ما زال الجنيه المصرى يشهد استقرارا أمام الدولار منذ 8 مارس الماضى، أى ما يقرب من شهر وربع، رغم ما يتردد عن احتمالات انخفاضه، والتى تجددت بعد التقارير الصادرة عن بعض شركات ووكالات التصنيف الائتمانى، والتى تذهب إلى اتجاه الخفض والتعويم الرابع على حد وصفهم.
وتساءل الخبراء عن سبب إصدار تقارير وكالات وشركات التصنيف الائتمانى، فى ذلك الوقت، دون معرفة الأسباب الأساسية، مشيرين إلى أن تبعات تغيير النظرة المستقبلية للاقتصاد المصرى من "مستقر" إلى "سلبي" لوكالة "ستاندرد آند بورز" تنعكس على زيادة تكلفة الأموال المقترضة من الخارج، من قبل المقرضين مشتريى سندات مصر بالعملة الأجنبية.
وفى 21 أبريل الماضى، أعلنت وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتمانى، عن تحديث نظرتها المستقبلية للاقتصاد المصرى إلى "سلبية" مع تثبيت التصنيف الائتمانى عند " B"
وهو ما يعنى استعداد الوكالة لخفض التصنيف الائتمانى لمصر خلال الشهور المقبلة، ويقيم التصنيف الائتمانى لأى دولة جدارتها؛ للحصول على القروض، واحتمالات التخلف عن السداد، وخفضه يؤدى إلى زيادة صعوبة الاقتراض وارتفاع الفائدة على الديون.
وتوقعت أن يصل انخفاض قيمة الجنيه المصرى إلى حوالى %53 بنهاية السنة المالية الحالية حتى 30 يونيو 2023 مقارنةً مع سعر الصرف قبل 12 شهرا.
محمد عبد العال: «المركزى» يعتمد سياسة سعر صرف أكثر مرونة
من جانبه، استبعد محمد عبد العال، الخبير المصرفى، حدوث تعويم وتخفيض للعملة المحلية، التى وردت فى تقرير "ستاندرد آند بورز" مشيرا إلى أنه تم بالفعل، فى 3 ديسمبر 2016 وكل ما تم بعد ذلك من إجراءات تعلق بتخفيض رسمى لسعر الجنيه وليس تعويما.
وقال إن التقرير يحمل فى طياته علامات إيجابية، بدليل ذكرهم لنقاط إيجابية، وأخرى سلبية نأخذها فى عين الاعتبار، مشيرا إلى أن وجهة نظره أن شركات التصنيف الائتمانى المتتالية، وبعض المنصات، بإصدارهم تقارير تنص على وجوب تخفيض الجنيه المصرى أمام الدولار قريبا، تحت اسم التعويم الرابع ضاغطة .
وأشار إلى أننا نعتمد سياسة سعر صرف مرنة، تعتمد على ظروف العرض والطلب، مؤكدا أن التساؤلات بشأن استقراره لفترة، لا يعنى أنه موجه وإنما يعكس حالة توازن، نظرا لأن الإدارة المالية مسيطرة على الاستيراد تماما، وبالتالى لا يوجد طلب كبير على الدولار، والقائم على فتح الاعتمادات المستندية، وإخراج السلع من الجمارك، من سلع إستراتيجية وضرورية متاح ومباح.
ومنذ 20 مارس 2022 حتى الآن ارتفع سعر الدولار بأكثر من %96 مقابل الجنيه فى سعر الجنيه والذى مر بثلاث محطات فى شهرى مارس وأكتوبر من العام الماضى، ويناير 2023 ليقترب سعر الدولار من 31 جنيها حاليا فى البنوك المصرية.
وبدأت رحلة صعود سعر الدولار خلال هذا العام من نقطة انطلاق 15 جنيهًا وظل مراوحا مكانه إلى مارس 2022؛ حيث كسر حاجز الـ 18 جنيها، ليسجل 18.28 جنيه للبيع، و18.15 للشراء.
ومع نهاية يوليو سجلت العملة الخضراء رقمًا قياسيًا جديدًا وتخطت حاجز الـ 19 جنيهًا، ومع حلول يوم 27 أكتوبر 2022 قفزت إلى 22.99 جنيه للبيع و22.85 للشراء.
وظل سعر الدولار خلال الفترة من نهاية أكتوبر 2022 وحتى 3 يناير 2023 دون الـ 25 جنيهًا، بيد أنه قفز مع بداية 4 يناير الماضى ليسجل جولة ارتفاعات جديدة انتهت إلى تخطيه حاجز الـ 27 نهاية تعاملات يوم 5 يناير 2023.
وأشار تقرير وكالة "ستاندرد آند بورز" إلى أنه يوجد حاليًا حركة يومية محدودة فى سعر الصرف الرسمى، وأرجعت ذلك إلى محدودية الطلب، فى ظل أن السوق تتردد فى طلب العملات الأجنبية فى وقت تداول شائعات حول مزيد من التخفيض.
وأوضح أن وزير المالية محمد معيط سبق أن صرح بأنه تم الإفراج الجمركى عن سلع وبضائع ومنتجات مستوردة بمختلف الموانئ والمنافذ الجمركية فى أنحاء الجمهورية بقيمة 23 مليار دولار، فى أقل من 3 أشهر، مما يعنى أن المتوسط الشهرى أكثر من المعتاد سنويا فى الظروف العادية، لذا فالطلب والعرض متوازن بشكل محدود.
وذكر أن السوق الموازية لا تمثل معيارا أو تتحكم فى إدارة سعر الصرف، مشيرا إلى أن السعر فيها محمل بعوامل مضاربة، وتحمل مخاطر فى المستقبل، وشيء من التضليل للناس.
وأكد بشكل قاطع أن السعرمرن وليس موجها أو مدارا، وإدارة تقلبات سعر الصرف فى حالة هدنة.
واتبع البنك المركزى سياسة سعر صرف مرن فى اجتماع استثنائى عقده يوم 27 أكتوبر الماضى للتوافق مع شروط صندوق النقد الدولى لمنح مصرقرض بقيمة 3 مليارات دولار على مدار 4 سنوات، لتبدأ مصر برنامج إصلاح اقتصادى جديد.
ويشهد سعر الصرف الرسمى تقلبات عدة، منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية فى 24 فبراير 2022 خاصة بعد اتخاذ البنك المركزى المصرى قرار اتباع سياسة سعر الصرف المرن فى أكتوبر الماضى .
وأفاد "عبد العال" بأن استقرار سعر الصرف لفترة، سوف يمهد لتنسيق برنامج الطروحات الحكومية، والعوامل المتسببة فى تأخير التنفيذ، تعود إلى أن شهية المستثمر ضعيفة ومترددة ليس فى مصر فقط بل على مستوى العالم، مشيرا إلى أنه يستغرق العديد من الإجراءات بعد دراسة المشروع وعمل الفحص النافى للجهالة الذى يستغرق ما يقرب من 3 شهور، بالإضافة إلى تحكم العوامل الخارجية مثل ما حدث من أزمة عالمية مصرفية.
عمرو الألفى:خطوة لن تجدي دون ضخ استثمارات أو سيولة أجنبية
ويعتقد عمرو الألفى، رئيس قطاع البحوث ببرايم للأوراق المالية أن تقرير"ستاندرد آند بورز" دعاية سلبية للاقتصاد المصرى فى عيون المستثمرين الأجانب، مشيرا إلى أن توقيت إصدار مثل هذه التقارير هو ما يثير التساؤلات حول الأسباب الأساسية لها.
وأفاد بأنه لا يستطيع أحد التنبؤ بخفض الجنيه أمام الدولار، مشيرا إلى أنه يعتبر ذلك القرار فى الوقت الحالى دون ضخ استثمارات أو سيولة عملة أجنبية لن يجدى وحده.
واستبعد انخفاض الاحتياطى الأجنبى، لافتا إلى أنه يعتمد على تدفق الاستثمارات الأجنبية خلال الفترة المقبلة، إذا كانت استثمارات فى الدين المحلى أم استثمارات أجنبية مباشرة وغير مباشرة من خلال البورصة المصرية.
وبسؤاله عن فرضية أخذ التقرير لبرنامج الطروحات الحكومية بعين الاعتبار، قال: "لا أعتقد لأنه حدد عامل الطروحات كأحد العوامل التى قد تدفعه لتحسين النظرة المستقبلية".
وقال هانى أبو الفتوح، الخبير المصرفى، إن تبعات تغيير النظرة المستقبلية للاقتصاد المصرى من "مستقر" إلى "سلبي" لوكالة ستاندرد آند بورز، تنصب على زيادة تكلفة الأموال المقترضة من الخارج، من قبل المقرضين مشتريى سندات مصر بالعملة الأجنبية.
وأضاف أن زيادة تكلفة الأموال المقترضة تضع عبئا على الموازنة العامة للدولة، وعلى خدمة الدين.
وتابع إن تخفيض النظرة المستقبلية للاقتصاد المصرى يرفع تكلفة علاوة المخاطر على السندات، والتى وصلت مؤخرا إلى 1528 نقطة، وهو أعلى من السندات الأمريكية.
وتوقع أن يحدث تخفيض فى قيمة العملة المحلية خلال الفترة المقبلة، دون تحديد نسبة معينة للانخفاض.
وبسؤاله عن أخذ تقرير "ستاندرد آند بورز" الطروحات الحكومية فى الاعتبار، وذلك لتوقع مساهمتها فى دخول تدفقات دولارية، قال "أبو الفتوح" إن عمليات الطرح متوقفة فى الفترة الحالية، نظرا لانتظار المستثمرين أن يعكس الدولار قيمته الحقيقية مقابل الجنيه، أى حدوث تخفيض آخر فى قيمة العملة المحلية، مضيفا أن الوكالة خفضت نظرتها المستقبلية للاقتصاد المصرى لعدم دخول تدفقات دولارية فى الوقت الحالى، بالإضافة إلى الالتزامات المالية الكبيرة على مصر والمفترض سدادها خلال العام الحالى، وبالتالى رجحت احتمالية وجود صعوبة فى سداد تلك المديونيات.
