ارتفعت قيم التمويل الاستهلاكى ، منذ يناير 2022 وحتى نهاية فبراير الماضى بنحو67.02%، فيما قفزت أعداد العملاء والمستفيدين من هذه الصيغة التمويلية بنحو %42.91، وذلك بحسب أحدث بيانات الهيئة العامة للرقابة المالية.
يقصد بالتمويل الاستهلاكى كل أشكال التمويل التى تتجه إلى تمكين المقترض من شراء سلعة معمرة بغرض الاستهلاك وسداد ثمنها على فترة زمنية ممتدة، ويخاطب هذا النوع من التمويل القطاع العائلى، كما تستفيد منه الشخصيات الاعتبارية الأخرى.
وسجلت قيم عقود التمويل الاستهلاكى نحو 1.8 مليار جنيه خلال يناير 2022، لتشهد بعدها ارتفاعًا متواليًا خلال شهرى فبراير ومارس، لتسجل 2.1 مليار جنيه و2.8 مليار جنيه على التوالى.
قبل أن ينخفض إلى 1.8 مليار جنيه فى مايو 2022، لترتفع فى الشهر التالى إلى 3.1 مليار جنيه، لتستمر فى دورة الانخفاض هذه (تحت حدود الـ 3 مليارات جنيه) إلى نوفمبر 2022، والذى سجلت فيه نحو 3.17 مليار جنيه.
وتراجعت أيضًا إلى ما دون الـ 3 مليارات جنيه مرة أخرى خلال شهرى ديسمبر ويناير الماضيين، قبل أن تعاود الارتفاع من جديد وتسجل 3.14 مليار جنيه فى فبراير 2023.
التضخم ونقص السيولة
ومن جانبه، أرجع سعيد زعتر، الرئيس التنفيذى لمجموعة كونتكت القابضة، هذه الارتفاعات الملحوظة فى تمويلات وأعداد عملاء التمويل الاستهلاكى إلى نقص السيولة المتاحة لدى العملاء فى الوقت الراهن.
ويعد التمويل الاستهلاكى، حسب هيئة الرقابة المالية، أحد الوسائل الرئيسية لتحقيق العدالة الاجتماعية؛ إذ يتيح للطبقات متوسطة ومحدودة الداخل الوصول إلى الخامات المالية، مما يسهم فى تحقيق الشمول المالى، الذى يعد أحد الأركان الأساسية لأهداف التنمية المستدامة التى أقرتها منظمة الأمم المتحدة، كما يمثل عنصرًا فى رؤية مصر 2030.
وأضاف «زعتر» أن الرغبة فى توفير السيولة المتاحة لدى العملاء بالفعل تدفعهم إلى الاستفادة من خدمات التمويل الاستهلاكى، هو ما يؤدى فى نهاية المطاف إلى تعاظم حجم التمويلات المقدم من خلاله.
ولفت إلى أن أزمة الدولار، وكذلك ارتفاع أسعار السلع والخدمات تدفع العملاء إلى التقسيط – وهو أحد أشكال التمويل الاستهلاكى – حتى يكونوا قادرين على تحمل هذه الأسعار المرتفعة، وكذلك احتواء آثار وتبعات الموجة التضخمية التى تعانى منها البلاد خلال الفترة الأخيرة.
وشهدت مصر خلال العام الماضى وحتى نهاية الربع الأول من العام الجارى، ارتفاعًا متواترًا فى معدلات التضخم الأساسى (والعام كذلك)؛ إذ ارتفع من %10 فى مارس 2022، إلى %11.9 خلال شهر أبريل 2022.
ثم إلى %13.3، و%14.65 فى يونيو، %15.6 يونيو، و%16.7 أغسطس، و%18 فى سبتمبر، وكذلك %21.5 نوفمبر، %24.5 لديسمبر، ليصل إلى %31.2 بحلول يناير 2023، ليصل إلى أعلى مستوى تاريخى له خلال فبراير الماضى إذ سجل %40.3، قبل أن يتراجع إلى %39.5 لشهر مارس الماضى.
وارتفع معدل التضخم السنوى لأسعار السلع بإجمالى الجمهورية، بحسب بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، خلال أبريل الماضى إلى %31,5، فى مقابل %14,9 خلال أبريل 2022، بارتفاع %16,6.
فيما ارتفعت تكلفة الطعام والمشروبات بنسبة %53,8، والنقل والمواصلات بنسبة %20,3 خلال أبريل على أساس سنوى، والتعليم بنسبة %7,7، والرعاية الصحية بنسبة %17,6، والمطاعم والفنادق بنسبة 485.
كما ارتفعت تكلفة المسكن والمياه والكهرباء والغاز والوقود على أساس سنوى خلال أبريل الماضى بنسبة %8,3، والملابس والأحذية بنسبة %21,2، والاتصالات السلكية واللاسلكية نحو %1,2.
قروض الأفراد وبطاقات الائتمان
وعلى صعيد القطاع المصرفى، عزا نائب رئيس مجلس إدارة أحد البنوك العاملة فى السوق المصرية معدلات النمو المرتفعة لقروض الأفراد إلى ارتفاع المرتبات، وهو ما انعكس على زيادة الإقبال الأفراد على الاقتراض، لاسيما أن البنوك تقرض إلى حدود %50 من المرتب.
وتوسعت البنوك الخمسة الكبار (الأهلى، مصر، القاهرة، التجارى الدولى، قطر الوطني) فى القروض الشخصية، وجاء ترتيبها على النحو التالى: البنك الأهلى المصرى (10.99 مليار جنيه)، التجارى الدولى (7.636 مليار جنيه)، مصر (3.1 مليار جنيه)، قطر الوطنى (1.58 مليار جنيه)، القاهرة (1.010 مليار جنيه).
وشهدت أرصدة بطاقات الائتمان هى الأخرى ارتفاعًات متوالية، وكالعادة كان البنك الأهلى المصرى صاحب نصيب الأسد؛ إذ سجلت أرصدة بطاقات الائتمان لديه نحو 10.99 مليار جنيه بنهاية سبتمبر 2022، تلاه البنك التجارى الدولى بإجمالى أرصدة بلغ نحو 7.636 مليار جنيه.
وحلّ بنك مصر ثالثًا؛ حيث بلغ إجمالى أرصدة بطاقات الائتمان لديه (وفق أحدث قوائمه المالية) نحو 3.1 مليار جنيه، ثم بنك قطر الوطنى مصر بـ 1.581 مليار جنيه، وأخيرًا بنك القاهرة 1.01 مليار جنيه.
التعثر ومخاطر السداد
بيد أن هذا النمو الملحوظ فى نشاط التمويل الاستهلاكى لم يكن أن يمر من دون عقبات؛ إذ كان التعثر ومخاطر التخلف عن السداد من بين أكثر العقبات التى تعانى منها الشركات العاملة فى هذا القطاع.
وأكد سعيد زعتر الرئيس التنفيذى لمجموعة كونتكت القابضة أن هناك نسب تعثر موجودة بالفعل فى هذا القطاع، مشيرًا إلى أن نسب رفض العملاء – الراغبين فى الحصول على خدمات أو تمويلات – تصل إلى %80.
غير أنه عاد ليؤكد أن الطلب على خدمات التمويل الاستهلاكى آخذة فى الارتفاع، وهو الأمر الذى يدفع الشركات العاملة فى القطاع إلى توسيع وتنويع أنشطتها.
ارتفاع أسعار الفائدة وتمويل شركات القطاع
وعلى الرغم من هذه الانتعاشة الواضحة التى يشهدها قطاع التمويل الاستهلاكى خلال الفترة الأخيرة غير أن شركات التمويل الاستهلاكى تعانى من أزمة فى الحصول على تمويلات وتسهيلات ائتمانية، حسبما ذكر أحد مؤسسى شركات التمويل الاستهلاكى فى حديثه لـ «المال».
وأبقى البنك المركزى المصرى، خلال اجتماعه فى 18 مايو الجارى، على معدلات الفائدة دون تغيير، عند مستوى %18.25 على الإيداع، %19.25 على الإقراض، %18.75 للعملية الرئيسية، لتكون تلك هى المرة الثانية التى يثبت فيها أسعار الفائدة حلال العام الجارى.
يأتى ذلك بعدما خاض «المركزى» دورة تشديد نقدى، رفع فيها معدلات الفائدة بواقع 1000 نقطة أساس، مدفوعًا بحدة الضغوط التضخمية، وكذلك آثار وتبعات جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، التى دفعت البنوك المركزية فى العالم، وعلى رأسها الفيدرالى الأمريكى، إلى انتهاج سياسة تشديد نقدية، رغبة فى احتواء آثار الموجات التضخمية، وما ينتج عنها من ارتفاع فى الأسعار، وتكلفة التمويل.
