دائمًا ما تكون العقارات هى الوعاء الادخارى الأكثر أمانًا، خاصة مع ما تشهده مصر من قرارات اقتصادية ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى تعمل عليه منذ العام 2016، وربما ما يؤكد ثقة المستثمرين فى القطاع هو حالة الطلب التى تتبع كل عملية تعويم للجنيه.
ففى نوفمبر 2016، أعلن البنك المركزى المصرى تحرير سعر صرف الجنيه والتسعير وفقًا لآليات العرض والطلب، فيما عرف حينها بـ«التعويم الأول»، ليصل الدولار عند الشراء بأعلى سعر إلى 14.50 وأقل سعر عند 13.5 جنيه.
وبحسب تقرير مؤشر «عقار ماب» المعنى بحركة السوق العقارية، تراجع مستوى الطلب العقارى خلال شهر نوفمبر بنسبة %1.5.
وأضاف أنه من الملاحظ أن التراجع الأكبر حدث بالتزامن مع إعلان البنك المركزى المصرى تعويم الجنيه، بعدما نتج عنه عدة ظواهر، منها توجه بعض المستثمرين الأفراد للاستثمار والمضاربة بالعملة الصعبة، خاصة مع تأرجح سعر الجنيه خلال الأيام التالية التى تلت التعويم.
كما أن معظم الشركات العقارية بدأت تعديل أسعارها لتتناسب مع التكاليف الجديدة، إلا أن الشركات لم تستطع أن ترفع أسعارها بنفس نسبة زيادتها، وذلك لأن مستوى دخل ورواتب المستهلك لم ترتفع بنفس نسبة زيادة الدولار أو التضخم.
وتوقع أن تشهد السوق العقارية خلال شهر ديسمبر ويناير حالة من الترقب، إلى أن تتضح الصورة فى السوق بشكل أكبر، ولكن مما لا شك فيه أن أسعار العقارات ستستمر فى الارتفاع بشكل تدريجى خلال الفترة القادمة.
وفى الشهر التالى لعملية التعويم حقق قطاع العقارات نموا بنسبة %3 بالمقارنة مع نوفمبر المناظر.
وهذا النمو فى الطلب كان بالتزامن مع تزايد أسعار العقارات خلال الربع الأخير من عام 2016 بنسبة تجاوزت %15، وكان ذلك بمثابة تصحيح للأسعار بعد تعويم الجنيه وخسارته جزءا كبيرا من قيمته، وسط توقعات باستقرار حالة الطلب، أو التذبذب البسيط بين زيادة ونقصان خلال شهرى يناير وفبراير، بينما توقع أن تستمر زيادة الأسعار بنفس الوتيرة المتدرجة خلال الربع الأول من عام 2017.
وفى مارس 2022 انخفض الجنيه من مستويات 15.77 جنيه للدولار إلى 19.7 جنيه للدولار، بتراجع 25 %، فيما عرف حينها بـعملية «التعويم الثانية»، لتسجل أسعار العقارات زيادة قدرها %25، متأثرة بزيادات جديدة على أسعار مواد البناء.
وبحسب تقرير لأداء حركة السوق فقد شهد الطلب على العقارات خلال شهر أبريل تذبذب كبير، فبعد ارتفاع الطلب بشكل ملحوظ فى الجزء الأخير من شهر مارس، تراجع الطلب فى بداية أبريل، مع بدء رمضان المبارك، ومن ثم ارتفع الطلب مرة أخرى فى منتصف الشهر.
وأضاف أن تراجع الطلب مرة أخرى مع اقتراب إجازة عيد الفطر، سجل مؤشر عقار ماب تراجعا بنسبة %3 بالمقارنة مع مارس، وتوقع أن يرتفع الطلب بشكل متوسط خلال شهر مايو مع بدء موسم الصيف الذى عادة ما يشهد إقبالا أكبر على العقارات.
وعملية التراجع فى حركة المبيعات لم تستمر طويلًا، فسرعان ما استعاد القطاع حركة البيع من جديد ليسجل بنهاية مايو من العام 2022، ارتفاعا فى الطلب بنسبة %3.
وفى أكتوبر 2022، انخفض الجنيه من 19.7 إلى 24.7 جنيه أمام الدولار فيما عرف حينها بعملية «التعويم الثالثة»، إلا أن ارتفاع الطلب على العقار كان مفاجىء، إذ صعد مؤشر عقار ماب بنسبة %13 خلال شهر واحد فقط.
وبينما سارع جزء كبير من العملاء والمستثمرين فى السوق لشراء العقارات للحفاظ على قيمة مدخراتهم، قامت العديد من شركات التطوير العقارى بإيقاف جميع عمليات البيع إلى أن يتم تحديد أسعار جديدة مناسبة، وسط توقعات بارتفاع الطلب كما حدث فى أعقاب تعويم 2016.
وفى الشهر التالى لعملية التعويم، سجل مؤشر عقار ماب نموا بنسبة %2.43 خلال شهر نوفمبر بالمقارنة مع أكتوبر، مع وجود حالة من الترقب الشديد فى السوق العقارى، إذ أقبل الكثير من العملاء والمستثمرين على شراء العقارات بالتقسيط، نظراً للاضطرابات الموجودة فى سوق العملات والذهب.
بينما أوقفت الكثير من شركات التطوير العقارى عمليات البيع فى حينها لتخوفها من تراجع قيمة الجنيه مرة أخرى نظراً لما تشهده السوق السوداء من ارتفاع فى سعر الصرف.
وفى يناير 2023، انخفض الجنيه من مستويات 24.7 جنيه للدولار إلى مستويات 32 جنيها للدولار، بتراجع 30 % ، وسجل مؤشر عقار ماب الذى يقيس مستوى الطلب العقارى فى السوق المصرية زيادة نوعية خلال شهر يناير بنسبة 9.5 % مقارنة بمستوى الطلب فى ديسمبر 2022.
وأضاف مؤشر «عقار ماب» أن الزيادة جاءت بالتزامن مع التحرير الأخير لسعر صرف الجنيه المصرى الذى تم خلال يناير، والذى دفع الكثير من المستهلكين للبحث عن العقارات للشراء والاستثمار، كم قام الكثير من المطورين بالإحجام عن طرح وحدات جديدة للبيع فى ظل ضبابية السوق حينها التى تجعل تسعير وحدات مشاريعهم غاية فى الصعوبة.
وعملت الشركات حينها على تحقيق موازنة بين الزيادة فى تكلفة البناء، والزيادة فى تكلفة التمويل المصاحبة لانخفاض القيمة الفعلية للشيكات المستقبلية بسبب ارتفاع نسبة الفائدة بشكل كبير، ومراقبة حركة المنافسين وتعديلهم لأسعارهم، والأخذ بعين الاعتبار قدرات المشترى المحلى الذى لم يتغير دخله بنفس نسب زيادة أسعار المواد.
وفى الشهر التالى، استقر مستوى الطلب العقارى على نفس المستوى الذى انتهى فيه الطلب فى شهر يناير من نفس العام، وارتفع بنسبة لا تتجاوز %1 مقارنة مع الشهر السابق.
من جانبه، قال كاتسبى لانجر باجيت، رئيس سَفِلز مصر، إن العملاء فى مصر يميلون إلى البحث عن تجربة معيشية تتضمن مزيجًا بين الخدمات، ووسائل الترفيه، والراحة، وهى احتياجات غالبًا ما تتوافر فى المشروعات العقارية متعددة الاستخدامات، وهو ما ينعكس فى عروض السوق.
ولفت «لانجر» فى تصريحات لـ«المال» إلى أن القوة الشرائية للمستهلكين انخفضت خلال السنوات القليلة الماضية؛ وقد انعكس هذا فى عروض السوق الأخيرة؛ حيث اختار كبار المطورين تقديم وحدات أصغر مثل الاستوديوهات،وشقق ذات غرفة نوم واحدة.
وأضاف، كما عمل المطورون على تقليل مساحات الشقق المكونة من غرفتين وثلاث غرف نوم، واختار المطورون أيضًا تقديم خطط سداد أطول لاستيعاب التغيير فى القوة الشرائية، ولقد شهدنا خطط سداد تصل إلى 10 سنوات، وهو ما لم يكن شائعًا فى الماضى.
وأشار إلى ارتفاع أسعار الأراضى نظراً لندرة الأراضى المتوافرة فى المناطق التى تشهد ارتفاعاً فى الطلب، على سبيل المثال، يوجد فى الساحل الشمالى والعين السخنة حاليًا عدد قليل جدًا من الأراضى غير المسجلة (غير المملوكة)، ما ساهم فى زيادة أسعار الأراضى بصورة كبيرة، وهو ما ينعكس على سعر الوحدات بشكل عام.
واعتبر رئيس سفلز مصر، أن الأمر يمكن تفسيره من خلال الفرق فى معدلات المبيعات أو الإيجار بين مناطق القاهرة الجديدة وامتدادات شرق القاهرة الأخرى مثل الشروق والعاصمة الإدارية الجديدة.
واستكمل، على الرغم من وجود العديد من الامتدادات لضواحى القاهرة الكبرى، لكن المطورين والمستهلكين يفضلون المناطق الواقعة فى نطاق الضواحى القريبة من وسط القاهرة.
