انتشرت العديد من التكهنات خلال الساعات التى سبقت قرار لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزى بشأن سعر الفائدة الخميس الماضى، عن توقعات بخفض جديد فى سعر صرف الجنيه أمام الدولار، تزامنا مع رفع أسعار الفائدة، على الرغم من أن إجراء رفع الفائدة على العملة المحلية هو فى الأساس إجراء يهدف لتقوية العملة وزيادة جاذبيتها أمام نظيرتها الأجنبية.
وأكد خبراء مصرفيون أنه لا توجد علاقة شرطية بين رفع الفائدة وخفض الجنيه، وإنما تؤدى الأولى - والتى تعد واحدة من محددات قيمة العملة المحلية- لاستقرار الجنيه، حيث ترفع البنوك المركزية الفائدة؛ بهدف الحفاظ على قيمة العملة وليس خفضها.
وكانت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزى قد أقرت زيادة فى أسعار الفائدة على الجنيه بواقع 200 نقطة أساس الخميس الماضى.
وأكد الدكتور عز الدين حسانين، الخبير المصرفى، أنه لا توجد علاقة بين خفض سعر صرف الجنيه، ورفع الفائدة، مشيرا إلى أن الاعتقاد الخاطئ لدى بعض الناس فى الربط بينهما، يعود إلى اعتياد البنك المركزى فى بعض الأحيان أن يتزامن إجراء رفع الفائدة مع تراجع لسعر الجنيه أمام باقى العملات.
ومنذ نوفمبر 2016 أجرت السلطات النقدية 4 تخفيضات كبيرة فى سعر صرف الجنيه أمام الدولار، بالتزامن مع برنامج للإصلاح الاقتصادى ، وفى كل مرة كان يصاحب إجراء الخفض زيادات فى أسعار الفائدة على الجنيه ، لحماية أموال المودعين بالبنوك.
غير أن البنك المركزى دائما ما يعلن عن قرارات استثنائية برفع أسعار العائد على الجنيه، بعد إجراء خفض سعر الصرف وليس قبله.
ولفت حسانين إلى أن أى جراء مستقبلى مرتبط بخفض جديد فى سعر صرف الجنيه أمام الدولار ، قد يتزامن مع صفقات طرح عدد من الشركات المملوكة للحكومة امام المستثمرين العرب والأجانب كى تصبح أكثر جاذبية ، لكنه أكد أن آلية رفع أسعار الفائدة من جانب لجنة السياسة النقدية حاليا تستهدف فى المقام الأول السيطرة على معدلات التضخم التى وصلت لمستويات تاريخية.
وكان البنك المركزى قد أكد فى شرح أسباب قرار رفع الفائدة على الجنيه الخميس الماضى، استمرار حالة عدم اليقين المرتبطة بتوقعات أسعار السلع والخدمات عالميا ، ومواصلة الاختلالات فى سلاسل التوريد العالمية، والتباطؤ فى النشاط الاقتصادى محليا، ليسجل %3.9 بالربع الأخير من 2022.
وذكر أن المعدل السنوى للتضخم العام فى الحضر أخذ فى الارتفاع ليسجل %25.8 و%31.9 فى يناير وفبراير2023، على الترتيب. كما سجل المعدل السنوى للتضخم الأساسى %31.2 فى يناير 2023، ووصل إلى أعلى معدل تم تسجيله تاريخياً فى فبراير 2023 ليسجل %40.3.
وشدد حسانين على أن إجراء رفع أو خفض الفائدة على الجنيه مرتبط فى الأساس وقبل أى شيء بمستويات التضخم داخل السوق ، باعتبار ان الهدف الرئيسى للبنك المركزى وفقا لقانونه هو السيطرة على زيادات أسعار السلع والخدمات.
ويتوقع حسانين أن ترفع لجنة السياسة النقدية سعر الفائدة بواقع %10 كحد أقصى على مدار العام مع استمرار وتيرة التضخم الحالية، وقد يواصل الارتفاع وفق تقديره.
وذكر البنك المركزى، ضمن شرحه لأسباب رفع الفائدة الخميس الماضى، أن التطورات الأخيرة لمعدلات التضخم أظهرت ارتفاعا واسع النطاق، وهو ما يتطلب المزيد من التقييد النقدى.
وفسر ذلك محللون لجريدة «المال» بأنه يعنى السير فى مسارين مختلفين ومتوزايين هما: رفع معدلات الفائدة من جهة، وتخفيض الحدود الائتمانية لقروض الأفراد من جهة أخرى، بالإضافة إلى أنه قاصرًا على رفع الفائدة فحسب، وإنما قد يعنى أيضًا رفع احتياطى البنوك، أو وضع حدود قصوى للإقراض الاستهلاكى.
ومنذ 11 يناير شهد الدولار تذبذبا كبيرا مقابل الجنيه، حيث ارتفع الدولار من 27.70 جنيه للبيع إلى 32 جنيها، وذلك على مدار اليوم، قبل أن يختم التعاملات بانخفاض طفيف من 32 إلى 30.70 جنيه، وهو ما أطلق عليه الخبراء الـ«Overshooting» أى الارتفاع الكبير فى سعر الصرف.
وارتفع بعد طرح بنكى الأهلى ومصر شهادات الـ %25، ليسجل 32 جنيه كأعلى سعر له على الإطلاق، قبل أن ينخفض مرة أخرى ويستقر عند 30.96 للبيع.
وقالت سهر الدماطى، الخبيرة المصرفية، إن رفع الفائدة أحد الأدوات الأساسية التى تستخدمها لجنة السياسة النقدية؛ لكبح جماح التضخم، ويعد هدفها الرئيسى استقرار الأسعار.
وأوضحت أن خفض سعر الجنيه، يحكمه العرض والطلب على العملة الأجنبية، مشيرة إلى أننا نشهد فى الفترة الحالية طلبا أكثر من العرض، نتيجة عدة عوامل، من أهمها توجيه الدول أولوياتها لتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين، والسلع الاستراتيجية.
وأشارت إلى أن الفائدة قد يكون لها تأثير فى زيادة المعروض من العملة، عندما ترتفع سعر الفائدة، كدول ناشئة بالنسبة للدول الأخرى، تجذب مستثمرين، فيما يسمى بأذون الخزانة، مما يغطى فجوة تمويلية، ما بين استيراد وتصدير.
وكانت الحكومة أكدت اكثر من مرة على وجود خطة واضحة لتوفير العملات الأجنبية والوفاء الالتزامات الخارجية لمصر حتى نهاية العام 2023.
أوضحت سهر الدماطى أن رؤوس الأموال تتجه إلى الدول الناشئة عند ارتفاع سعر الفائدة ، وخصوصا إذا كانت مخاطرها أقل، مشيرة إلى أن موافقة صندوق النقد الدولى على القرض يعد شهادة، بعد وضع خطة إصلاح، مما تمنح ثقة للمستثمرين، لتوجيه استثماراتهم فى مصر.
ووفق الاتفاق بين مصر وصندوق النقد الدولى ، حول تمويل بقيمة 3مليارات دولار ، دخل حيز التنفيذ مطلع العام الجارى، تلتزم السلطات النقدية فى مصر ، بسعر صرف مرن للجنيه مقابل العملات الأجنبية.
ويرجح حسانين إصدار شهادات %30 لحاملى الدولار من المصريين العاملين بالخارج من خلال تحويلات بنكية مقابل التنازل عن الدولار مقابل ربط شهادة بعائد %30 ولمده عام أو عام ونصف، بالإضافة إلى شهادات %27 عائد سنوى بالجنيه المصرى ولمدة عام ونصف، وشهادات %25 عائد شهرى.
من جانبه قال هانى حافظ، الخبير المصرفى، إن سعر الصرف والفائدة من أدوات السياسة النقدية، لذا تلجأ إلى إحداث توازن بين أدواتها، من خلال اللجوء إلى تحرير جزئى فى سعر الصرف، واستخدام أداة الاحتياطى الإلزامى لدى البنك المركزى.
وبحسب صندوق النقد الدولى، سعر الصرف الفعلى الحقيقى هو مقياس لقيمة العملة مقابل المتوسط المرجح لعدة عملات أجنبية مقسوماً على مؤشر التضخم.
واتفق الخبراء أنه لا يمكن حدوث تعويم كامل، وإنما يكون مدار جزئيا، بشكل مرن متصاعد، لتجنب الآثار السلبية، وجذب المزيد من العملات الأجنبية، والاستثمارات الخارجية.
ويستهدف المركزى إحداث وفرة فى العملة الأجنبية، يخفف من الضغط على قيمة الجنيه، ويدفع نحو الاستقرار فى سعر الدولار بالأسواق المصرفية، وضمان دخولها للقطاع المصرفى.
وأكد محمد الأتربى، رئيس مجلس إدارة بنك مصر، أنّ رفع سعر الفائدة، لن يؤثر على ارتفاع أسعار الدولار مقابل الجنيه، معللا ذلك أنه يخفض من عملية تداول العملة الأجنبية خارج القطاع المصرفى
ويتوقع حافظ طرح شهادات بعائد سنوى تصل إلى 22.5 و%25 للحفاظ على المدخرات العائلية، مع توقعات بتحريك طفيف فى سعر الصرف لاستمرار السيطرة على السوق السوداء.
