توسع البنوك فى الاستثمار فى الأوراق المالية، وتعاظم محافظ المشروعات الصغيرة والمتوسطة لديها، دفع وكالة التصنيف الائتمانى «موديز» إلى تخفيض تصنيف بنوك: «الأهلى»، «مصر»، «القاهرة»، و«التجارى الدولي» من B2 إلى B3، كما خفّضت تقييم بنك الإسكندرية من B1 إلى B2.
يضاف إلى المعطيات السابقة أيضًا مخاطر رفع الفائدة، وتقلبات سعر الصرف، بالإضافة إلى حالات عدم اليقين التى تخيم على الاقتصادات العالمية ككل، وهى أمور أدت مجتمعة إلى تخفيض تقييمات هذه البنوك سالفة الذكر.
وجاءت الخطوة الأخيرة من وكالة التصنيف الائتمانى «موديز» فى أعقاب ارتفاع استثمارات البنوك فى الأوراق المالية إلى 4.69 تريليون جنيه بنهاية يناير الماضي، مقابل 4.42 تريليون جنيه بنهاية ديسمبر 2022.
وهو ما دفع الوكالة إلى إبداء تخوفها من انكشاف البنك الأهلى المصرى على الأوراق المالية الحكومية التى يستثمر فيها البنك بنحو %43 من إجمالى أصوله.
نمت استثمارات البنوك فى سندات وأذون الخزانة بنحو %33.13 خلال الفترة من ديسمبر 2021 إلى ديسمبر 2022، تزامنًا مع سياسة التشديد النقدى التى انخرط البنك المركزى فى انتهاجها ابتداءً من مطلع العام الماضي، وما نجم عن ذلك من تراجع معدلات الإقراض خوفًا من تعثر العملاء.
وتُعرّف أذون الخزانة بكونها أداة دين حكومية تصدر بمدة تتراوح بين ثلاثة أشهر إلى سنة؛ لذا تعتبر من الأوراق المالية قصيرة الأجل.
وسندات الخزانة عبارة عن صك تصدره الشركات أو الدول ويكون قابلًا للتداول بالطرق القانونية، ويعد بمثابة قرض لأجل مسمى سواء طويل الأجل أو قصير أو متوسط، ويتراوح بين سنتين و20 عامًا.
ورأى هانى أبو الفتوح، الخبير المصرفى والرئيس التنفيذى لشركة الراية للاستشارات، أن تخفيض تصنيف هذه البنوك منطقى من جهة ارتباطه بتصنيف مصر الائتماني؛ إذ لا ينبغى أن يكون تصنيف بنوك عاملة فى الدولة أعلى من التصنيف الائتمانى للدولة نفسها.
وخفّضت وكالة التصنيف الائتمانى «موديز» التصنيف الائتمانى لمصر من B2 من B3، كما عدلت نظرتها المستقبلية من سلبية إلى مستقرة.
لكن هانى أبو الفتوح يرى أيضًا أنه لا خطورة من تركيز استثمارات البنوك فى الأوراق المالية الحكومية، معللًا ذلك بكون الاستثمار فى سندات وأذون الخزانة «آمن جدًّا».
وأكد أن هذه الاستثمارات فى أدوات الدين الحكومية تعزز من الارتباط بين التصنيف الائتمانى للدولة وتصنيف البنوك على حد سواء.
اختبار الضغوط والانكشاف المصرفي
ويستبعد محمد بدرة، الخبير المصرفي، أن تكون البنوك معرّضة لخطر الانكشاف، نظرًا لانتهاجها سياسات ائتمانية دقيقة، وأكثر تحوطًا، بالإضافة إلى إلزام البنك المركزى لكل المصارف العاملة فى السوق المحلية بتطبيق اختبار الضغوط.
واختبار الضغوط Stress Testing أداة تُستخدم من قبل البنوك لقياس قدرتها على تحمل الصدمات والمخاطر التى يُحتمل التعرض لها.
وأضاف «بدرة» أن الانكشاف المصرفى مستبعد حدوثه كذلك بالنظر إلى أن البنك المركزى يطالب البنوك بتطبيق معيار المحاسبة العالمية، والذى يعنى حساب البنوك الخسائر المتوقعة لكن فى ظل الظروف الاستثنائية.
والانكشاف المصرفى Banks Exposure هو مصطلح يقوم على حساب ديون المصارف على المؤسسات والمشروعات التى لم تسدد بعد ثم تقارن هذه الديون بإمكانيات البنك، ويصل البنك إلى حالة الانكشاف إذا لم يستطع الوفاء بالتزاماته عندما يستخدم كل أصوله المختلفة، وقد يكون البنك فى حالة انكشاف وهو لا يزال مستمرًا فى نشاطه أى أن هذه الحالة يمكن معاينتها أكثر عند عمليات التصفية.
المخصصات وتوزيع الأرباح
وفى محاولة منه لمواجهة المخاطر المحتملة (سواء ما تعلق منها بالانكشاف المصرفى أو التعثر وتراجع الجدارة الائتمانية للعملاء) ألزم البنك المركزى مجالس إدارات البنوك بوقف توزيعات الأرباح؛ رغبة فى توافر السيولة.
وقرر البنك المركزى عدم إجراء أى توزيعات نقدية من الأرباح السنوية أو المحتجزة خلال عام 2023؛ فى محاولة لدعم مراكز البنوك، وملاءتها المالية.
وأشار محمد بدرة، الخبير المصرفي، إلى أن البنك المركزى طالب البنوك- التى ما زال رأسمالها تحت الـ5 مليارات جنيه، وهما بنكا: العقارى المصرى والتنمية الصناعية- برفع قاعدتها الرأسمالية، والتوافق مع الحد الأدنى لرأس المال.
ولفت إلى أن البنوك لجأت أيضًا إلى رفع مخصصاتها لتكون قادرة على مواجهة مخاطر التعثر أو أى مخاطر محتملة أخرى.
واتجه عدد من البنوك العاملة فى السوق المصرية (كبيرة ومتوسطة الحجم) إلى رفع مخصصاتها، مدفوعة بحالات عدم اليقين التى تخيم على المشهد الاقتصادى العالمى والمحلى على حد سواء، ناهيك عن ارتفاع نسب التعثر ومخاطر الائتمان، وأخيرًا للتحوط من ارتفاع محافظ الديون غير المنتظمة، وانخفاض الجدارة الائتمانية للعملاء.
والمخصص هو كل مبلغ يستقطع من الإيرادات من أجل مقابلة إهلاك (النقص فى قيمة الأصل) أو تجديد الأصول الثابتة أو مقابلة نقص فى قيمة أى أصل من الأصول، أو بهدف مقابلة التزام أو خسائر يمكن التعرف عليها ولا يمكن تحديد قيمتها بدقة.
ورفع البنك الأهلى المصرى مخصص خسائر الائتمان حسب قوائمه المالية من 39.670 مليار جنيه خلال 2021 إلى 50.236 مليار جنيه فى 2022، أما بنك مصر فرفع مخصصاته من 15.83 مليار جنيه خلال 2021 إلى 22.26 مليار جنيه فى 2022.
وكذلك فعل البنك التجارى الدولي، مضيفًا 6.61 مليار جنيه إلى مخصصاته التى سجلت 17.91 مليار جنيه فى 2021 لتصل إلى 24.53 مليار جنيه فى العام الماضي.
واتجهت بنوك متوسطة الحجم، على غرار البنك المصرى الخليجي، إلى رفع مخصصاته من 2.06 إلى 2.59 مليار جنيه، ويبدو أن هيكل المحفظة الاستثمارية للبنك وكذلك درجات تعرضه لمخاطر الائتمان كانت وراء هذه الزيادة الطفيفة فى المخصصات.
وعمد البنك المصرى لتنمية الصادرات، وفقًا لأحدث قوائمه المالية إلى رفع مخصصاته من 1.3 مليار جنيه خلال 2021 إلى 1.7 مليار جنيه خلال 2022.
ودائع البنوك ومحافظ المشروعات الصغيرة
وكالة التصنيف الائتمانى «موديز» رأت احتمالية تعرض أصول البنك التجارى الدولى لمخاطر مرتفعة، رغم وصول مخصصاته إلى نحو %12 من إجمالى قروضه.
وكان زيادة الانكشاف على الشركات الصغيرة والمتوسطة، من بين الأسباب التى ارتكنت إليها الوكالة فى تخوفها ذلك.
وكان المركزى ألزم البنوك بحسب الكتاب الدورى المؤرخ 22 فبراير 2021 زيادة محفظة القروض والتسهيلات الائتمانية (المباشرة وغير المباشرة) للشركات والمنشآت متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة من نسبة %20 إلى %25 من محفظة التسهيلات الائتمانية للبنك- وفقاً للمركز فى ديسمبر 2020- مع الالتزام بتوجيه نسبة %10 منها لتمويل الشركات والمنشآت الصغيرة، على أن تلتزم البنوك بتحقيق تلك النسب حتى 31 ديسمبر 2022 وذلك وفقًا لبعض المحددات.
غير أن محمد بدرة، الخبير المصرفي، قلل من هذا التخوف، معللًا ذلك بتوافر السيولة، ونمو أحجام الودائع لدى البنوك.
وارتفعت ودائع القطاع المصرفى إلى 9.021 تريليون جنيه بنهاية يناير الماضي، مقابل 8.580 تريليون جنيه بنهاية ديسمبر 2022.
وسجلت الودائع الحكومية، بحسب النشرة الشهرية الصادرة عن البنك المركزى المصري، نحو 2.043 تريليون جنيه بنهاية يناير مقابل 1.95 تريليون جنيه.
واتفق هانى أبو الفتوح، الخبير المصرفى والرئيس التنفيذى لشركة الراية للاستشارات، مع «بدرة» فى التقليل من مخاوف تعاظم محافظ المشروعات الصغيرة والمتوسطة لدى البنوك، لكنه علل ذلك بكون هذه القروض مشمولة بمبادرة البنك المركزي، وهو ما يخفّض من حدة المخاطر المحتملة فى هذا الصدد.
وارتفعت ودائع القطاع المصرفى بالعملة المحلية، بخلاف الحكومة، لتسجل 5.61 تريليون جنيه بنهاية مارس الماضي، مقابل 5.54 تريليون جنيه بنهاية فبراير 2023.
وسجلت الودائع تحت الطلب بالعملة المحلية، بحسب بيانات «المركزي»، نحو 985.375 مليار جنيه بنهاية مارس، مقابل 882.775 مليار جنيه بنهاية فبراير الماضي.
وشهدت الودائع بالعملة الأجنبية، حسب تقرير حديث صادر عن البنك المركزى ارتفاعًا طفيفًا، لتسجل نحو 1.49 تريليون جنيه بنهاية مارس، مقابل 1.46 تريليون جنيه بنهاية فبراير الماضي.
وسجلت الودائع تحت الطلب بالعملة الأجنبية نحو 398.260 مليار جنيه بنهاية مارس، مقابل 385.082 مليار جنيه بنهاية فبراير 2023.
وبشكل عام رأى هانى أبو الفتوح، الخبير المصرفى والرئيس التنفيذى لشركة الراية للاستشارات، أن رفع الفائدة أكبر المخاطر التى تواجه البنوك خلال الفترة الراهنة، غير أنه أشار إلى أن تتحوط لمثل هذه المخاطر عن طريق رفع مخصصاتها، فضلًا عن الاهتمام بجودة محافظها الائتمانية.
السيولة ونسب التوظيف
تعاظم الفوائض النقدية لدى البنوك يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتراجع نسب التوظيف (أى نسب توظيف القروض للودائع) وهو عامل سلبى من هذه الزاوية؛ إذ يتمثل الدور الكلاسيكى فى توجيه ودائعه على هيئة قروض للشركات والعملاء، وهو ما ينعكس إيجابيًّا على الاقتصاد الكلى بشكل عام.
شهدت العشرون سنة الأخيرة تراجعًا فى معدلات توظيف القروض للودائع بنسبة كبيرة؛ إذ سجلت أعلى مستوى لها خلال يونيو 2003 لتصل إلى نحو %70.6 مقابل %48.5 فى يونيو 2022.
وأكد هانى أبو الفتوح، الخبير المصرفى والرئيس التنفيذى لشركة الراية للاستشارات، أن هذا الفائض الكبير من السيولة (9.021 تريليون جنيه بنهاية يناير الماضي) موظف بنسبة 37% تقريبًا فى سندات وأذون الخزانة، وهو ما يعنى انحراف البنوك عن مسارها الطبيعي، وهو إقراض الشركات والمؤسسات الاقتصادية والدفع بها (ومن ورائها الاقتصاد الكلي) قُدمًا.
