مصرفيون: ارتفاع أسعار الفائدة وتعثر المشروعات الصغيرة وراء انخفاض معيار كفاية رأس المال

انخفضت نسبة معيار كفاية رأس المال للقطاع المصرفى المصرى من 21.9% إلى 17%، خلال الفترة من مارس 2022 إلى مارس 2023، وفقًا لمؤشرات السلامة المالية الصادرة عن البنك المركزى المصري.

Ad

انخفضت نسبة معيار كفاية رأس المال للقطاع المصرفى المصرى من 21.9% إلى 17%، خلال الفترة من مارس 2022 إلى مارس 2023، وفقًا لمؤشرات السلامة المالية الصادرة عن البنك المركزى المصري.

وخلال الفترة محل الدراسة ظهر فى تقرير البنك المركزى انخفاض نسبة القروض المقدمة للقطاع الخاص لإجمالى القروض الممنوحة للعملاء بنحو 2% حيث انخفضت من 57.3% مارس 2022 إلى 55.3% مارس 2023.

كما انخفض متوسط نسبة السيولة الفعلية لدى البنوك بالعملة المحلية من 44.7% إلى 39.7%، كما ارتفع بالعملة الأجنبية من 74.6% إلى 75.3% خلال الفترة سالفة الذكر.

وأكد خبراء مصرفيون، لـ«المال»، أن انخفاض معيار كفاية رأس المال بالبنوك، خلال تلك الفترة، يعد أمرًا طبيعيًّا ناتجًا عن الظروف الاقتصادية العالمية المناوئة،

والتى انعكست بشكل كبير على ارتفاع معدلات التضخم ووصولها إلى مستويات قياسية وزيادة أسعار الفائدة، بالإضافة إلى تعثر بعض شركات الصغيرة والمتوسطة.

وأضافوا أن معدلات كفاية رأس المال فى البنوك المصرية لا تزال تفوق كل من الحد الأدنى لمتطلبات البنك «المركزي» ومحددات «بازل»، والأمر نفسه ينطبق على نسب الإقراض والسيولة.

قال محمد عبد العال، الخبير المصرفى، إن مؤشر كفاية رأس المال Capital Adequacy Ratio من أهم مؤشرات السلامة المالية للقطاع المصرفى ككل، لافتًا إلى أنه يستهدف قياس درجة خطر التعثر لدى البنوك كما يعطى مؤشر على تقييم أدائها.

وأضاف عبد العال أن البنك المركزى نفسه يقيم أداء كل بنك من خلال نظرته إلى معيار كفاية رأس المال الخاص به، ويكون هدفه هو الرقابة وحماية المودعين وتعزيز الاستقرار المالي.

ولفت إلى أن طريقة احتساب معيار كفاية رأس المال «CAR »، تأخذ فى الاعتبار جميع المخاطر المحتملة من مخاطر الائتمان والسيولة وأسعار الصرف والفائدة.

وأكد أن استقرار معدل كفاية رأس المال على مستوى الجهاز المصرفى يُبرز مدى تأثره بالأزمات المالية، كما يشير إلى مدى قدرة القطاع على امتصاص الصدمات، متابعًا أن الـ“CAR” تعتبر أداة للإنذار المبكر عند اقتراب البنوك من أية مخاطر.

وعَّلق على أن انخفاض معيار كفاية رأس المال لا يدل على وجود مؤشر سلبي، موضحًا أن البنك المركزى حدد مسبقًا %10 معيار كفاية رأسمال البنوك، بالإضافة إلى 2.5% نسبة يُطلق عليها نسبة الدعامة الاحتياطية، ومن ثم فإن معيار كفاية رأسمال القطاع المصرفى المصرى حتى وإن انخفض 5% خلال عام، فإنه ما زال يفوق النسبة المحددة من قِبل البنك المركزى بشكل ملحوظ.

وأوضح محمد عبد العال أن انخفاض نسبة الـ“CAR” لا يعنى زيادة فى المخاطر أو انكماش فى حجم أعمال البنوك.

وكشف أن السبب الرئيسى للانخفاض يرجع إلى أن احتساب المعيار الفعلى لعام 2022 لم يأخذ فى اعتباره تأثير مخاطر أكبر 50 عميلًا، موضحًا أن محددات البنك المركزى تنص على الآتي: «حال تجاوز نسبة التسهيلات الممنوحة لأكبر 50 عميلًا نسبة 50% من إجمالى المحفظة؛ يكون على البنك احتساب وزن مخاطر ترجيحى إضافى على قيمة الزيادة بنسبة من 200 إلى 300% على حسب نسبة التجاوز».

وتابع أن احتساب تأثير مخاطر أكبر 50 عميلًا لم يدخل فى معيار كفاية رأس المال لعامى 2021 و 2022 فترة انتشار وباء كوفيد-19، أما مع بدايات العام الجديد تم احتساب تلك المخاطر مما أثّر سلبًا على معدل كفاية رأس المال للبنوك.

وأضاف أنه قد تكون هناك أسباب أخرى للانخفاض منها زيادة فى نسب تعثر بعض العملاء وارتفاع درجة المخاطر الائتمانية سواء الفعلية أو المحتملة، ومن ثم انتقالهم إلى متطلبات ترجيح أكبر فى رأس المال مما يؤثر سلبًا على معدل كفاية رأس المال،

مشيرًا إلى سبب آخر يكمن فى عدم توافق رأسمال بعض البنوك مع محددات البنك المركزى (5 مليارات جنيه) مما قد يضعف من قدرتها على زيادة كفاية رأس المال مقارنة بالبنوك المتوافقة.

وأضاف أن الأزمة الاقتصادية العالمية من ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض قيمة العملة المحلية خلال الفترة محل البحث، أثرت بشكل ما أو بآخر على انخفاض كفاية رأس المال، فأدت إلى تعثر بعض القطاعات ومن ثم زيادة البنوك لمخصصاتها المحتملة وفقًا لمحددات الـ"IFRS9".

ويُعرف معيار الـ"IFRS9" بأنه عبارة عن معيار محاسبى عالمى هدفه تحديد متطلبات الإقرار بالأصول والالتزامات المالية والعمل على قياسها، بالإضافة إلى تحديد متطلبات تقييم مخاطر محافظ القروض وفقًا للتوقعات الإحصائية لخسائر القروض المتعثرة.

وقال محمد عبد العال إنه يتطلب على كل بنك الاحتفاظ برأسمال كاف يتناسب مع حجم المخاطر لديه ونوع النشاط، وأن يكون الحد الأدنى لرأس المال كافى لامتصاص الصدمات والتصدى للمخاطر عند نشؤها، بالإضافة إلى الاحتفاظ بنسب مخصصات تتوافق مع محفظة الديون المتعثرة.

ولفت إلى ضرورة تخصيص احتياطات إضافية لرأس المال من أجل معالجة مخاطر التركز، وخصوصًا مخاطر تركز أكبر 50 عميل، مؤكدًا على معالجة ذلك النوع من المخاطر عن طريق زيادة تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة.

وفى إشارة إلى انخفاض نسبة القروض المقدمة للقطاع الخاص لإجمالى القروض الممنوحة للعملاء من 57.3% مارس 2022 إلى 55.3% مارس 2023، أوضح عبد العال أن هذا الانخفاض يعكس الوضع الطبيعى لسياسة التشديد النقدى التى يتبعها البنك المركزى المصرى منذ اندلاع الصراع الروسى الأوكراني، حيث مع رفع أسعار الفائدة ترتفع تكاليف التمويل، وبالتالى تقلص بعض الشركات من اقتراضها.

وأضاف أن النقد الأجنبى فى الوقت الحالى أصبح مقتصرًا على تمويل فتح الاعتمادات الخاصة بالسلع الإستراتيجية.

عبد العال: تفوق محددات «بازل» و«المركزي»

أما عن انخفاض معدلات السيولة الفترة الأخيرة بالعملة المحلية من 44.7% إلى 39.7% خلال عام، أكد عبد العال أنها دلالة على اتباع السياسة النقدية الانكماشية،

كما أن اتفاقية بازل ومحددات البنك المركزى تنص على أن الحد الأدنى للسيولة 20%، ومن ثم فمعدلات السيولة مازالت تفوق بكثير المحددات الآمنة، مؤكدًا التزام كل البنوك بنسبة تغطية السيولة “Liquidity Covering Ratio” التى تغطى الأصول قصيرة الأجل على مدى شهر واحد، وتساوى 100%.

وفى السياق نفسه قال شريف سامى عضو مجلس إدارة البنك التجارى الدولى "CIB" إنه لا شك كلما ارتفع معدل كفاية رأس المال دلّ على قوة وصلابة القطاع المصرفى بشكل أكبر.

شريف سامي: تعود للظروف الاقتصادية الراهنة

وأضاف سامي، لـ«المال»، أن هناك أوقاتًا يمر بها القطاع المصرفى بصعوبات اقتصادية، ويواجه ارتفاع العوائد على أذون وسندات الخزانة التى تستثمر فيها البنوك جزءًا لا يستهان به من الأصول.

وأشار سامى إلى أن ارتفاع أسعار الفائدة على الأصول تسبب خسائر للبنوك وذلك فى ظل التضخم، وصعوبات الاستيراد وتذبذب أسعار الصرف، والذى يدفع فى بعض الأحيان إلى تخفيض تصنيف بعض العملاء وارتفاع مخاطر الإقراض.

وأوضح أن البنوك لا بد أن تدير تلك المخاطر سواء عن طريق اقتطاع جزء أكبر من الأرباح أو زيادة رأس المال، أو انتقاء مجالات زيادة الأصول سواء عن طريق الإقراض أو غيره، مضيفًا أن البنك المركزى يقوم بالإشراف على كل الإجراءات المتبعة.

وأفاد بأن انخفاض نسب كفاية رأسمال القطاع المصرفى 5% خلال عام، يتطلب اهتمام ومتابعة بشكل أكبر للمخاطر، لافتًا إلى أنها فترة تمر بها الاقتصادات وستنقضي.

وأكد سامى على أن الإدارة الحصيفة للمخاطر تكون استباق على الأزمات، فالبنوك تضع سيناريوهات للمخاطر المحتملة فى المستقبل، وبناء عليه تتحوط وتضع خطط للتعامل مع كل منها.

شوقي: مؤشرات السلامة المالية لا تزال قوية

أما أحمد شوقى، الخبير المصرفى، فيرى أن مؤشرات السلامة المالية للقطاع المصرفى المصرى قوية، موضحًا أن نسبة كفاية رأس المال وفقًا لمعيار بازل تبلغ 10.5% دون نسبة الائتمان الخاص 2.5%، أى أن المصارف كانت تتمتع بنسبة مضاعفة عن النسبة المطلوبة العام الماضي، فهى تستطيع مواجهة المخاطر المحتملة بضعف المعدل المطلوب.

وأوضح أن انخفاض النسبة بنحو 5% خلال عام لا يؤثر مطلقًا على السلامة المالية للقطاع، مؤكدًا أن السبب الرئيسى للانخفاض يكمن فى تعثر عدد من المشروعات الصغيرة والمتوسطة نتيجة للسياسة النقدية التشددية التى تتبعها معظم الدول.

ولفت شوقي إلى أن نسب سيولة القطاع المصرفى، سواء بالعملة المحلية أو الأجنبية ما زالت جيدة، إلا أن الانخفاض الأخير فى نسب السيولة المحلية يرجع إلى ارتفاع أسعار الفائدة.