التضخم والفائدة ومواد البناء تجبر الشركات العقارية على التحوط لضمان البقاء

عدد من المصاعب تواجه الشركات العقارية يتمثل أهمها فى الارتفاعات المتتالية فى أسعار مواد البناء، والذى يؤدى بدوره لزيادة معدلات الفائدة

Ad

عدد من المصاعب تواجه الشركات العقارية يتمثل أهمها فى الارتفاعات المتتالية فى أسعار مواد البناء، والذى يؤدى بدوره لزيادة معدلات الفائدة لكبح جماح التضخم، بجانب تذبذب أسعار صرف العملة المحلية.

ومن المعروف أنه فى أوقات الأزمات والمصاعب تبذل الكيانات الاستثمارية جهودا لابتكار حلول جديدة للخروج من تلك المشكلات والتحوط منها قدر الإمكان وتفادى اية عراقيل تؤثر على السيولة بالشركات.

ولم يكن القطاع العقارى بمنأى عن تلك الأزمات والتى أثرت سلبا على المطورين وغيرت من استراتيجيتهم المتبعة سواء كانت البيعية أو المالية أو التسويقية، وهو الذى أدى إلى البحث عن أساليب جديدة للتحوط ضد تلك الأزمات والعمل على مواجهتها.

وشهدت الفترة الماضية محاولة بعض الشركات على رأسها سوديك وإعمار مصر اتباع آليات جديدة للتحوط من تأثيرات الاضطرابات الاقتصادية على الساحة الدولية والمحلية، فاتجهت سوديك لتكوين مخصصات مالية بقيمة 524 مليون جنيه، والذى أدى بشكل رئيسى إلى انخفاض صافى الربح وفقاً للقوائم المالية لعام 2022.

وجاءت تلك المخصصات للتحوط من الآثار المستقبلية المحتملة لتعويم العملة المحلية والذى بدوره سيؤثر على تكاليف التطوير فى القطاع العقارى وعلى إيرادات الشركة المستقبلية.

ووفقاً لتقرير صادر عن وحدة «أبحاث مباشر المالية» تستبق تلك المخصصات التأثيرات المحتملة للموجة التضخمية على الوحدات المبيعة، والتى سيتم تسليمها خلال فترة من عامين إلى الثلاثة أعوام المقبلة.

وفيما يتعلق بشركة إعمار مصر للتنمية والتى ترددت تقارير صحفية عن قيامها بربط قيمة منتجاتها العقارية بسعر صرف الدولار والذى يعنى تطبيق سعر الدولار فى عمليات البيع وقت استحقاق سداد أى قسط.

وفى حال تجاوز سعر صرف الدولار 35 جنيه وفقا لسعر الصرف الرسمى المعلن من قبل البنك المركزى المصرى يحق للشركة الفروق الخاصة بالقسط المستحق والناتجة عن تجاوز سعر الصرف 35 جنيها، ويلتزم المشترى كذلك بسداد تلك الفروق، وذلك حتى 40 جنيه كحد أقصى لاحتساب الفروق عند تاريخ كل قسط وحتى سداد إجمالى الأقساط.

«المال» تحاول فى السطور التالية رسم صورة أكثر وضوحاً عن سياسات الشركات العقارية للتحوط ضد تلك الأزمات فى فترة تشهد اهتماماً من المواطنين لاقتناء العقارات باعتبارها ملاذاً آمناً فى فترات عدم الوضوح.

كما تتزامن أيضاً مع رغبتهم فى الحصول على أفضل آليات السداد من جانب المطورين بما يجبرهم على إتاحة أنظمة سداد بدون مقدم لرغبتهم فى التوقيع الفورى مع العميل وضمان تحقيق مبيعات.

وفقاً لآراء محللى ومطورى القطاع العقارى فتلخصت أبرز الآليات المتاحة للتحوط ضد الأزمة الاقتصادية العالمية بشكل محورى فى ثلاثة نقاط وهى سياسة وقف البيع و الاعتماد على التمويل الذاتى و التوازن بين معدلات التنفيذ والبيع.

واتفق المطورون على أنه لا توجد آلية واحدة تناسب كل الشركات فما يلائم شركة قد لا يصلح لأخرى فنجاح الفكرة يستند إلى مدى مناسبتها للعملاء وسياسة الشركة بصفة عامة.

فكري: تجنب الاعتماد على متحصلات العملاء فقط

بداية قال أحمد فكرى رئيس مجلس إدارة شركة كونتكت للتطوير العقارى إنه يلزم على الشركات عدم بيع المشروع بالكامل على الخريطة وذلك للتحوط ضد الارتفاع الباهظ لتكاليف مواد البناء، بجانب ضرورة وجود ملاءة مالية جيدة لدى المطور لتنفيذ المشروع وليس فقط الاعتماد على مقدمات ومتحصلات العملاء.

وأوضح أنه من الضرورى أن تمتلك شركات التطوير العقارى ملاءة مالية جيدة تمكنها من استكمال تنفيذ المشروع دون الاعتماد بشكل كبير على متحصلات العملاء، فمن المهم قدرة المطور على تنفيذ جزء من المشروع ذاتياً أو عن طريق وسائل تمويل مختلفة وذلك لتأمين أرباح المشروع.

وتابع أنه ينبغى تثبيت أسعار المنتجات المستوردة اللازمة لعملية تنفيذ المشروع على غرار أعمال الإلكتروميكانيكال إذ أنها تمثل حوالى 70% من التكلفة الكلية للمشروع.

وأشار إلى أن استراتيجية وقف البيع كأحد أساليب التحوط ضد الأزمات شيء نسبى يتوقف على مدى قدرة المطور العقارى على تنفيذ المشروع دون الاستعانة بتحصيلات من العملاء والتدفقات النقدية من الخارج لافتاً إلى أنها الأفضل بالفعل.

وأوضح أن أى شركة تقوم بوضع بند للمخصصات تصل نسبته لنحو %25 لمواجهة أية ارتفاعات أو أزمات محتملة ولكن مع زيادة نسبة التضخم من المتوقع أن تزيد هذة النسبة أيضاً.

وأفاد أن العبرة فى نجاح أى فكرة تكمن فى مدى تقبل العملاء واستيعاب السوق بجانب النتائج الإيجابية لها، بالإضافة إلى مدى قدرة المطور على تحملها وتأثيرها على التدفق النقدى الخاص به فالأفكار نسبية فما يناسب مطور قد لا يناسب الآخر.

وفى سياق متصل أضاف محمود رياض المحلل العقارى أن أحد أهم الأساليب التى ستسهم فى تقليل المخاطر التى يمكن أن تتعرض لها شركات التطوير تتمثل فى وجود عقود طويلة الأجل مع المقاولين لتفادى فكرة الارتفاع فى مواد البناء.

وتابع أن الوسيلة الثانية تتمثل فى محاولة شركات التطوير لتسويق العقار خارج مصر للحصول على إيرادات بالعملة الأجنبية بما يسهم فى تخفيف حدة تأثير الأزمات الاقتصادية وتدعيم المركز المالى للشركة.

وفيما يخص سياسة وقف البيع أشار إلى أنها ليست أداة سليمة فى الوقت الحالى ، فعلى أى أساس ستقوم الشركات بوقف البيع، فهل بسبب تراجع قيمة الجنيه أم رفع سعر الفائدة؟، والذى سيستمر فترة لا بأس بها خاصة مع ارتفاع مستويات التضخم.

واستكمل رياض أن سياسة وقف البيع غير مجدية فى الفترة الحالية، خاصة وأن الشركات لديها تكلفة ثابتة ليست قليلة وكذلك تكاليف إدارية متحملة التزامات شهرية بغض النظر عن تحقيقها مبيعات أم لا، وبالتالى فهى بحاجة لتغطية التكاليف الثابتة الأساسية.

ولفت إلى توقعه بأن سياسة رفع سعر الفائدة وتخفيض الجنيه مستمرة بالفعل لفترة طويلة، لاسيما أن وضع الاقتصاد الكلى ليس فى أفضل حالاته، فهناك زيادة ملحوظة فى الدين الخارجى والذى بلغ 155 مليار دولار فى سبتمبر الماضى، وتعطل حركة الطروحات الحكومية والتى من المستهدف أن توفر نقدا أجنبيا لموافاة الاحتياجات الاستيرادية فضلا عن تأخر الموارد الدولارية من دول الخليج العربى.

شلبى:المقاول العام والتنفيذ الفورى أبرز الحلول

فيما قال الدكتور أحمد شلبى الرئيس التنفيذى لتطوير مصر إن شركته تعمل بمفهوم المقاول العام فى تنفيذ مشروعاتها المختلفة والتى تسمح لها بالتحكم الكامل فى التكاليف بخلاف توفير هامش الربح الضائع حال التعاقد مع شركات مقاولات لتقديم نفس الخدمة، بجانب التحكم فى التنفيذ والمشتريات وفقا للتدفقات النقدية المتاحة.

وأكد شلبى أن تطوير مصر باتت تمتلك إدارة كاملة للمقاولات والتعاقدات كما تتعامل مع مختلف شركات التوريدات العاملة بالسوق.

وذكر عدد من شركات المقاولات التى تتواجد فى المواقع المختلفة لمشروعات تطوير مصر ومنها شركات الخرافى للمقاولات، يوبتيك، يونيفرسال، وإنشاء والهندسية للمقاولات وجميعها شركات لها حصص سوقية جيدة بالسوق.

وأكد أن التزايد المستمر فى حجم أعمال ومشروعات تطوير مصر يجبرها على التعامل مع مختلف الموردين والمنفذين وهناك شراكات أخرى مع كيانات عالمية منها شنايدر و أورنج وهواوى بخلاف التعامل مع فيليروى آند بوخ الألمانية لتوريد الأدوات الصحية أو مصنعين محليين لديهم نفس الكفاء والجودة.

واعتبر أن هذا الأسلوب هو الأنسب لشركات التطوير العقارى خلال الفترة الحالية ومن الأفضل تطبيقه خاصة وأنه يحمى من التقلبات السعرية،ويواجه أيضا عدم التزام المقاولين بالتعهدات ورغبتهم المستمرة فى الحصول على فروق أسعار .

وشدد على أن استراتيجية الشركة مستمرة فى التركيز على عدد الوحدات التى يتم تسليمها سنوياً للعملاء مقارنة بالوحدات المباعة بدلاً من ذكر مستهدفات الاستثمار أو نسبة المبيعات المحققة، فمن غير المقبول أن تتجه شركات لبيع نحو 8000 سنوياً ولا تسلم سنوياً إلا 1500 وحدة على سبيل المثال فمن المؤكد أن هذا سيحدث فجوة ضخمة بمرور الوقت.

وبالمثل تخطط «تطوير مصر» لبدء الإنشاءات وتولى الأعمال الترابية والتسويات فى مشروع «ريفرز زايد» خلال شهر يوليو القادم، موضحا أن النصيحة الأهم للمطورين فى المرحلة الراهنة هى التنفيذ فى المواقع فهو مفتاح التحكم فى التكلفة.

الشناوى: آلية وقف البيع تعتبر الأنسب حاليا

وعلى صعيد آخر أوضح أحمد الشناوى رئيس مجلس إدارة شركة أدفا للتطوير العقارى أن هناك حالة عامة عدم استقرار تشهدها جميع القطاعات الاقتصادية المختلفة وعلى رأسها القطاع العقارى، لافتاً إلى أن آليات التحوط ضد المخاطر تعتمد بشكل رئيسى على قدرة ووضع وحجم مبيعات كل شركة.

ويرى الشناوى أن سياسة وقف البيع تمثل أفضل آلية حالياً فى ظل عدم استقرار السوق والمشهد الضبابى، وتذبذب سعر العملة المحلية وارتفاعات أسعار المواد الخام.

ولفت إلى أن تلك الآلية قد لا تكون منطقية إلى حد ما، ولكنها قد تساعد نوعاً ما فى وقف نزيف الخسارة، مشيراً إلى أن ذلك لا يرتبط بالشركة الكبيرة أو صغيرة، أو حتى الملاءة المالية وإنما يعتمد على العقود المبرمة بينها وبين العملاء.

واقترح الشناوى آلية أخرى لتخفيف وطأة تلك الظروف الاقتصادية العصيبة حتى يكون المطور فى مأمن عن ارتفاعات الأسعار وهى الموازنة بين نسب البيع ومعدلات التنفيذ فى المشروع فتكون حصة المبيعات ملائمة تماماً لحصة التنفيذ.

وتابع أن كل شركة تطبق ما يتناسب واستراتجيتها ووضعها المالى وقدراتها التسويقية للتحوط ضد المخاطر فلا توجد فكرة معينة يمكن تعميمها فما يناسب شركة قد لا يلائم الأخرى.

ويعتقد أن تدخل الدولة بشكل كبير فى الأسواق فى الوقت الحالى سيكون له أثر كبير على تقليل الأزمات المحيطة، فرقابة الدولة قد تمنع حدوث تلك الزيادات الصاروخية فى أسعار مواد البناء وعلى رأسها الحديد والذى تجاوز مستوى الـ 40 ألف جنيه للطن الواحد.

وأفاد أن المطور هو من يتحمل الفاتورة كاملة فى ضوء العقبات الاقتصادية، فهناك عدة تحديات تواجهه من البدايات منها عدم وجود تفعيل بشكل صحيح لمنظومة التمويل العقارى، وآليات الهيئة لطرح الأراضى والتى لا تتماشى مع آليات البيع للعميل فهى تتميز بقصر فترات السداد، فى حين أن الشركات تبيع للعميل على فترات سداد قد تصل لنحو 10 سنوات.

وعلق الشناوى على خطوة شركة إعمار مصر وربطها لسعر وحداتها بالدولار الأمريكى قائلاً إننا نحتاج لتشريعات قانونية لتوضيح تلك الآلية، فإلى مدى سيتم تحديد تغيير سعر الدولار وبأى نسبة، ومن الذى سيتولى التحديد، وبأى نسبة سيتم زيادة سعر الدولار؟ حتى تكون تلك الآلية عادلة بالنسبة للعميل والمطور.

بينما قال علاء خضر الرئيس التنفيذى لشركة سكوب العقارية إن شركته تعمل فى المرحلة الراهنة على تنفيذ مشروع أبراج المعادى، والذى تتوقع أن تبلغ قيمة التكلفة الإنشائية حوالى 300 مليون جنيه، وإجمالى عوائد متوقعة فوق ـ600 مليون وكان من المقرر الانتهاء منه خلال 3 سنوات، لكن سيتم العمل على الانتهاء منه خلال عامين فقط.

وتابع أن سكوب تتبع مجموعة السويلك السعودية وبالتالى قررنا أن تمويل الأبراج بالكامل من الشركة بعيدًا عن البنوك، وبالفعل طالبنا المجموعة السعودية بمبلغ 110 ملايين جنيه ونتيجة التغير المستمر فى أسعار التكلفة لن يتم البيع لحين تثبيت أسعار التكلفة، على أن تبدأ عملية البيع فور الانتهاء من الهياكل الخرسانية بشكل كامل.

وذكر أن مشكلة أغلب المطورين الآن هى تثبيت سعر البيع وهو الأمر الذى يفرض علينا تأجيل خطوة البيع لتقليل حجم المخاطر.

أما المهندس أحمد عبد الله نائب الرئيس التنفيذى لشركة ريدكون للمقاولات فقد طالب بسرعة إصدار قانون اتحاد المطورين العقاريين خلال الفترة الحالية لتنظيم العلاقة بين الحكومة وشركات التطوير، فضلًا عن ضرورة زيادة نسب التحوط لدى الشركات بنسبة تتراوح بين 20 و25% لحمايتها من مخاطر التضخم وانخفاض قيمة الجنيه.

وشدد على أهمية مشاركة الصناديق العقارية وصناديق المعاشات والضمان الاجتماعى لتكون شريكًا بالاستثمار العقارى لدعم القطاع وتنميته وضرورة تأجيل دفع الفائدة على الأقساط.

وطالب بطرح أراضى لشركات التطوير العقارى بنظام حق الانتفاع والاستفادة من تجربة هونج كونج فى هذا الشأن لمواجهة ارتفاع الأسعار ومشكلة ضعف السيولة المالية لدى الشركات فى الوقت الحالى.

وأكد أهمية إطلاق منظومة لتصدير العقار خاصة أن مصر تمتلك مزايا كثيرة تؤهلها لفعل ذلك والوفاء باحتياجات العملاء فى الخارج، وذلك من خلال تحديد متطلبات تلك الأسواق وإزالة كافة العقبات التى تواجه شركات التطوير فى هذا الشأن.

وقال إن القطاع العقارى يعانى من ارتفاع التكلفة منذ تفشى فيروس كورونا، فضلا عن زيادة معدلات التضخم وارتفاع أسعار الفائدة مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية والتى تسببت فى معاناة الشركات من عدم القدرة على احتساب تكلفة الإنشاء.

وأشار إلى أن انخفاض سعر صرف الجنيه بشكل متتالى تسبب فى ارتفاع تكلفة البناء فى ظل ارتفاع أسعار الحديد إلى مستويات قياسية و أيضا كافة مدخلات الإنشاءات.

فيما طالب المهندس شريف شعلان رئيس مجلس إدارة شركة رويال للتطوير العقارى بإعادة تعريف وتحديد مفهوم بند «الظروف القهرية» الموجود فى عقود بيع العقارات وأن تدرج أزمة نقص الدولار ضمن تعريفه فى ظل تأخير استيراد بعض المدخلات الإنشائية حتى لا يقع المطور العقارى فى أزمة مع العملاء.

وأشار إلى أن ارتفاع تكلفة الإنشاء ليست المشكلة الوحيدة التى تواجه شركات التطوير العقارى فى الوقت الحالى لكن نقص وندرة بعض المنتجات المستوردة التى لا تتوفر لها بدائل محلية تحول بين الشركات والوفاء بمواعيد تسليم المشروعات ويعرضها لمشكلات جديدة مع العملاء نتيجة للتأخير.

وشدد على أهمية سرعة تدبير الدولار اللازم لاستيراد البنود التى تحتاجها شركات التطوير العقارى لاستكمال مشروعاتها المختلفة.

ونوه إلى أن الشركة الموردة للبنود المستوردة من أجهزة التكييف على سبيل المثال تعثرت فى الوفاء بنحو %70 من التعاقدات المبرمة معها فى ظل تأخر فتح الاعتمادات من قبل البنود للاستيراد، موضحا أن السوق المحلية تعانى نقص الكثير من الخامات.