سوق المشروعات الصغيرة والمتوسطة بين آمال التطوير وبقاء الوضع دون تغيير

تباينت آراء خبراء سوق المال حول أداء بورصة النيل وماهية المشاكل التى تواجهها، إذ يرى البعض أن الخلل ينبع من داخل الشركات ذاتها التى تُعانى هياكلها الادارية

Ad

تباينت آراء خبراء سوق المال حول أداء بورصة النيل وماهية المشاكل التى تواجهها، إذ يرى البعض أن الخلل ينبع من داخل الشركات ذاتها التى تُعانى هياكلها الادارية العديد من نقاط الضعف، إلى جانب بطء إيقاعها وعدم تماشيها مع سرعة حركة البورصة أو حتى الأحداث الاقتصادية المحيطة.

وأضافوا أن مواطن الضعف والخلل فى البورصة ذاتها، إذ أن إجراءاتها تتسم بالتعقيد، إلى جانب غياب الترويج والوعى الكافى بها، كما أن الشركات المقيدة بها لم تحقق استفادة منها، فى حين يرى البعض أن الأزمة فى البورصة المصرية بشكل عام، والتى تمر بسنوات صعبة مليئة بالتحديات، وتعانى من انخفاض قيم التداولات وغياب الطروحات الجديدة.

بينما أجمع الخبراء على عاملين رئيسيين يجب وضعهم فى الاعتبار لمعالجة ما يواجه بورصة المشروعات الصغيرة والمتوسطة من مشاكل، وهما تشجيع دخول بضاعة جديدة للسوق ذات طلب عالى، إلى جانب التركيز على الأداة الإعلامية والترويج للبورصة بشكل عام ولهذه الشركات، للفت الانتباه إليها وزيادة الوعى بوجودها وأهميتها.

الجدير بالذكر أن البورصة المصرية أسست فى 2007 أول سوق للشركات الصغيرة والمتوسطة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بما يوفر فرصة لحصول الشركات على التمويل المناسب بما يسمح برفع قدرتهم التنافسية والتوسع والنمو، وقد بدأ التداول الفعلى من خلال تلك المنصة فى 2010 بعد الانتهاء من قواعد القيد والافصاح والبنية التكنولوجية اللازمة وإنشاء سجل الرعاة لتوفير الدعم الفنى للشركات الصغيرة والمتوسطة.

وقد قامت البورصة المصرية مؤخرًا بتنفيذ خطة هيكلة شاملة حيث تم تصنيف الشركات الصغيرة والمتوسطة الى قائمتين الأولى وهى تميز التى تضم نحو 8 شركات مقيدة، اما الثانية فهى قائمة النيل المكونة من 10 شركات مدرجة.

ياسر عمارة: إنشاء شركات سمسرة متخصصة أحد الحلول

من جانبه قال ياسر عمارة رئيس مجلس إدارة شركة إيجل للاستشارات المالية إن بورصة النيل لم تلق حتى الآن الاهتمام الكافى على مختلف المستويات،مضيفًا أن الشركات المقيدة لم تستفد من تواجدها بأى شكل، لذا فنتائج أعمال هذه الشركات حتى وإن حققت أرباحا نظريًا فهى نتائج غير معبرة عن أدائها، أو حتى أداء البورصة.

وتابع أن الوضع العام الخاص ببورصة النيل يتسم بالسلبية، موضحًا أن الشركات المقيدة بها لا تغطى سوى جزء طفيف من قطاعات السوق، إذ أن معظمها مركزا فى قطاعات محدودة مثل اللوجيسيتيات، والسياحة، والصناعة.

وأشار رئيس مجلس إدارة شركة إيجل للاستشارات المالية، إلى أن برنامج إعادة الهيكلة الذى تم تنفيذه بالتعاون بين كل من البورصة المصرية والبنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية والذى كان يهدف لحل المشاكل التى تواجه هذه الشركات ومساعدتها على تنشيط التداول على أسهمها كان يعانى من بعض مواطن الخلل وكانت نتيجة فشله واضحة، وبالفعل جاءت النتائج سلبية جدًا ولم يتم تحقيق أية نتائج.

يُذكر أن الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء، قد افتتح جلسة تداولات البورصة المصرية فى 23 يونيو 021، بمناسبة الإعلان عن بدء تنفيذ خطة تطوير سوق المشروعات الصغيرة والمتوسطة «بورصة النيل»، وقد تم الكشف عن تفاصيل مشروع تطوير سوق المشروعات الصغيرة والمتوسطة «بورصة النيل»، سواء تلك المتعلقة بالضوابط المنظمة لتعاقد الشركات المقيدة مع الرعاة المعتمدين، أو تفاصيل مؤشر تميز الجديد ونتائج تدريب وتنقيح جدول الرعاة.

يُذكر أن «المال» قد انفردت بتفاصيل خطة تطوير سوق المشروعات الصغيرة والمتوسطة «النيل» فى شهر نوفمبر 2020 الماضى، والتى أعدتها إدارة البورصة المصرية بالتعاون مع البنك الأوروبى لإعادة الإعمار EBRD، تتضمن إنشاء قائمة جديدة بالشركات المقيدة المميزة، وتحمل إسم «تميز».

وأوضح عمارة أن بورصة الشركات الصغيرة والمتوسطة تواجه عدة مشاكل، أولها على الإطلاق عدم وجود الوعى والترويج الكافى لها وللشركات المدرجة، إلى جانب أن المعايير والقواعد التى وضعتها البورصة لقيد وطرح شركات جديدة معقدة وغير متوافرة لدى الأغلبية.

وأضاف أن الفترة المقبلة لن تشهد طروحات جديدة إذا ظل الوضع كما هو عليه، مستدركًا بإنه تم قيد أكثر من 10 شركات خلال الستة أشهر الماضية، ولكن المشكلة كلها فى إجراءات الطرح الطويلة والمعقدة، والتى غالبًا ما تفشل ويتم شطبها.

ويرى عمارة أن هناك عدة حلول وخطوات يمكن اتباعها حسب رؤيته لإعادة إحياء بورصة النيل، لتصبح أكثر فاعلية وكفاءة ومنها تشجيع دخول بضاعة جديدة – أسهم شركات صغيرة ومتوسطة – فى قطاعات متعددة بشروط ميسرة، ووضع استراتيجية متوسطة الأجل لمدة ثلاث سنوات لتنمية البورصة، على أن يكون محورها الأساسى دعم العوامل المؤثرة على العرض والطلب للسوق.

وأكمل عمارة رؤيته لعلاج المشاكل التى تواجه بورصة النيل، مقترحًا إنشاء شركات سمسرة متخصصة للتعامل فقط فى تداولات بورصة الشركات الصغيرة والمتوسطة دون غيرها، والبحث عن بديل لمراقب الحسابات المقيد بالهيئة، لأنه غالبًا ما يرفض التعامل معهم وتكلفته أيضًا مرتفعة.

وأضاف أن هناك عاملا آخر يجب التركيز عليه ووضعه فى الإعتبار وهو شركات التغطية والترويج الحاصلة على ترخيص من الهيئة، إذ أن هذه الشركات ليس لديها المعرفة الكافية عن بورصة النيل والطروحات التى تتم بها، لذا يجب وضع قواعد وشروط تلزمهم بترويج وتغطية ما لا يقل عن %25 من نشاطهم فى بورصة الشركات الصغيرة والمتوسطة.

وتابع عمارة أنه حتى نتمكن من جذب صغار المستثمرين لبورصة النيل يجب أن يكون السوق أولاً جاذبا لكبار المستثمرين، والذين فى حالة تواجدهم بحصص كبيرة سيصبح ذلك بمثابة رسالة طمأنة ، موضحًا إنه يمكن علاج ذلك من خلال تخصيص %75 من الطرح لمستثمر بنكى أو صناديق استثمار أو ذات الملاءة المالية المرتفعة، و%25 طرح عام للمستثمرين الأفراد.

سيف عوني:غياب الحوكمة والانضباط المؤسسى تحديات كبيرة

و قال سيف عونى المؤسس ونائب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة ايليت للاستشارات المالية إن أغلبية المشاكل التى تواجه الشركات المقيدة فى بورصة النيل هى مشاكل هيكلية تنبع من داخلها، وإن كانت هناك تأثيرات للسوق متابعًا أنها تعانى عدة مشاكل وتحديات صعبة، ولكن المشكلة الأكبر تتمثل فى الشركات ذاتها.

وأشار عونى إلى أنه حتى فى حالة تحسن الاقتصاد على المستوى المحلى والعالمى لن تتمكن أغلبية هذه الشركات من تخطى الأزمة وتحقيق الانتعاش، نظرًا لأنها لا تمتلك القوة الكافية التى تمكنها من تجاوز الأزمات التى تواجهها سريعا.

وأوضح عونى أن المشاكل التى تواجه شركات بورصة النيل وفقا لرؤيته تتمثل فى غياب الحوكمة والانضباط المؤسسى، وعدم وجود خطة أعمال طويلة الأجل، أو حتى استراتيجية واضحة، إلى جانب أن طريقة التعامل مع مستثمريها تعد غير مهنية إلى حدٍ ما، وذلك نظرًا لغياب وظيفة علاقات المستثمرين بهذه الشركات بنسبة كبيرة.

وعرض عونى المشكلات التى تمثل العائق الأكبرأمام الشركات ومنها غياب الفكر التشاركى لدى أصحاب الحصص الأكبر، مما يقف حائلا دون وجود قاعدة رأسمالية كبيرة، أو هيكل مؤسسى يتسم بوجود عدد كبير من المساهمين، هذا إلى جانب عدم وجود خطط عمل واضحة لمجلس الإدارة.

وأضاف عونى أن حل هذه المشكلات يجب أن ينبع من داخل الشركات ذاتها، بدايًة من المساهمين، مرورًا بمجلس الإدارة، ووصولاً للإدارات التنفيذية ،موضحا أن غير ذلك يعد حلول وقتية غير مستدامة،ولا تساهم فى التغيير وليست إلا حلقة مفرغة لا تنتهي.

وأشار إلى أن العامل الأهم ليس تحقيق الشركة لخسائر أو أرباح، أنما الأساس هنا هو قدرة الشركات المحققة لأرباح على طمأنة المتعاملين معها بمختلف أنواعهم من مساهمين حاليين أو مرتقبين، وشركات سمسرة،و للسوق ذاته على تمكنها من الحفاظ على الأداء الرابح والاتجاه للتوسع.

وتابع : الأمر ذاته فيما يخص الشركات التى حققت خسائر، فالأهم هو مدى توقعها لهذه الخسائر، وهل لديها المبررات الكافية لذلك؟ وما هى الإجراءات التى سيتم اتخاذها للتحول للربحية، وأيضًا خطط الأعمال التى تحول دون تحقيق الخسائر مستقبلاً.

وأوضح أن عملية إعادة الهيكلة التى تمت لشركات بورصة النيل كان تأثيرها وقتيا، نظرًا لأن ايقاع الشركات لم يكن متزامنا مع ديناميكية العمل داخل البورصة، والتى كانت بحاجة لوقت أطول للتأقلم، لذا كانت حركة البورصة أسرع منهم، الأمر الذى حد من تأثيرات العملية بأكملها.

وفيما يخص مشاكل سوق الشركات الصغيرة والمتوسطة ذاته أكد عونى أن بورصة النيل تعانى من عدم العمق، وانخفاض عدد الشركات المقيدة ، وأيضًا غياب عنصر الجذب سواء على مستوى المستثمرين أو الطروحات الجديدة، إلى جانب التجارب السيئة المحيطة بالمتعاملين فيه، الأمر الذى خلق حالة من القلق والسمعة غير الجيدة تلازم هذا السوق.

وأشار إلى أن مسألة جذب مستثمرين جدد لسوق الشركات الصغيرة والمتوسطة فى الفتره الحالية صعبة، ولكنها ليست مستحيلة، إذ أن التجارب السابقة الغير موفقة فى هذا السوق تمثل عائقا، لذا فالأمر يحتاج المزيد من الوقت لجذب ثقة المستثمرين فى هذا السوق من جديد، وتغيير النظرة السلبية المسيطرة على المشهد.

ويرى أن هناك حلولا عدة يمكن أن تساهم فى جعل بورصة النيل أكثر كفاءة وفاعلية، مستدركًا أنه يجب على طرفى القضية التحرك سويًا لمواجهة التحديات التى تواجههم، وأن يكون هناك تعاونا وإجراءات مشتركة بين كل من البورصة والشركات.

وعرض عونى هذه الخطوات والمتمثلة فى تشجيع الشركات على القيد فى بورصة النيل لطرح بضاعة جديدة فى السوق، وإعادة النظر فى بعض حالات القيد، والتركيز على الأداة الإعلامية والترويج بشكل أكبر لبورصة الشركات الصغيرة والمتوسطة، والتى يمكن أن يكون لها دور كبير فى جذب مستثمرين جدد لم يسبق لهم التعامل ، والذين يمثلون جانب الطلب، بل وأيضًا جذب شركات جديدة تمثل جانب العرض.

ايهاب رشاد: توجد العديد من الفرص لجذب استثمارات خليجية وأجنبية ولكن بشروط

وفى السياق ذاته، قال إيهاب رشاد، نائب رئيس مجلس إدارة شركة «مباشر كابيتال هولدنج» للاستثمارات المالية، إن شركات بورصة النيل تتأثر بشكل كبير بمختلف الأحداث الاقتصادية المحيطة بها، إذ أنها أكثر عرضة من غيرها للتقلبات لصغر حجمها وضعف إمكانياتها.

وأضاف رشاد أن الأحداث المتتابعة والمشاكل التى عانى منها الاقتصاد الفترة الماضية، مع تحرير سعر الصرف، وارتفاع الأسعار، والتضخم، كان لها أثر كبير على الشركات الصغيرة والمتوسطة المقيدة فى بورصة النيل، وشكلت تحديات انعكست على أداء الأغلب منها، مؤكدا أن هذه الظروف خارجة عن إرادة هذه الشركات.

وأوضح رشاد أن أحد العوامل الرئيسية التى تجعل هذه الشركات عرضة لتقلبات السوق هو الكفاءة المنخفضة لدورة التشغيل الخاصة بها، مما يحد من قدرتها على مقاومة التحديات التى تواجهها.

وأشار رشاد إلى أن قيمة التداولات منخفضة بشكل عام فى البورصة المصرية وليست النيل فقط، متابعًا أن هناك هبوطا كبيرا لمستويات وقيم التداول خلال العشر سنوات الماضية.

وأضاف أن الفترة الماضية مثلت سنوات عجاف للبورصة المصرية بشكل عام، إذ أن الساحة خلت من دخول شركات جديدة إلا من بعض الطروحات البسيطة مثل «إى فاينانس»، ولم تكن الصورة العامة جاذبة للمستثمرين أو الشركات للدخول للسوق، والأمر ذاته ينطبق على بورصة النيل.

وتابع رشاد أن إعادة الهيكلة التى تم إجرائها على الشركات الصغيرة والمتوسطة المقيدة ببورصة النيل لم يكن لها تأثير واضح، موضحًا أنه لم يكن هناك تطبيق فعلى على أرض الواقع للخطة الموضوعة.

ويرى أنه من الممكن جذب مستثمرين جدد لبورصة الشركات الصغيرة والمتوسطة من خلال طرح شركات ذات أفكار جديدة تعتمد على التكنولوجيا،أو تقوم بتقديم منتجات ذات مستويات طلب عالية، مشيرًا إلى أنه فى هذه الحالة سيكون هناك إقبالا كبيرا من المستثمرين لدخول السوق.

ووفقا لرؤيته يمكن علاج المشكلات التى تواجه بورصة النيل من خلال التركيز على جانبين هامين، أولهما: إدخال بضاعة جديدة ذات طلب عالى فى السوق، إلى جانب تسليط الضوء عليها من الناحية الإعلامية، وأيضًا استغلال وسائل التواصل الاجتماعى فى ذلك.

وأشار إلى أن بورصة النيل من الممكن أن تتلقى استثمارات من صناديق خليجية أو أجنبية، فى حالة وجود مجال جاذب للمستثمرين الذين دائمًا يبحثون عن الفرص، موضحًا أن السوق المصرية تمثل فرصة واعدة خاصة بعد تعويم الجنيه، والأمر ذاته ينطبق على سوق الشركات الصغيرة والمتوسطة.