعائد %25 يصرف سنويًّا، و%22.5 شهريًّا.
وأقدمت بنوك أخرى على طرح شهادات بعوائد مرتفعة؛ وكان البنك التجارى الدولى أول من اتخذ الخطوة بعد البنكين الحكوميين؛ إذ أصدر شهادة ادخار لمدة عام ونصف بعائد ثابت %20 يصرف شهريًّا، و%22.5 عند الاستحقاق.
وتبعه بنك قطر الوطنى فأصدر شهادة ادخارية جديدة للأفراد لمدة سنة ونصف بعائد سنوى يصل إلى %20 يصرف شهريًّا، و22.5 % عند الاستحقاق.
وأصدر بنك القاهرة شهادة "جولد" ومدتها سنة، بعائد يصل إلى %25 يُصرَف فى نهاية مدة الشهادة، أو بعائد يبلغ %22.5 شهريًّا.
وطرح بنك المشرق شهادة لمدة سنة بعائد %22.5 يصرف شهريًّا، وشهادة أخرى لمدة ثلاث سنوات، وكانت دورية صرف العائد %19 سنويًا، و%18.75 شهريًا، و%18.80 ربع سنوى و%18.90 نصف سنوى.
وخاضت البنوك جولة أخرى من طرح الشهادات ذات العوائد المرتفعة، فبعد قرار لجنة السياسة النقدية فى 30 مارس الماضى، برفع أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزى بواقع 200 نقطة أساس ليصل إلى %18.25، %19.25 و%18.75 على الترتيب، سارع بنكا الأهلى ومصر إلى طرح شهادتى ادخار لمدة 3 سنوات بفائدة %19 ثابتة، و%22 متناقصة.
وتبعهما البنك التجارى الدولى ليطرح شهادة ادخارية جديدة تحت اسم «Wealth» لمدة 3 سنوات بعائد %22 يُصرف شهريًّا.
والتحق البنك الزراعى المصرى بالركب وطرح شهادة الخير الجديدة بالجنيه المصرى لمدة ثلاثة أعوام، بعائد %19 يصرف شهريًّا، وبعائد %19.5 سنويًّا.
وأدلى بنك الاستثمار العربى بدلوه فى خضم هذه المنافسة، وقرر رفع أسعار الفائدة على الإصدارات الجديدة من شهادة الادخار الثلاثية ذات العائد ثابت حتى %18 سنويًّا.
وأصدر بنك القاهرة شهادة "بريمو جولد" الثلاثية بعائد متناقص %22 أو بعائد ثابت %19 فيما طرح البنك المصرى لتنمية الصادرات شهادة ادخار ثلاثية ذات عائد ثابت للأفراد بفائدة %19 سنويًّا.
