لم تشهد معظم بلدان الأسواق الناشئة والبلدان النامية سوى أضرار محدودة ناجمة عن الضغوط المصرفية الأخيرة فى الاقتصادات المتقدمة حتى الآن، لكنها حاليا “تبحر فى مياه خطرة” إذ تعجز عن الوصول إلى التمويل الدولى عبر السندات، وفقًا للبنك الدولي.
وأوضح تحليل للبنك، أنه فى ظل تقييد الائتمان العالمى بشكل متزايد، عجزت %25 من بلدان الأسواق الناشئة والنامية عن الوصول إلى أسواق السندات الدولية، مشيرا إلى أن هذا الضغط يعتبر حادًا بشكل خاص بالنسبة لبلدان الأسواق الناشئة والنامية التى تعانى من مواطن ضعف كامنة مثل انخفاض الجدارة الائتمانية.
صدمات إضافية
وبحسب التحليل، فإن توقعات النمو لهذه الاقتصادات هذا العام كانت أقل من نصف ما كانت عليه قبل عام، مما يجعلها شديدة التأثر بالصدمات الإضافية.
وقال إندرميت جيل، رئيس الخبراء الاقتصاديين والنائب الأول لرئيس مجموعة البنك الدولى “الاقتصاد العالمى فى وضع حرج، وفى خارج شرق وجنوب آسيا، لا يزال الطريق بعيدًا عن الديناميكية اللازمة للقضاء على الفقر، ومواجهة تغير المناخ، وتجديد رأس المال البشري”.
وأضاف جيل أن التجارة ستنمو هذا العام بأقل من ثلث وتيرتها فى السنوات التى سبقت الجائحة.
ووفقا للتحليل، فى الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، تتزايد ضغوط الديون بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، وبسبب الضعف المالي، انزلقت العديد من البلدان المنخفضة الدخل إلى أزمة ديون، وفى الوقت نفسه، فإن احتياجات التمويل لتحقيق أهداف التنمية المستدامة أكبر بكثير حتى من أكثر التوقعات تفاؤلاً بشأن الاستثمار الخاص.
انتكاسة دائمة
وتشير أحدث توقعات البنك الدولى إلى أن الصدمات المتداخلة الناجمة عن الجائحة والغزو الروسى لأوكرانيا، والتباطؤ الحاد فى خضم الظروف المالية العالمية الصعبة، قد تسببت فى انتكاسة دائمة للتنمية فى بلدان الأسواق الناشئة والنامية، والتى ستستمر فى المستقبل المنظور.
وبحلول نهاية عام 2024، من المتوقع أن يكون النشاط الاقتصادى فى هذه الاقتصادات أقل بحوالى %5 من المستويات المتوقعة قبل انتشار الجائحة.
ووفقًا للبنك الدولي، سيظل دخل الفرد فى عام 2024 دون مستويات عام فى أكثر من ثلث البلدان منخفضة الدخل 2019، ومن المتوقع أن يؤدى تنامى الدخل المنخفض إلى ترسيخ الفقر المدقع فى العديد من هذه البلدان.
وقال إيهان كوسي، نائب رئيس الخبراء الاقتصاديين بمجموعة البنك الدولى إن العديد من الاقتصادات النامية تكافح للتعامل مع النمو الضعيف، والتضخم المرتفع باستمرار، ومستويات الديون القياسية، مشيرا إلى أن المخاطر الجديدة مثل احتمال حدوث تداعيات على نطاق واسع نتيجة تجدد الضغوط المالية فى الاقتصادات المتقدمة، مما يجعل الأمور أسوأ بالنسبة لها.
وأضاف أن صانعى السياسات فى الاقتصادات النامية يجب أن يتصرفوا على الفور لمنع العدوى المالية وتقليل مواطن الضعف المحلية على المدى القريب.
ويقول البنك الدولى إن معظم الارتفاع فى عوائد سندات الخزانة الأمريكية خلال العام ونصف العام الماضيين كان مدفوعا بتوقعات المستثمرين بشأن تبنى سياسة نقدية متشددة للسيطرة على التضخم.
كذلك يقدم التقرير تقييماً شاملاً لتحديات السياسة المالية التى تواجه الاقتصادات منخفضة الدخل، والتى وصفها البنك الدولى بأنها فى “ضائقة شديدة”. وأرجع البنك ذلك إلى ارتفاع أسعار الفائدة، مما أدى إلى تفاقم تدهور أوضاعها المالية على مدى العقد الماضي، وبالنسبة لهذه البلدان، يبلغ متوسط الدين العام الآن حوالى %70 من الناتج المحلى الإجمالي، بالنظر إلى مدفوعات خدمة الدين التى تلتهم نسبة متزايدة من الإيرادات الحكومية المحدودة.
تباطؤ النمو
وأظهر تقرير التوقعات الاقتصادية العالمية الصادر عن البنك أن النمو العالمى تباطأ بشكل حاد، كما أن مخاطر الضغوط المالية فى الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية تتزايد مع ارتفاع أسعار الفائدة العالمية.
ومن المتوقع أن يتباطأ النمو العالمى من %3.1 فى 2022 إلى %2.1 فى العام الحالى.
وفى بلدان الأسواق الناشئة والبلدان النامية بخلاف الصين، من المتوقع أن يتباطأ النمو إلى %2.9 هذا العام من %4.1 فى العام الماضى.
وفى بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، من المتوقع أن يتباطأ النمو إلى 3.2% هذا العام ويرتفع إلى %3.9 فى عام 2024، بحسب التقرير.
وأشار التحليل إلى أن هذه التوقعات تعكس تخفيضات واسعة النطاق فى معدلات النمو.
وقال رئيس مجموعة البنك الدولي، أجاى بانجا إن أضمن طريقة للحد من الفقر ونشر الازدهار هى من خلال التوظيف إذ يؤدى تباطؤ النمو إلى صعوبة خلق فرص العمل.
وأضاف المسؤول الأممى “من المهم أن نضع فى الاعتبار أن توقعات النمو ليست مصيرًا.. لدينا فرصة لتغيير مجرى الأمور، لكن الأمر يتطلب منا جميعًا العمل معًا”.
10 مليارات دولار استثمارات تتدفق إلى الأسواق الناشئة فى شهر واحد
ضخ المستثمرون الأجانب الذين يركزون استثماراتهم فى أدوات الدخل الثابت والأسهم الآسيوية 10.4 مليار دولار فى الأسواق الناشئة خلال مايو الماضي، مما عوض السندات الصينية التى عانت للشهر الثالث على التوالى من التدفقات الخارجة، بحسب ما نقلته وكالة رويترز عن معهد التمويل الدولي.
ويأتى الشهر الخامس على التوالى من التدفقات النقدية الإيجابية التى ضخها المستثمرون الأجانب فى الأسواق الناشئة رغم تدفقات خارجة بقيمة 7.2 مليار دولار من الديون (السندات) الصينية وتدفق ضئيل يبلغ 100 مليون دولار فى الأسهم الصينية، وفقا لمعهد التمويل الدولى.
وخلال العام الماضي، سحب المستثمرون الأجانب تدفقات بقيمة 59 مليار دولار من الديون الصينية، رغم أن الأسهم الصينية شهدت تدفقات قادمة بقيمة 33.7 مليار دولار فى نفس الفترة.
وكتب الخبير الاقتصادى فى معهد التمويل الدولى جوناثان فورتون فى مذكرة: “بينما تُظهر بياناتنا صورة إيجابية بشكل عام، فإن هذا هو الشهر الخامس على التوالى الذى يشهد تخارجا من الديون الصينية وتدفقات هامشية فحسب موجهة للأسهم الصينية”.
وذكرت وكالة رويترز أن شهية المستثمرين نحو الصين تراجعت على خلفية البيانات المخيبة للآمال، وتدهور العلاقات الصينية الأمريكية، والإجراءات التنظيمية التى تفرضها بكين والتى أدت إلى عدم استقرار الأسواق.
وبحسب رويترز، ضخ المستثمرون 6.9 مليار دولار فى أسهم الأسواق الناشئة و3.5 مليار دولار فى الديون.
ورغم أن الأرقام إيجابية، إلا أنها فشلت مرة أخرى فى الحفاظ على التفاؤل منذ أوائل هذا العام، عندما وصلت التدفقات إلى أعلى مستوى لها فى عامين بعد إعادة فتح الصين بعد الجائحة.
وأضاف فورتون: “نحافظ على وجهة نظرنا بشأن انخفاض التضخم خلال الأشهر المقبلة فى الولايات المتحدة وهبوط منظم للاقتصاد، الأمر الذى قد يفيد التدفقات القادمة للأسواق الناشئة بشكل عام”.
وبحسب التقرير، ذهب الجزء الأكبر من السيولة القادمة بقيمة 16.4 مليار دولار إلى الأسواق الناشئة الآسيوية، إذ جذبت الأسهم فى الهند وتايوان وكوريا استثمارات ضخمة.
وفقا للتقرير، سحب المستثمرون 5.8 مليار دولار من الأسواق الناشئة فى أفريقيا والشرق الأوسط، وبلغت التدفقات الخارجة من جنوب إفريقيا، التى عانت من انقطاع متكرر للتيار الكهربائى وتراجع معنويات المستثمرين المحليين، 562 مليون دولار من الأسهم و816 مليون دولار من السندات.
وكتب فورتون: “نتوقع انخفاض مستوى التدفقات القادمة، ويرجع ذلك أساسًا إلى سوق أكثر حذرًا
”.
