اختلفت آراء الخبراء الاقتصاديين، حول رفع أسعار الفائدة من عدمه فى اجتماع البنك المركزى المقبل، بعد تصاعد معدلات التضخم العام والأساسى لشهر مايو الماضى إلى %32.75 و%40.31 على الترتيب، وهى المرة الثانية التى يتجاوز فيها الأخير حاجز الـ%40 فى أقل من 3 أشهر.
أجرت "المال" تحليلًا شاملًا حول الخيارات المطروحة على طاولة البنك المركزى المصرى فى اجتماعه المقرر عقده خلال الأيام القليلة المقبلة، واختلف خبراء اقتصاد وتمويل حول إمكانية رفع سعر الفائدة للمرة الثانية لهذا العام، فيرى البعض أن التثبيت أمر مرجح، وذلك لأن اتباع السياسة النقدية الانكماشية طوال الفترة الماضية لن يؤتى ثماره فى السيطرة على الارتفاعات المتتالية فى الأسعار.
بينما يرى فريق آخر أن السياسة النقدية التشددية المتبعة حققت أهدافها المرجوة، والتى انعكست على انخفاض معدلات السيولة المحلية، وبالتالى خفض القدرة الشرائية والطلب الكلى، ما دفع إلى تباطؤ نمو الارتفاع فى الأسعار الفترة الأخيرة، خاصة الغذاء، مفسرين معدلات التضخم الحالية المرتفعة بأنها عبارة عن "صدمات عرض مؤقتة".
ومن جانبه قال محمود السعيد، عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، إننا فى الفترة الأخيرة بدأنا نشهد انخفاضات طفيفة فى أسعار بعض السلع الأساسية، وبالتحديد الغذاء، موضحًا أنه على الرغم من ذلك لا تزال معدلات التضخم عند مستويات قياسية تتخطى %30، وبالتالى لا نستطيع أن نشعر بالاطمئنان بخصوص هذه الارتفاعات.
وأضاف أنه من الأفضل تثبيت سعر الصرف الرسمى عند 30.95 للبيع و30.90 للشراء، وعدم اللجوء لخفض قيمة العملة المحلية الفترة المقبلة، تجنبًا لزيادة معدلات التضخم.
وأوضح أن القيمة الحقيقية لسعر الصرف تُحدد وفقًا لقوى العرض والطلب فى السوق، لافتًا أن الفترة الحالية تشهد انخفاضًا فى المعروض النقدى الأجنبى، مما دفع إلى زيادة الضغط على العملة الخضراء، وبالتالى تسبب فى خلق سوق موازية للعملة الأجنبية بسعر صرف أعلى من الرسمى.
وذكر أن من أخطر ما يواجهه أى اقتصاد هو وجود سعرين للصرف رسمى وغير رسمى، فقد يدفع الدولة إلى سلسلة من الأزمات الاقتصادية المتتالية، إن لم تُحل فى الوقت المناسب، متأملًا زيادة المعروض من النقد الأجنبى خلال الفترة القادمة وفقًا لخطة الدولة من تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية، والذى سيخفف من الضغط على العملة الأجنبية.
وفيما يخص النهج الُمتبع للسيطرة على معدلات التضخم، قال عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسة بجامعة القاهرة إن قرار تثبيت أسعار الفائدة هو أمر متوقع فى اجتماع لجنة السياسة النقدية المقرر عقده 22 يونيو الجارى، وذلك لأن اتباع التشديد النقدى طوال الفترة الماضية لم يؤتِ بثماره فى كبح جماح التضخم، وخاصة فى حالة الركود التضخمى التى تشهدها مصر فى الوقت الحالى، مشيرًا إلى أن السياسة النقدية وحدها تعتبر غير كافية لحل المشاكل الاقتصادية، والسبب أننا نعتمد على استيراد جزء كبير من احتياجتنا، فمع حدوث أى تغيرات خارجية كأزمة كوفيد - 19 والحرب الروسية الأوكرانية، تؤثر تبعية على الاقتصاد المصرى.
وأكد أن الحل يكمن فى التركيز على الاستثمار الذى يؤدى إلى التصنيع والتشغيل ثم التصدير، لافتًا إلى أن ثبيت أسعار الفائدة خلال الفترة المقبلة سيعمل على تشجيع المستثمرين، نظرًا لعدم رفع التكاليف عليهم أكثر من اللازم.
وبسؤاله عن احتمال تعديل مستهدفات البنك المركزى لمعدلات التضخم (%7، %±2) خلال الفترة المقبلة، أشار السعيد إلى أن المعدل الذى يستهدفه "المركزي" فى الحدود الطبيعية لمعظم دول العالم، موضحًا أن تحقيقه أمر وارد لكنه لم يحدث قبل عام من الآن.
وفسر ذلك بأن معدل التضخم الأساسى المُعد من قبل البنك المركزى يأخذ فى اعتباره عددًا من السلع التى تضاعفت أسعارها بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة، أما "العام" المُعد من قبل الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فهو يأخذ فى اعتباره سلعا أساسية موسمية متقلبة الأسعار كالخضراوات والفاكهة، ولهذا السبب تكون هناك اختلافات بنسب متفاوتة منذ عام تقريبًا.
من ناحية أخرى، علّق هانى جنينة، الخبير الاقتصادى والمحاضر بالجامعة الأمريكية، بأن اتباع سياسة نقدية انكماشية طوال الفترة الماضية كان مجديًا لأقصى حد على الرغم من وصول معدل التضخم الأساسى إلى %40.3 لشهر مايو الماضى.
وفسر "جنينة" وجهة نظره بأن رفع أسعار الفائدة %10 خلال الفترة الماضية، بالإضافة إلى قرار إلغاء المبادرات الذى تم اتخاذه فى نوفمبر 2022، أدى إلى انخفاض معدل نمو السيولة إلى معدل سنوى %17 وفقًا لآخر بيان صادر فى أبريل 2023، مسجلًا انخفاضًا من %23 لشهر سبتمبر 2022، وهو ما يؤكد حدوث تراجعات كبيرة فى معدلات السيولة المحلية التى نتجت عن رفع أسعار الفائدة.
ورد الخبير الاقتصادى على تساؤل عدم انخفاض التضخم على الرغم من رفع الفائدة، بأن ما يحدث الآن فى معدلات التضخم يُسمى بصدمات العرض المؤقتة، مستشهدًا بأن الفترة الحالية شهدت انخفاضًا فى التذبذبات الكبيرة التى كانت تحدث فى الأسعار، وذلك عكس الوضع فى بداية الأزمة.
وتابع إن وتيرة النمو فى الأسعار تباطأت بشكل ملحوظ بالتحديد فيما يخص السلع الغذائية وبعض السلع الأخرى، موضحًا أن التضخم حاليًا لا يُسمى تضخما مستوردا، فهذا المصطلح يُطلق على السلع المستوردة التى ترتفع أسعارها فى الخارج، وهو عكس الوضع الراهن فالأسعار فى الخارج بدأت فى الانخفاض، وإنما التضخم الحالى ناتج عن شح العملة الصعبة، بالإضافة إلى تعديل أسعار السلع المحددة إداريًا.
وأكد هانى جنينة وفقًا لتحليله السابق أن معدلات التضخم تشهد طفرات وسرعان ما ستنخفض مرة أخرى، معللاً بدء المواطنين فى خفض استهلاكهم بأنه نتيجة لخفض السيولة، مما سيؤدى لتراجع الطلب وتراكم المخزون، وفى النهاية سوف يدفع المنتج إلى خفض الأسعار مرة أخرى.
وتوقع وجود مجال لرفع البنك المركزى سعر الفائدة مرة أخرى، سواء فى الشهر الحالى أو فى الاجتماعات المقبلة بمعدل %2 نهائية.
وأوضح جنينة الغرض من رفع الفائدة مرة أخرى، فبالتزامن مع انخفاض معدل السيولة المحلية، وفى حالة الاتفاق المسبق مع صندوق النقد الدولى لتنفيذ حزمة من الإصلاحات كتعديل أسعار المحروقات وتحرير سوق الصرف، سيدفع ذلك إلى اتخاذ قرار رفع الفائدة بشكل استباقى من أجل منع تحول نتائج صدمات العرض الناجمة عن تنفيذ تلك الإصلاحات إلى تضخم مستدام.
وتابع أن أسباب رفع الفائدة القادم ستكون مختلفة تمامًا عن أسباب رفع الفائدة فى الفترة السابقة، فسيكون الهدف هو " كبح جماح توقعات التضخم"، وليس التضخم المباشر، مفسرًا بأن الفترة الماضية كان الغرض من رفع الفائدة هو تحجيم السيولة، أما الرفع المقبل والمتوقع أن يكون الأخير سيكون هدفه منع تحول صدمة العرض إلى مطالبات مستدامة ومستمرة من العمالة بزيادة المرتبات، وهو ما قد يدفع الشركات إلى رفع الأسعار لنقل عبء التكاليف على المستهلك النهائى - وهو القرار الذى لن يؤتى بثماره فى حالة عدم وجود سيولة – فمع ضغط العمالة وضغط التكاليف التى تتحملها الشركات والتهديد بإيقافها، تضطر كل هذه الأحداث البنك المركزى إلى إعادة ضخ السيولة.
وقال الدكتور أحمد السيد، أستاذ الاقتصاد والتمويل إن التضخم فى مصر يعتمد بشكل كبير على تحركات سوق الصرف التى تؤدى إلى زيادة أسعار السلع المستوردة، والتى كانت أسعارها مرتفعة بالأساس فى الأسواق العالمية خلال الفترة الماضية، لكن الأزمة الحقيقية تكمن فى عدم استجابة الأسعار المحلية للانخفاضات التى شهدتها السلع عالميًا الفترة الأخيرة، فمع ثبات سعر الصرف الرسمى لأكثر من 3 أشهر، وبدء تخييم الهدوء عالميًا، يثبت ذلك وجود خلل فى كفاءة الأسواق محليًا تُمكن قطاعا كبيرا من التجار من الحصول على أرباح إضافية، وعدم تمرير الانخفاضات إلى المستهلك المحلى.
وأضاف أن هناك بُعدا آخر للتحليل، فمع نقص المعروض من الدولار، يؤدى ذلك إلى صعوبة الاستيراد، مما يدفع إلى نقص المعروض من السلع، موضحًا أن وضع التضخم الحالى لا يرتكز على زيادة المعروض النقدى الذى يمكن معالجته بزيادة سعر الفائدة لسحب السيولة، وهو ما أضعف من استجابة التضخم لأدوات السياسة النقدية المتبعة.
وتابع السيد بأن الأهم فى المرحلة الحالية هو السيطرة على تذبذبات سعر الدولار، مما يؤدى إلى السيطرة على الأسعار ومنعها من الارتفاع، مشيرًا إلى أن الأهم هو محاولة معالجة قضية الدين الخارجى من خلال إعادة التفاوض مع الدائنين لترحيل بعض أقساط الدين حتى 2024، مما يعطى مساحة لالتقاط الأنفاس واستعادة ثقة المستثمرين- على حد وصفه.
وبسؤاله عن توقعه لقرارات لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزى فى اجتماعها القادم 22 يونيو، قال أستاذ الاقتصاد والتمويل إن "المركزي" يحرص بشكل كبير فى التأكيد فى البيان الصحفى لكل اجتماع على أن قراراته بشأن رفع سعر الفائدة، تتوقف على توقعاته لأسعار الفائدة المستقبلية وليس الحالية، مضيفًا أن الاجتماع الأخير للبنك المركزى شهد تثبيت سعر الفائدة، بالرغم من علمه أن تحريك السولار سيساعد على رفع التضخم مرة أخرى.
وقال إنه يعتقد أن "المركزي" ينظر إلى الارتفاع فى معدل التضخم خلال مايو كحدث عارض ولن يستمر لفترات طويلة، وهو ما يساعد على التوجه لتثبيت سعر الفائدة أو عدم تحريكها بشكل كبير خلال الفترة القادمة.
وذكر أن الطربق مازال طويلًا أمام مستهدف البنك المركزى للوصول إلى مستويات (%7، ±2)، فهو يستهدف الوصول إليه بنهاية الربع الأخير من عام 2024.
وأشار إلى أننا إذا عدنا لتاريخ التضخم فسنجد أنه فى الظروف المشابهة بعد تحرير سعر الصرف فى نوفمبر 2016 استغرق الأمر نحو عام ونصف للهبوط إلى نفس المستهدفات (%7، ±2)، ونحو عامين للهبوط إلى (%5 ±2)، لافتًا إلى أنه مازال مبكراً الحكم على قدرة البنك المركزى الوصول إلى مستهدفاته.
واعتقد السيد أن النصف الثانى من العام الحالى هو الذى سيحدد بشكل كبير توجهات التضخم خلال الفترة القادمة، فإذا تمكّن الاقتصاد المصرى من ضبط تذبذبات سعر الصرف، بالتزامن مع استمرار هدوء معدلات التضخم عالمياً، فسيكون مستهدف التضخم واقعيًا وقابلًا للتحقيق بنهاية 2024، بشرط عدم حدوث أى صدمات خارجية أو اختلالات داخلية جديدة.
وتعليقًا على ارتفاع معدل التضخم الأساسى عن التضخم العام بنسب ملحوظة منذ عام تقريبًا حتى الآن، أوضح السيد أن التضخم الأساسى يتم اشتقاقه من التضخم العام، فالتضخم الأساسى يستبعد السلع متقلبة الأسعار، لكنه يستبعد أيضًا السلع المحددة إداريًا والتى يساعد تثبيتها فى انخفاض معدل التضخم العام مقارنة بالأساسى، متابعًا بأن ارتفاع بقية أسعار السلع خلال مايو أدى إلى الحفاظ على مستويات مرتفعة من التضخم عند حساب المعدل الأساسى.
