تراجع معدل التضخم الأساسى السنوى لأول مرة منذ اندلاع الصراع الروسى الأوكرانى فى فبراير 2022، حيث هبط بنحو %0.8 من %40.3 فى شهر فبراير، إلى %39.5 فى شهر مارس الماضى.
وأوضح الخبراء الاقتصاديون والمصرفيون فى تصريحات لـ«المال» أن التراجع يمثل مؤشراً إيجابياً لما ستشهده أسعار السلع الفترة المقبلة وذلك بعدما وصل التضخم لأعلى معدلات له على الإطلاق.
واستبعدوا الوصول لمستهدفات البنك المركزى للتضخم والتى تمثل %7 (±2%) خلال العام الحالي، متوقعين تحسناً فى المعدلات بنهاية العام.
وفى البداية فرّق الدكتور أحمد السيد أستاذ الاقتصاد والتمويل بين التضخم السنوى والشهري، فقال إن التضخم ما بين شهرى فبراير ومارس الماضيين قد ارتفع بالفعل بنحو %2.5، لكن التضخم على أساس سنوى مقارنة بشهر مارس 2022، قد تراجع إلى مستوى %39.5 فقط، بدلاً من %40.3 لشهر فبراير 2023.
وأضاف «السيد» أن هذه هى المرة الأولى التى يتراجع فيها التضخم منذ بداية الصرع الروسى الأوكراني، مؤكداً أنه مؤشراً إيجابياً.
وأوضح أنه لا ينبغى أخذ إشارت غير دقيقة مفادها أن التضخم بدأ فى التراجع، مفسراً أن السبب الرئيسى لتراجع التضخم يكمن فيما يسمى بسنة الأساس، أى الشهر الذى يتم المقارنة به فى العام السابق، فكلما كان ذلك الشهر مرتفعاً فى المعدل، فإن المقارنة به ستعطى تصوراً أن التضخم يتراجع، وفى هذه الحالة فإن المقارنة تتم بشهر مارس 2022، وهو أول شهر يبدأ فيه التضخم فى الارتفاع بقوة بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، متابعاً أنه لهذا السبب تبدو الصورة أن الأسعار قد تراجعت وهو أمر غير دقيق على حد وصفه.
وتابع أن الاسعار مازالت مرتفعة بنسبة %39.5 مقارنة بالعام السابق، موضحاً أن البنك المركزى قرر رفع الفائدة بنسبة %2 فى اجتماعه الأخير لتوقعه أن معدلات التضخم ستظل مرتفعة خلال الفترة القادمة، وذلك حسبما أشار «المركزى» فى البيان الصحفى عقب الاجتماع.
وبسؤاله عن مدى تحقيق السياسة النقدية لهدفها فى السيطرة على معدلات التضخم؟ خصوصاً بعد التراجع الأخير فى مارس الماضي، قال الدكتور أحمد السيد إننا نحمل السياسة النقدية أكثر من طاقتها فى الوقت الحالي، مشيراً إلى أن الظروف الاقتصادية المحلية أو العالمية تحتاج إلى حزمة من السياسات وليس فقط إلقاء كل الحمل على السياسات النقدية وحدها.
وأشار إلى أن قرار رفع أسعار الفائدة الأخير قد جاء فى نهاية شهر مارس الماضي، وهو ما يعنى أن ذلك الرفع لم ينعكس على بيانات التضخم الأخيرة، مضيفاً أنه لا يعتقد امكانية النظر لمعدلات تضخم شهر أبريل وحدها لقياس مدى تأثير السياسة النقدية، مؤكداً أن التضخم الأساسى فى كل العالم «عنيد» بدرجة كبيرة أى يحتاج إلى مزيد من الوقت للتراجع.
يذكر أن لجنة السياسة النقديـة فى البنك المركزى المصرى قررت فى اجتماعها الأخير 30 مارس 2023، رفع أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزى بواقع 200 نقطة أساس (%2) ليصل إلى %18.25، %19.25 و%18.75 على الترتيب، كما تم رفع الائتمان والخصم بواقع 200 نقطة أساس ليصل إلى %18.75.
ارتفعت معدلات التضخم بشكل كبير فى الفترة الأخيرة، وبالتحديد بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية فى آخر شهر فبراير 2022، وما خلفته من آثار اقتصادية ألقت بظلالها على معظم دول العالم، حيث اضطربت سلاسل الإمداد، وانخفض المعروض الكلى من البترول والسلع والذى دفع الأسعار للارتفاع، وجعل البنك الفيدرالى الأمريكى يتبع سياسة نقدية تشددية عن طريق رفع أسعار الفائدة، كل ذلك أدى إلى تخارج الأموال الساخنة من الاقتصاد المحلي، والتى قدرت بنحو 22 مليار دولار والذى تسبب فى حدوث فجوة فى المعروض النقدى من العملة الأجنبية.
وخلال العام الماضى والربع الأول من 2023، ارتفع التضخم الأساسى بشكل متواتر، حيث ارتفع من إلى %10 لشهر مارس 2022، واستمر فى الصعود ليسجل %11.9 لشهر أبريل، %13.3 مايو، 14.65 يونيو، %15.6 يوليو، %16.7 أغسطس، %18 سبتمبر، %19 أكتوبر، %21.5 نوفمبر، %24.5 ديسمبر، %31.2 يناير، %40.3 فبراير، وأخيراً %39.5 لشهر مارس 2023.
وأختلف الدكتور أحمد السيد مع توقع استجابة التضخم بوضعه الحالى لأدوات السياسة النقدية التقليدية مثل أسعار الفائدة، حيث يرى أن القطاع الحقيقى عليه دور أكبر فى التأثير على التضخم، وخاصة من خلال سعر الصرف الذى يلعب دوراً كبيراً فى تسارع معدلات الارتفاع فى الأسعار.
وتوقع الدكتور أحمد السيد الوصول لمستهدفات التضخم %7، ±2% فى نهاية 2024، لافتاً أن الطريق مازال طويلاً للوصول لذلك الهدف، لكنه سيتحقق تدريجياً، فى حالة عدم حدوث أى اختلالات داخلية أو خارجية جديدة تؤثر على معدلات الارتفاع فى الأسعار.
ولفت إلى أن العامل الأهم فى محاربة التضخم فى حالتنا ليس تقليل مستويات السيولة، لكن الأهم هو السيطرة على سعر الصرف، فتحقيق الاستقرار فى سعر الصرف سيساعد على استقرار مستويات الأسعار بشكل كبير، وهو ما يدعم من جهود السياسة النقدية فى السيطرة على التضخم، وبالتالى هذا هو التحدى الأهم فى الفترة القادمة للاقتصاد المصري.
ومن جانبه يرى الدكتور مدحت نافع الخبير الاقتصادى وأستاذ التمويل إن التراجع النسبى فى معدلات التضخم لا يمكن التعويل عليه باعتباره تراجعاً حقيقياً فى منحنى التضخم، معبراً أن الانخفاض مازال محدوداً للغاية فى معدلات التضخم الأساسي، لكن هناك ارتفاع فى التضخم العام من %31.9 لشهر فبراير إلى %32.66 لشهر مارس، مضيفاً أن معدلات التضخم فى مجموعات سلعية بعينها أصبح مقلقاً، مثل بعض الأغذية والمشروبات التى يرتفع فيها التضخم عن %60.
ولفت مدحت نافع إلى أن هناك أسباب موسمية تؤدى إلى حدوث انخفاض فى معدلات التضخم فى شهر معين عن آخر، مشيراً إلى أننا لابد أن ننتظر حتى يحدث انخفاض معنوى أو مستدام، مشيراً إلى أن الانخفاض الحادث فى وتيرة التضخم فى الولايات المتحدة الأمريكية لم يدفع إلى وقف التشديد النقدي.
وبسؤاله عن بدء السياسة النقدية فى تحقيق هدفها المنشود، أوضح «نافع» أننا لابد أن ننتظر حتى تتضح الأمور أكثر من ذلك، خاصة وأن هناك تركة كبيرة خلال الفترة من 2015 إلى 2021 أحدثت عدد من التغيرات فى ميزانية البنك المركزى نفسه وأدواته، والتى من خلالها يستطيع تحقيق الاستقرار فى الجهاز المصرفي، ومستهدفات السياسة النقدية وفى مقدمتها استقرار الأسعار.
وأضاف أن استقرار الأسعار مرهون بتحديات كبرى، منها تحدى سعر الصرف على وجه الخصوص وكذلك الالتزامات المرتبطة بالعجز الخارجي.
وأكد أننا مازلنا بعيد عن مستهدفات البنك المركزى للتضخم %7 (±2%)، لافتاً أنها مستهدفات غير واقعية، وهى لم تتحق من قبل سوى مرة واحدة أو مرتين، مضيفاً أننا لذلك لا نستطيع أن نُجِزم أن تلك المستهدفات تحققت فى فترة سابقة بشكل نطمأن إليه، متوقعاً مراجعة البنك المركزى لمستهدفات التضخم خلال الفترة المقبلة، فى ضوء متغيرات كثيرة من ضمنها المتغيرات العالمية، كأسعار الطاقة فى ضوء تخفيض الانتاج من قبل OPEC+، وكذلك انتهاء فصل الشتاء، لافتاً أنه يوجد إشارات ملتبسة فيما يخص أسعار الطاقة الفترة المقبلة.
وتوقع الدكتور مدحت نافع أن أسعار النفط ومشتقاته قد تتجه للانخفاض فى عام 2024، مقارنة بعام 2023، وبالتالى من الممكن أن نشهد انخفاضاً تدريجياً فى معدلات التضخم، ولكنه أمر مشروط بعدم تفاقم أزمة سعر الصرف، موضحاً أن ما يتم تمريره من أزمة سعر الصرف الأجنبى وفاتورة الاستيراد إلى معدلات التضخم كبير للغاية، بالإضافة إلى سداد الالتزامات الخارجية والتى تنعكس على الدين العام، والذى يُمول فى بعض الأحيان بضغوط تضخمية إذا تم اللجوء لطباعة البنكنوت.
واختتم كلمته بأن هناك العديد من المتغيرات التى لابد من أخذها فى الاعتبار حتى نصل إلى توقعات مطمئنة لمعدلات التضخم المقبلة، والتى ستكون بعيدة عن المستهدفات الموجودة حالياً.
وفى السياق ذاته قال محمد عبدالمنعم الخبير المصرفى إن التضخم بشكل عام له سببيين رئيسيين، إما تضخم ناتج عن جانب العرض، وهو يأتى نتيجة زيادة أسعار المكون الأجنبى وبالتالى زيادة أسعار السلع المستوردة، وهو السبب الذى لايزال موجود حتى الآن.
وأضاف «عبدالمنعم» أن السبب الثانى الذى يؤدى لارتفاع معدلات التضخم يكون ناتجا عن جانب الطلب، وزيادة المعروض النقدى وهو مايستهدفه البنك المركزي، مؤكداً أنه حتى الآن تستخدم السياسة النقدية الأدوات المتاحة لديها لمحاربة التضخم بشكل فعَّال.
وتوقع حدوث تحسن بشكل كبير فى معدلات التضخم مع نهاية العام الجارى وخصوصاً بعد استقرار أسعار الصرف، متوقعاً الوصول إلى مستهدفات البنك المركزى للتضخم %7 (±2%) خلال العام المقبل 2024.
وقال محمد البيه الخبير المصرفى إن السبب الرئيسى وراء انخفاض معدل التضخم الأساسى لشهر مارس يكمن فى ثلاث ركائز أساسية، أولها ترشيد الاستهلاك من قبل المواطنين مع الارتفاع الشديد الذى شهدته أسعار السلع، وهو ما يدفع لزيادة الكمية المعروضة من السلع عن الكمية المطلوبة، وبالتالى وقف وتيرة الارتفاع فى الأسعار.
وأضاف «البيه» أن الركيزة الثانية تكمن فى سياسة التشديد النقدى الذى تبناها البنك المركزى والتى بدأت تؤتى ثمارها على السوق حيث دفعت إلى خفض المعروض النقدى من العملة المحلية، ومن ثم انعكس ذلك على خفض الإقبال على الشراء، ومن ثم خفض معدلات الاستهلاك.
وتابع أن الركيزة الثالثة تتمثل فى سعر الصرف الأجنبي، أو من ناحية أخرى توفير النقد الأجنبى حتى لا يحدث تكالب عليه، ومن ثم يدفع إلى ارتفاع سعره مقابل الجنيه، متابعاً أن الحكومة بدأت بالفعل فى حل تلك الأزمة من خلال عرض حصص الملكية العامة من الشركات للبيع لجذب الاستثمارات الأجنبية ومن ثم توفير الدولار، وكذلك دخول المستثمرين الأجانب للاستثمار فى أدوات الدين الحكومية، وهو الذى يعمل على زيادة المعروض النقدى الأجنبى بشكل واضح.
وحث محمد البيه على التركيز خلال الفترة المقبلة على القطاعات التى تساعد فى دخول مصادر النقد الأجنبى بشكل سريع، كالتركيز على قطاع السياحة، وكذلك العمل على منح حوافز للمصدرين كالإعفاءات الضريبية والجمركية، وهو ما يسهم فى زيادة التصدير ومزيد من دخول النقد الأجنبي، موضحاً أنه طالما يوجد عجز فى ميزان المدفوعات سيكون هناك عجزا فى العملة الأجنبية.
وأفاد أن الوصول لمستهدفات البنك المركزى للتضخم يتطلب تكامل كافة أجهزة الدولة خاصة الأزرع الاقتصادية لها، وكذلك استمرار البنك المركزى فى سياسته – التشديد النقدي، بالإضافة إلى تقديم حوافز مرتفعة للاستثمار فى العملة المحلية متوقعاً الوصول لمستهدف البنك المركزى للتضخم فى أواخر عام 2024.
