رغم ارتفاع نسب القروض غير المنتظمة والمخصصات بالقطاع المصرفى الفترة الأخيرة لمواجهه مخاطر تعثر العملاء عن السداد، يرى خبراء مصرفيون إن تلك النسب لا تتعدى الحدود الآمنة، كما أن البنوك مازالت تحقق معدلات أرباح قوية.
فى تصريحات لـ«المال»، أوضح مصرفيون أن الفترة الأخيرة شهدت ارتفاعًا فى نسب تعثر العملاء الأفراد والشركات وفقًا لبيانات الربع الأول من العام الجاري، نتيجة للتقلبات الاقتصادية الشديدة التى تشهدها معظم الدول.
وأضافوا أن قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة يعتبر أكثر عرضة للتعثر، مقارنة بوضع الشركات الكبرى التى تكون ملائتها المالية ضخمة، فتسطيع مواجهه التحديات الاقتصادية ببدائل وحلول مختلفة.
ارتفعت نسب (تعثر) القطاع المصرفى المصرى أو ما يٌسمى بالقروض غير المنتظمة إلى إجمالى القروض إلى %3.5 فى مارس 2023، مقابل %3.3 لنفس الفترة العام الماضي. كما ارتفعت نسب مخصصات القروض إلى %93.3 لشهر مارس الماضي، مقارنة بنحو %92.3 لشهر مارس 2022، وذلك وفقًا لبيانات مؤشرات السلامة المالية للبنوك والصادرة عن البنك المركزى المصرى.
وتُعرف المخصصات على أنها المبالغ المالية المقتطعة من الإيرادات بغرض مقابلة الإهلاك، أو تجديد الأصول الثابتة، أو لمواجهه النقص الحادث فى قيمة الأصل، أو مقابلة التزامات مالية أو خسائر محتملة فى المستقبل
فى هذا السياق أوضح وليد ناجي، نائب رئيس البنك العقارى المصرى العربي، أن نسب التعثر تختلف من قطاع لآخر، حسب ديناميكيات النشاط ومخاطره، فعلى سبيل المثال تتعدى نسب تعثر قروض السيارات الـ %5 وكذلك بطاقات الإئتمان.
وتابع «ناجى» أنه لا يوجد نسبة عامة نستطيع بناء عليها أن نحسب الحدود الآمنة لتعثر العملاء سواء الشركات أو الأفراد، لافتًا أن البنوك دائمًا مع تضع فى اعتبارها مخاطر التعثر بإحتساب معدلات محددة للمخصصات.
وأشار «ناجى» إلى أن كل القطاعات تواجه مخاطر التعثر، وتتحرك تلك النسبة صعودًا وهبوطًا حسب الدورات الاقتصادية، ونوع الائتمان الممنوح، فتختلف النسبة من قطاع الأفراد إلى الشركات إلى قروض السيارات، مؤكدًا أن الفترة الأخيرة شهدت ارتفاعًا فى متوسطات نسب التعثر فى القطاع المصرفي، نظرًا للتداعيات الاقتصادية الأخيرة التى شاهدها العالم، من الانكماش الاقتصادى أثناء كوفيد-19، ثم الحرب الروسية الأوكرانية، والتضخم العالمي، وأزمة نقص العملة.

وأكد أن زيادة نسب التعثر فى البنوك لم تكن فى مصر وحدها، فالولايات المتحدة الأمريكية تشهد ارتفاعات عن المعدلات الطبيعية خلال الفترة الأخيرة، وكذلك معظم دول العالم،وذلك نتيجة الظروف الاقتصادية العالمية الراهنة.
وقال إننا إذا نظرنا إلى نسب التعثر فى القطاع المصرفى بشكل عام، سنرى أنها مازالت فى المعدلات الطبيعية، مشيرًا إلى أن زيادة معدلات ربحية البنوك تثبت ذلك.
وأوضح أن ما يخيف البنوك من زيادة نسب التعثر، هو زيادة المخصصات بها لمواجهه تلك المخاطر، والتى تؤثر على معدلات الربحية بشكل كبير، مضيفًا أن مؤشر ربحية البنوك فى تزايد وهو ما يثبت عدم التأثر بالارتفاعات الطفيفة فى نسب التعثر والمخصصات، ويؤكد على صلابة المحافظ الائتمانية والوضع المالى للمصارف فى مصر.
وفيما يخص الوضع المالى للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، قال وليد ناجى إن الشركات الكبيرة دائمًا ما تكون لديها حلول وبدائل اقتصادية عديدة، كما أن ملائتها المالية تكون أعلى من الكيانات الأصغر، فتستطيع العبور من التحديات والتقلبات بشكل آمن.
وأضاف أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة وكذلك الأفراد عادة ما يكونون عرضة أكثر للتأثر بالتقلبات الاقتصادية، ومن ثم زيادة نسب تعثرهم.
من جانبه قال محمد البيه، الخبير المصرفي، إن أسباب زيادة نسب التعثر فى بيانات مارس 2023 إلى %3.5 مقارنة بـ %3.2 فى سبتمبر 2022، ترجع إلى تأثر حركة الشركات بالعوامل اللوجستية ومدى توفر البضائع فى السوق المحلي، وكذلك فأن زيادة أسعار الصرف وتكلفة السلع المستوردة، أدى إلى انخفاض قدرة التجار والمستثمرين على استيراد المواد الخام ومستلزمات الإنتاج.
وأوضح «البيه» أن زيادة معدلات الفائدة مؤخرًا أضاف عبئًا آخر على قدرة الشركات فى الحصول على تمويلات، فهى تواجه تحديًا فى أخذ تسهيلات ائتمانية من البنوك، وكذلك فى تسعير البضائع لديها فى السوق المحلي، والذى يشهد معدلات تضخم مرتفعة.
وأكد على وجهه النظر سابقة الذكر، والخاصة بتأثر وضع المشروعات الصغيرة والمتوسطة بالوضع الاقتصادى وزيادة نسب التعثر بها، لافتًا أن ملائتها المالية ليست كبيرة بالشكل الكافى الذى يُمَّكنها من مواجهه التحديات.
وتابع أن نسب التعثر فى الشركات الكبرى ليست كبيرة مقارنة بوضع الشركات المتوسطة والصغيرة.
وأفاد محمد البيه أن القطاع المصرفى لا يواجه مخاطر فى الوقت الحالي، مستشهدًا بالوسائل الرقابية التى يفرضها «المركزى» المصري، وكذلك محددات كفاية رأس المال، وإلتزام البنوك بها يضعها دائمًا فى منطقة الآمان.
ولفت إلى أن نسبة كفاية رأس المال المحددة من قبل «المركزى» تبلغ %12.5 لافتًا أن البنوك المحلية تتخطى تلك النسبة بشكل ملحوظ، علما بأن هذا المعيار هو الذى يٌقاس به قدرة المصارف على تغطية المخاطر التى قد تواجهها.
وأشار إلى أن البنك المركزى أضاف %2.5 نسبة تحوطية على محددات “بازل” والتى اعتمدت 10% لمعيار كفاية رأس المال، مشيرًا إلى أن البنوك ترفع نسب المخصصات بها وفقًا للمخاطر المحتملة للقروض الممنوحة، ويتم المراقبة عليها من خلال «المركزى».
وذكر أن حجم إقراض القطاع المصرفى للشركات وصل إلى 4.3 تريليون جنيه وفقًا لآخر إحصاء، ونسب التعثر 3.5% من إجمالى محفظة الإقراض، مؤكدًا أنها تعتبر نسبة غير مقلقة على الإطلاق.
وفيما يخص تأثير رفع نسب المخصصات على ربحية البنوك، أوضح محمد البيه أنه مع زيادة الوزن النسبى للمخاطر، تعمل البنوك على رفع نسب مخصصاتها بالتدريج، مما يحافظ على معدلات ربحيتها، مضيفًا أن المصارف يكون لديها معايير خاصة فى الظروف الاقتصادية لاختيار عملائها بكفاءة، ومع منح التسهيلات الإئتمانية الجديدة تنخفض نسب التعثر مما يخفف من عبء رفع المخصصات.
أما محمد عبدالمنعم الخبير المصرفي، فيرى أنه بالرغم من ارتفاع نسب القروض غير المنتظمة الفترة الأخيرة، إلا أنها مازالت تدل على قوة وسلامة القطاع المصرفى المصري.
وأضاف «عبدالمنعم» لـ «المال» أن تكوين المخصصات يمر بعدة مراحل، من تكوين مخصص جزئى إلى كلى فى حالة إمتناع أو تعثر العميل عن السداد لفترات كبيرة، وفقًا للشروط المحددة من قبل البنك المركزي.
وأوضح أن أسباب زياده حالات التعثر، تكمن فى الأحداث الطبيعية الناتجه عن تأثر الوضع سواء العالمى أو الداخلي، مشيرًا إلى أن الشركات الصغيرة والمتوسطة ليس لديها القدرة على التأقلم مع الدورات الاقتصادية، وهو ما يؤدى إلى تعثر بعضها فى حاله عدم اتباع سياسات مالية رشيدة.
ولفت إلى أن النسب الآمنة للتعثر ليست ثابتة، فحتى الوصول لنسبة %10 من المحافظ الائتمانية يعد ضمن الحدود الآمنة، موضحًا أنها إذا تجاوزت الـ %10 فى هذه الحالة تحتاج الشركة لإعاده دراسة وتحليل القطاعات الخاصة بها.
