«القطاع المصرفى» يتخذ خطوات متنوعة للحد من تقلبات أسعار العملة وارتفاع التضخم

يواجه القطاع المصرفى المصرى جملة من التحديات أبرزها تقلبات أسعار الصرف الرسمى، ومعدلات التضخم المرتفعة، واتباع البنك المركزى لسياسة نقدية تشددية

Ad

يواجه القطاع المصرفى المصرى جملة من التحديات أبرزها تقلبات أسعار الصرف الرسمى، ومعدلات التضخم المرتفعة، واتباع البنك المركزى لسياسة نقدية تشددية للسيطرة على ارتفاع الأسعار وكان للحرب الروسية الأوكرانية الأثر الأكبر ، إذ تعد الحدث الأبرز الذى تسبب فى تغيرات اقتصادية كبيرة ألقت بظلالها على معظم دول العالم وذلك بالرغم من مرور عام وثلاثة أشهر على اندلاعها وتحديدا منذ فبراير 2022.

وتطرق محللون مصرفيون فى تصريحات خاصة لـ«المال»، إلى الأساليب المتبعة من قبل القطاع المصرفى المصرى للتحوط ضد هذه المخاطر خلال الفترة الماضية.

وذكروا أنه منذ بداية الأزمة الاقتصادية قامت البنوك بعمل تحليل شامل للمخاطر المرتبطة بأسعار الصرف والفائدة وتقييم تأثيراتها والخسائر المحتملة، ومن ثم البدء فى تنويع محفظة الأصول والعملات، وكذلك توسيع العمل بالمشتقات المالية والعقود الآجلة بتوجيهات من البنك المركزى المصرى، والتى تساعد على توقع سعر الصرف المستقبلى فى السوق، ومن ثم تسهم فى توافر نوعاً من الاستقرار.

وعلق هانى أبو الفتوح الخبير المصرفى أن الإجراءات والوسائل التى تتخذها البنوك للتحوط ضد تقلبات سعر الصرف والفائدة تتوقف على العوامل الاقتصادية والسياسية المحلية والدولية التى تؤثر على الأسواق المالية.

وأضاف «أبو الفتوح» أنه منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية شهدت الأسواق المالية تقلبات كبيرة فى أسعار الصرف والفائدة ولذلك اتخذت البنوك عدة إجراءات للتحوط ضد هذه التقلبات.

وأوضح أن الإجراءات شملت عملية القيام بتحليل للمخاطر، حيث يتم تحليل المخاطر المتعلقة بتقلبات سعر الصرف والفائدة بالإضافة إلى تقييم تأثيراتها على محفظة الأصول والخسائر المحتملة.

وتابع أنه بعدما يتم تحليل المخاطر تتخذ البنوك إجراءات للحد من تأثيراتها بما فى ذلك تنويع محفظة الأصول والعملات، وتحديد حدود للمخاطر المالية، وتوسيع قاعدة العملاء، مشيراً إلى أنه فى العادة وفى مثل هذه الظروف تحرص البنوك على الاحتفاظ بمستويات كافية من السيولة، وذلك لتمويل الاحتياجات التشغيلية والمواجهة الفورية لأى تقلبات فى الأسواق المالية.

وقال هانى أبو الفتوح إن البنوك تقوم بالتحوط ضد تقلبات سعر الصرف والفائدة باستخدام الآليات المختلفة مثل عقود الخيارات والمشتقات المالية وتنويع الاستثمار فى العملات الأجنبية.

ولف إلى أن تلك الإجراءات والوسائل تختلف من بنك لآخر، وقد تتغير باستمرار وفقًا للظروف الاقتصادية والسياسية المحيطة به.

من جانبها قالت سهر الدماطى الخبيرة المصرفية إنه مع اشتعال الحرب فى أوكرانيا ارتفعت الأسعار بشكل غير مسبوق على الصعيد العالمى، مما دفع الحكومة المصرية إلى وضع أولويات للسلع المستوردة من الخارج من سلع غذائية ونفطية للحد من تسرب جزء كبير من العملة الأجنبية.

وأضافت «الدماطي» أن موارد مصر الدولارية تأتى من عدة مصادر وهى إيرادات قناة السويس، السياحة، التصدير، تحويلات المصريين العاملين بالخارج، الاستثمار الأجنبى المباشر، وغير مباشر، مشيرة إلى أنه مع إندلاع الأزمة الجيوسياسية فى أوروبا وبدء آثارها الاقتصادية فى الظهور على معظم دول العالم، انخفض الاستثمار الأجنبى المباشر والغير مباشر فى مصر، قبل عودة الأخيرة بشكل طفيف فى شهر ديسمبر 2022، حيث دخلت تدفقات دولارية تقدر بنحو 10 مليار دولار فى تلك الفترة، بعدما كانت تجنى مصر من الاستثمار الأجنبى غير المباشر نحو 31 مليار دولار، مما كان يسهم فى تغطية الفجوة التمويلية بالعملة الأجنبية.

وأكدت على أن قطاع السياحة بدأ يعود خلال الفترة الأخيرة، متوقعة انتعاشة بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة.

جدير بالذكر أن مصر تستهدف زيادة إيراداتها من السياحة إلى 30 مليار دولار وذلك بحلول عام 2025، ويساهم القطاع بنحو 15% فى الناتج القومى لمصر، فهو يعد مصدرا رئيسيا من مصادر الدولة بالعملة الأجنبية.

ولفتت الدماطى إلى انخفاض تحويلات المصريين بالخارج بشكل كبير خلال الفترة الماضية، والتى كانت تسهم بحوالى 30 مليار دولار سنوياً، مضيفة أن معظمها انتقل إلى السوق الموازية وهو الذى أثر سلباً على وضع المعروض النقدى من العملة الأجنبية.

وتابعت أن الحكومة عملت على حل الأزمة الاقتصادية عن طريق البدء فى تنفيذ برنامج الاصلاح الاقتصادى مع صندوق النقد الدولى وبالتالى تم طرح حصص 32 شركة للبيع، منها نحو 10 شركات تابعة للدولة، لافتة إلى أن مصر فى خلال شهرين على أقصى تقدير ستشهد إقبالا من المستثمرين للدخول فى عملية الشراء مما سيسهم فى توافر العملة الأجنبية بشكل كبير.

وفى سياق آخر ذكرت أن هناك دراسات قوية تجرى حاليا مع دول مثل الصين والهند وروسيا للتعامل معهم بالعملة المحلية على مستوى الطرفين بدلاً من الدولار، مما يساعد على خفض الاعتماد على العملة الخضراء.

وقالت إن البنك المركزى سلك أكثر من مسلك لكبح جماح التضخم حيث قام برفع الفائدة نحو %10 منذ اندلاع الأزمة حتى الآن، كما رفع نسبة الاحتياطى الإلزامى التى تحتفظ بها البنوك من %14 إلى %18 بالإضافة إلى طرح شهادات ادخارية بفائدة هى الأعلى على الإطلاق وذلك بهدف سحب السيولة وزيادة الطلب على العملة المحلية وخفض معدل التضخم.

وأفادت أن قرار تحرير سعر الصرف الذى اتبعه البنك المركزى فى شهر أكتوبر الماضى كان قراراً صائباً، لافتة إلى أن أية انخفاض آخر يحدث فى قيمة العملة سيؤدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل مباشر.

وأكملت أن البنك المركزى يتبع نهجاً حكيماً فى التعامل مع ملف سعر الصرف ألا وهو الزيادة التدريجية فى قيمة العملة الأجنبية وليست الزيادة المفاجأة للسوق، مضيفة أن قرار تخفيض سعر الصرف توقف فى تلك الفترة إلى أن تتوافر العملة الأجنبية تحسباً من حدوث انخفاض كبير فى قيمة الجنيه.

وفيما يخص مخاطر تغيير أسعار الفائدة قال محمد عبدالمنعم الخبير المصرفى إن زيادة سعر الفائدة يؤثر إيجابياً على ايرادات وأرباح البنوك بشكل عام.

وأضاف «عبدالمنعم» أن البنوك تتحوط ضد تقلبات الفائدة من خلال اتباع نظام تسعير مرن وليس ثابت، وكذلك البعد عن منح قروض طويلة الأجل بفوائد ثابتة، موضحاً أن نظام الفائدة المرن يتمثل فى ربط تسعير الفائدة على القروض والتسهيلات الائتمانية بسعر الإقراض والخصم (الكوريدور) الذى يحدده البنك المركزى فإذا ارتفع تزداد معه تلقائياً أسعار الفائدة بالبنوك.

وتابع أن البنوك التى تقوم بتسعير الفائدة على أساس ثابت من الممكن أن تحقق خسائر خصوصاً فى حالة منح تسهيلات إئتمانية طويلة الأجل، وبالتالى إذا قرر البنك المركزى رفع الفائدة تزداد تكلفة الأموال لديها، ومن ثم يصعب تمرير هذه الزيادة على العملاء.

أما بالنسبة لمخاطر سعر الصرف أوضح عبدالمنعم أن ارتفاع سعر الصرف لا يؤثر على البنوك التى تحتفظ بموارد بالعملات الأجنبية، مضيفاً أنه لهذا السبب تحاول البنوك جذب تعاملات المصدرين من أجل توفير النقد الأجنبى للعملاء المستوردين، ومن ناحية أخرى تحقيق ربح من عملية البيع، موضحاً أن البنوك تتحوط ضد تقلبات العملة من خلال عدم كشف مراكزها المالية بالتزامات وتسهيلات كبيرة بالعملات الأجنبية.

أما محمد البيه الخبير المصرفى فأوضح أنه منذ منتصف عام 2021 وحتى بدايات 2022 شهد الاقتصاد العالمى موجة تضخمية تزامناً مع بداية انحسار وباء كورونا، وعودة الحياة الاقتصادية إلى طبيعتها مرة أخرى، والذى أدى إلى حدوث ضغط كبير على الموارد ومستلزمات الانتاج وبالتالى تم ترجمة ذلك إلى ارتفاع فى الأسعار.

وأضاف “البيه” أنه مع بدايات عام 2022 شهد الاقتصاد العالمى موجة ثانية إضافية للتضخم نتيجة لاندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وهما الدولتان اللتان تعتمد مصر على استيراد السلع والحبوب الغذائية منهما بشكل كبير، مضيفاً أنه مع إندلاع الصراع انخفض المعروض الكلى من السلع على مستوى العالم ومع ثبات الطلب تسبب فى حدوث ضغط على المنتجات ما دفع الأسعار إلى الارتفاع.

وفسر أن كل هذه التطورات ومع تصاعد وتيرة التضخم ابتعد المستثمرون الأجانب عن ضخ الأموال فى الدول الناشئة مثل مصر وذلك لاستشعارهم بارتفاع المخاطر الاقتصادية، مشيراً إلى وجود علاقة عكسية بين ارتفاع المخاطر الاقتصادية فى دولة ما ورغبة المستثمرين على إبقاء أموالهم فى هذه الدولة ومن ثم خرجت تلك الأموال من الاقتصاد المحلى باحثة عن ملجأ آمن لاستثماراتها بفائدة مرتفعة.

وقال إن اتباع البنك الفيدرالى الأمريكى سياسة نقدية تشددية «عن طريق رفع أسعار الفائدة» كان كافياً لنزوح الاستثمارات الأجنبية فى أدوات الدين المحلى إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

جدير بالذكر أن الأموال الساخنة الخارجة من مصر فى عام 2022، قدرت بنحو 22 مليار دولار، والتى تسببت فى حدوث نقص شديد فى المعروض النقدى من العملة الأجنبية.

وفى 3 مايو الماضى قرر مجلس الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى رفع أسعار الفائدة 0.25%، لتصل إلى %5.25 وهو أعلى معدل فائدة تصل إليه الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 2006 وذلك من أجل السيطرة على معدلات التضخم.

وفسر البيه أن كل هذه التطورات كانت سبباً رئيسياً فى حدوث تقلبات لأسعارالصرف فى مصر خلال الفترة الماضية، وهو الذى دفع البنك المركزى المصرى لتخفيض قيمة العملة المحلية نحو 3 مرات واتباع سياسة سعر صرف مرن فى أكتوبر 2022، ليعكس الدولار قيمته الحقيقة فى السوق وبالتالى العمل على خفض الاستيراد.

وتابع أن البنوك بدأت – بتوجيهات من البنك المركزى المصرى - فى توسيع نطاق تطبيق العمل بالمشتقات المالية أو ما يسمى بالعقود الآجلة كأداة تحوط ضد تقلبات أسعار الصرف، مشيراً إلى أن هذه الأدوات تعطى نوعاً من الاستقرار فى سعر العملة فى السوق حيث أنها تعمل كمؤشر على السعر المستقبلى.

ومن ناحية أخرى، ذكر أن مع زيادة معدلات التضخم رفع البنك المركزى المصرى سعر الفائدة بنحو %8 خلال عام 2022، و%2 خلال العام الجارى، وذلك من أجل السيطرة على الارتفاع فى الأسعار، مضيفاً أن هدف السياسة النقدية سحب السيولة من السوق لاستثمار المدخرات من القطاع العائلى والأعمال بمعدلات فائدة مرتفعة وفى نفس الوقت تهدأة ضخ الأموال من خلال القروض الممنوحة للعملاء أو الشركات.

وأوضح أن الفائدة على قروض الأفراد تكون ثابتة، أما قروض قطاع الأعمال تكون مرتبطة بسعر الكوريدور للبنك المركزى، وبالتالى ترتفع الفائدة عليها مع زيادة سعر الكوريدور. وأنهى البيه تحليله بالإشارة إلى أن اتباع سياسة التشديد النقدى ترفع أسعار الفائدة على أدوات الدين المحلى بشكل تلقائى وهو الذى يمنح البنوك فرصة للاستفادة من تلك الزيادة باعتبارها مساهم كبير فى سد عجز الموازنة العامة للدولة.