يُشكل تعزيز قدرة السكان الريفيين على الصمود جزءا حيويا من أغراض التأمين متناهى الصغر، ولم تكن تلك المهمة أكثر إلحاحا مما هى الآن، وأكدت أزمة كورونا (كوفيد - 19) على أن بناء قدرة أصحاب الحيازات والمشروعات الصغيرة على إدارة المخاطر والنهوض من الصدمات؛ سبيل لابد منها لاستئصال الفقر الريفى.
وأشار خبراء إلى أن التأمين متناهى الصغر يساعد على تحطيم الحلقة المفرغة للصدمات وشِراك الفقر، التى تمنع السكان الريفيين من بناء أنشطة أعمالهم وتحسين حياتهم، وتكمن الميزة الفريدة له فى نقله للمخاطر التى يتعذر السيطرة عليها بعيدًا عن المزارعين وأنشطة أعمالهم وبلدانهم.
فعندما يُستخدم التأمين مع أدواته وتقنياته كنهج شامل لإدارة المخاطر الزراعية، فإنه يُطلق دورة حميدة تمكِّن الأسر الزراعية من الإنتاج والكسب واستثمار المزيد، لبناء أصولها وقدرتها على الصمود.
التقت «المال» بمختلف الخبراء والعاملين فى قطاعى التأمين والزراعة، وكل له آراؤه وما يعول عليه، لا سيما بعد مؤتمر الأقصر للتأمين متناهى الصغر فى مارس 2023، وكان للجميع طموحاته ومراهناته.
صغار المزارعين وأخطارهم
قال دياب أبو حجر، فلاح مالك لحيازة زراعية: إن أصحاب الحيازات الصغيرة يتعرضون لمخاطر وأعباء متعددة، مثل الأمراض وسوء تغذية الحيوانات بسبب بعض الآفات التى تصيب الزرع، وتؤثر على سبل العيش، مشيرًا إلى وجوب تضمين التأمين سبلًا للحفاظ على الثروة الحيوانية، وتخفيف صدمة الأمراض، وتعزيز قدرتها على الصمود.
وأضاف أن المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة ومعظم الأسر الريفية يعيشون ويعملون فى بيئة عالية المخاطر، إذ إنهم معرضون بشدة للصدمات المالية، فضلًا على أن الزراعة تُشكل لهم المصدر الرئيسى للغذاء والدخل، مشيرًا إلى أن القطاع هو الأكثر تضررًا من الآفات، التى تقضى على الإنتاج الزراعى، إضافة إلى أخطار أخرى يمكن أن تقوض قدرة سكان الريف متوسطى الحال على الصمود، كما يتضح من آثار أزمة جائحة كورونا (كوفيد - 19).
وأشار أبو حجر إلى ضرورة تضمن منتجات تأمين صغار المزارعين ضد هلاك الماشية، بالتعويض عن الموت الطبيعى للحيوانات أو إثر حادث، إضافة إلى التأمين من الحريق الزراعى، بتغطية الأضرار التى تلحق بالمحاصيل جراء حريق، ويمكن أن يمتد إلى تغطية نتائج المسئولية المدنية إزاء الغير، وكذلك تأمين البيوت المخزن بها المحاصيل، بضمان هياكلها وتجهيزاتها والمزروعات الموجودة فيها ضدّ أخطار البرد والعواصف والحريق، فضلًا على تأمين المركبات الزراعية المستخدمة فى الحرث والزرع والإنتاج.
المرأة المزارعة تحمل كثيرا من التحديات للتأمين
وقالت مريم خليل؛ فلاحة صاحبة حيازة زراعية، من خلال التجارب فإن تمكين المرأة الريفية من الوصول بشكل أفضل إلى الموارد والخدمات والفرص الاقتصادية، يجعل حصول المجتمعات قادرة على إنتاج المزيد من الغذاء، وتحسين أوضاعها المعيشية، فضلًا على زيادة الدخول الريفية، وتعزيز كفاءة واستدامة النظم الغذائية.
خليل: توفير المناخ للمرأة الريفية بالاستماع إلى احتياجاتها من القطاع
ولفتت إلى ضرورة توفير المناخ للنساء الريفيات بالاستماع إلى احتياجاتهن والعوائق التى تعترضهن، ولا يتأتى ذلك إلا بالاستعانة بموظفات مهنيات فى وظائف تصميم منتجات التأمين وتنفيذه لتعزيز المساواة بين الجنسين وبناء الثقة، لتدشين خدمات تعود بالفائدة على الأسرة بكاملها، وتراعى أولويات المرأة، فضلًا على التواصل بطرق تيسر على المجتمعات المحلية، ولاسيما النساء، التآلف معها وفهمها، بواسطة الاستعانة بقنوات معروفة وموثوقة لتلك المجتمعات.
وأشارت “مريم” إلى وجوب مراعاة التأمين لجوانب تمكين المرأة، حتى تكون مكتفية ذاتيًّا من الناحية المالية، وقادرة على اتخاذ قراراتها الخاصة، إذ تلعب المرأة، لاسيما فى المناطق الريفية، دورًا فعالًا فى مكافحة الجوع وسوء التغذية، وفى جعل النظم الغذائية أكثر إنتاجية واستدامة، مشيرة إلى أن النساء يزرعن، ويقللن الفاقد من الأغذية، ويجعلن النظم الغذائية أكثر تنوعًا والمنتجات الزراعية أشد قابلية للتسويق على امتداد سلاسل القيمة الغذائية الزراعية، ومع ذلك لا تزال المرأة تواجه تمييزًا اجتماعيًّا واقتصاديًّا كبيرًا.
وعزت معاناة قطاع الزراعة مؤخرًا إلى ضعف الأداء فى العديد من القرى بسبب عدم تمتع النساء بنفس ما يتمتع به الرجال من وصول إلى المدخلات والموارد والخدمات والفرص التى تحتاج إليها المرأة لتكون أكثر إنتاجية، وبهذا الشكل، يمكن لشركات التأمين أن تضمن إعداد مخططات لمنتجات مستدامة بشكل يلبى تلك الاحتياجات، وإيصالها بعدئذ بطرق تجعلها قادرة على جذب المزارعين من الجنسين وفى متناول يدهم.
وأكدت أن النساء أشد تعرضًا بشكل كبير لآثار الأمراض والأوبئة، فاحتمالات وفاة المرأة مرجّحة مقارنة بالرجل جراء كارثة أو موجة جفاف، فضلًا على أعباء عملهن، إذ تعتبر الزراعة هى القطاع الذى تعمل فيه الغالبية العظمى من الإناث الريفيات، وهو المجال الأكثر تضررًا من آثار الكوارث والأمراض والآفات.
مطالبات منذ سنين
قال حسين أبو صدام؛ نقيب الفلاحين، إن وجود معاش للمزارعين خطوة مميزة للتأمين على كبار السن منهم ورعايتهم باعتبارهم من الفئات الأولى بالرعاية التى لابد أن توليهم الدولة اهتمامها، إذ تمت المطالبة بتلك الخطوة منذ سنوات عديدة، مشيرًا إلى أن الفلاحين لم يجنوا سوى انتظار نتائج مقترحات تحقيق حياة كريمة لتلك الشريحة التى تعانى دائمًا.
وأضاف أن الفلاحين لا يتمتعون بأى تأمين صحى وتأمين على الحياة، فضلًا على أن أسرهم لا يتمتعون بأى معاشٍ فى حالة الوفاة أو العجز أو الشيخوخة.
أبو صدام: الفلاحون الفئة الأولى بالرعاية وعلى الشركات أن توليهم مزيدا من منتجاتها
وأوضح أبو صدام وجوب أن يكون هناك مخرجًا مناسبًا يتم الاتفاق عليه لمن ليس لديهم حيازات زراعية بالدخول فى المبادرة، إذ إن هناك ملايين المزارعين المستحقين وليس معهم أى حيازة بامتلاك أى أراضٍ، بجانب أن يكون هناك مقابل فى حال حدوث العجز الجزئى، وعدم ربط المعاش بالوفاة أو العجز الكلى، مشيرًا إلى أن نسبة لا يستهان بها من الفلاحين ما زالوا غير مدركين لفكرة الدفع للحصول على معاشٍ فى نهاية العمر أو فى حال الأزمات الكبرى،كالعجزالكامل.
الصمود الريفى يبدأ من المرأة
قالت أمانى الماحى؛ رئيس قطاع بشركة مصر للتأمين ومستشار العلاقات الدبلوماسية بالاتحاد الأفروأسيوى للقانون الدولى وخبيرة إعادة تأمين البترول بالشركة المصرية لإعادة التأمين، إن خلق الصمود الريفى الذى أوصى به مؤتمر الأقصر لـ«متناهى الصغر» يحتاج إلى بناء قدرة الأُسر محدودة الدخل على الصمود مع تنمية مهارتها على إدارة المخاطر، فضلًا على تعزيز سُبل معيشتها، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال حماية الدخل، وتعزيز الاستثمار فى زراعة أصحاب الحيازات الصغيرة، والذى لا يأتى إلا بتطوير أنواع التأمين «الزراعى» و«المخاطر المناخية» بما يعود بالنفع على السكان الريفيين أصحاب الدخول المدنية.
الماحي: «متناهى الصغر» يدعم محدودى الدخل فى إدارة المخاطر
واقترحت على السوق تصميم إستراتيجيات وسياسات للتأمين بالشراكة مع الهيئات الحكومية، فى مجموعة مختارة من القرى والحضر ذات الحالة الاقتصادية الرقيقة، مع تقديم المساعدات التقنية لتصميم مخططات تأمينية وإنشائها، وتنفيذها ضمن مبادرات التنمية الريفية التى تسعى لزيادة النمو الاقتصادى والتنمية، من خلال توفير سياسات تأمين صغيرة الحجم، ومنخفضة الأقساط لأبسط طبقات المجتمع حالا.
وبيّنت “أمانى” أن الفكرة وراء برامج التأمين متناهى الصغر هى إمكانية زيادة الدخل المتاح بواسطة تقليل مبلغ الأموال التى يتم إنفاقها على استبدال رأس المال المفقود، وبالتالى يتم تشجيع النمو الاقتصادى والتنمية بين أشد المجتمعات احتياجًا، مشيرة إلى أن التأمين متناهى الصغر يوفر لهذه العائلات مزيدًا من الاستقرار المالى.
واقترحت أن تركز المنظمات غير الربحية على تقديم الخدمات وتصحيح إخفاقات السوق، بدلًا من الاهتمام بالإيرادات، إذ يسمح لها ذلك بالعمل فى المجالات التى تكون فيها هوامش الربح أقل بشكل ملحوظ.
وأضافت أن العمل مع الجهات الحكومية اللصيقة بالمجتمع الريفى يمنح الشركات دروسًا مستفادة لبناء قدرة المؤسسات العامة والخاصة المحلية على استخدام التأمين ضد المخاطر الزراعية والمناخية كأدوات شاملة لتنمية الريف.
وأكدت على ضرورة تفعيل مشاريع إدارة المخاطر الريفية، بتعزيز ابتكارات التأمين متناهى الصغر، فبدون الأدوات اللازمة للتصدى للمخاطر تعيش الأسر الريفية محدودة الدخل فى حلقة مفرغة من الصدمات ومصائد الفقر التى تقلل الاستهلاك، وتستنفد المدخرات والأصول، وتحد من الاستثمارات الإنتاجية.
ولفتت “أمانى” إلى أهمية تعزيز قدرة النساء الريفيات على الصمود، وجعل التأقلم والتعافى جزءًا حيويًّا من مميزات منتجات التأمين متناهى الصغر، لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وذكرت أن المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة والأسر الريفية محدودة الدخل يعيشون ويعملون فى بيئة عالية المخاطر، وهم معرضون بشدة للصدمات المحلية والعالمية، بينما تشكل الزراعة بالنسبة لهم المصدر الرئيسى للغذاء والدخل، وهم الأكثر تضررًا من الانهيار الناتج عن المناخ أيضا، ويمكن أن تضرب الصدمات المتعلقة بالجفاف والآفات مجتمعات بأكملها لتقضى على الإنتاج الزراعى، فضلًا على المخاطر المتشابكة الأخرى التى تقوض قدرة سكان الريف على الصمود، كما اتضح من آثار أزمة جائحة فيروس كورونا (كوفيد - 19).
وأوضحت أن التأمين متناهى الصغر يؤدى دورًا أساسيًّا فى بناء القدرة على الصمود، وفى زيادة تأثير المشروعات التى يغطيها إذا تم تناوله بطريقة صحيحة، ليُسهم فى تحقيق النمو الاقتصادى، وتوفير الاستقرار المالى، وتعزيز الاستثمار وتيسير التجارة والتبادل والسماح بإدارة المخاطر بكفاءة أكبر.
واستطردت أن خطط التأمين متناهى الصغر توفر خدمة ضرورية لمليارات المستهلكين المحتاجين حول العالم، على الرغم من القيود، إلا أن الفوائد مذهلة، ويمكن مع مزيد من البحث فى المجال أن يصبح التأمين قوة إيجابية فى حياة العديد من الأشخاص الذين يعيشون فى عوز، بدلا من أن يتحول إلى حلم بعيد المنال.
اقتراحات لتعزيز «متناهى الصغر»
وقال إيهاب خضر؛ وسيط تأمين، إن تطوير الخبرات فى مجال التأمين وتبادلها أصبحت ضرورة لابد منها، بالتركيز على التأمين ضد المخاطر الزراعية، ضمن نهج شامل لإدارة تلك الأخطار والتنمية الريفية، إذ يمكن الجمع بينهما، إضافة إلى الخدمات والمدخلات المالية وغير المالية، بما فى ذلك البذور والأسمدة والائتمان، وحتى مع أنواع أخرى، مثل التأمين الصحى أو التأمين ضد انقطاع الأعمال.
وأضاف أن برامج التأمين متناهى الصغر تؤدى دورًا حاسمًا فى دعم الأسواق المستدامة بالمناطق الريفية، وتيسير نموها لدى المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة ورواد المشروعات الريفيين، مما يحفز استثمار القطاع الخاص فى التنمية، متيحًا بذلك لمقدمى الخدمات المالية إمكانية الوصول إلى العملاء الـ«محفوفين بالمخاطر»، وتمكينهم من تأمين أعمالهم.
وثمّن دور التأمين فى خلق القدرة على الصمود والتنمية الاقتصادية فى الريف، بهدف إدارة المخاطر للوصول إلى التنمية الريفية، بتعزيز ابتكارات «متناهى الصغر»، وجعل التأمين أساسًا لحماية سبل عيشهم، والاستثمار فى الزراعة.
وأشار خضر إلى أن الأخطار التى يتعرض لها المزارعون أصحاب الحيازات الصغيرة، مثل الأمراض وسوء التغذية بسبب الآفات الزراعية، يمكن أن تقتل حيواناتهم وتؤثر على سبل عيشهم، ومن هنا يأتى تأمين الثروة الحيوانية ليخفف الصدمة، ويعزز القدرة على الصمود، مما يحتم على شركات التأمين أن تتغلب على فقر البيانات الموثوقة عن الأخطار فى تلك الأسواق الناشئة، كيلا يقدم القطاع تأمينًا باهظ التكلفة للعملاء أو لا يطرح منتجات مطلقًا.
ولفت إلى تعزيز ابتكارات التأمين الصغرى وضرب مثالا بمنتج تأمين للأبقار الحلوب، بعد جمع البيانات ودمجها فى تسعيرة، والذى لا يتأتى إلا من خلال العمل بشكل وثيق مع المجتمعات المحلية الريفية لتنفيذ مشروعات تأمين شاملة، بالتواصل مع المزارعين وتمكينهم من المساهمة فى تصميم منتج تأمين ذى قيمة لهم، لخلق الثقة والشعور بالملكية والتغلب على العقبات التى غالبًا ما تجعل مبادرات التنمية الريفية غير قابلة للاستدامة بعد المراحل التجريبية.
وذكر أن مستويات الفقر تبقى أعلى فى الريف مقارنة بالمدن، مشيرًا إلى أن أهم العوامل المقيدة للقطاع الزراعى تتمثل فى محدودية وصول المزارعين إلى أشد ما يحتاجون إليه من التكنولوجيا الحديثة، والأسواق المجدية، والخدمات المالية، إذ يعجز الملايين من صغار المزارعين ورواد المشروعات الصغرى عن الانتقال من زراعة الكفاف إلى العمليات التجارية، لافتًا إلى وجوب ابتكار منتجات تأمينية تعمل على رفع الإنتاجية، وتحديث التكنولوجيات، وفرز المنتوج.
واستطرد فى إطار حث إقبال أصحاب الحيازات الصغيرة على الأخذ بالتأمين أن يجرى تقديم منتجات جديدة محددة الهدف، لدعم احتياجات أصحاب الحيازات الصغيرة الذين يزرعون الأرز مثلا، ويقومون بتربية الجواميس والأبقار والطيور، مشيرًا إلى أنه قد يشمل الدعم المحاصيل الغذائية والنقدية الأخرى حسب مختلف المناطق التى تشتهر بزراعات معينة، مع اعتماد تلك البيانات بواسطة الأقمار الصناعية.
وتناول خضر ضرورة عرض التأمين متناهى الصغر على المزارعين بمزيد من التعمق، حتى يتسنى لهم تحديد إيجابياته وسلبياته من منظور صغار المنتجين، ومن ثم يقدّمون انطلاقًا منها قائمة بالأسئلة الشائعة التى تخوّفهم، مما يمكن من دعمهم فى اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن شراء التأمين.
التأمين يضمن عدم التخلف عن الركب
وقال الدكتور علاء العسكرى؛ أستاذ التأمين بكلية التجارة بجامعة الأزهر، إن التأمين يؤدى دورًا أساسيًّا فى بناء القدرة على الصمود، وفى زيادة تأثير المشروعات الزراعية الصغيرة، وإذا تم تناول التأمين بطريقة صحيحة، فإنه يسهم فى تحقيق نمو اقتصادى، وتوفير الاستقرار المالى، وتعزيز الاستثمار، ويسمح بإدارة المخاطر بكفاءة أكبر.
العسكري: أداة لبناء قدرة المزارعين على الصمود
وأشار إلى أن المرأة تُشكّل نصف عدد الأشخاص العاملين بالزراعة تقريبًا حول العالم، كصاحبات حيازات صغيرة، ومزارعات بالحدائق، وعاملات مأجورات، أو بدون أجر فى المزارع الأسرية، غير أنهن لا يحصلن على حصة عادلة من الأصول، أو الموارد أو الخدمات التى يحتاجها المزارعون لكسب عيشهم، فالكثيرات لا يملكن حسابًا مصرفيًّا أو أدوات رقمية، كالهواتف الذكية والحواسب الآلية، للتعرف على العالم، الأمر الذى يجعل استثمارهن بواسطة المدخلات والتكنولوجيات المحسنة أمرًا شديد الصعوبة، ما يوجب نقل ثقافة التأمين إلى أماكنهم وبلدانهم.
وبيّن أن التأمين يعد أداة مهمة تسمح للمزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة وأصحاب المشروعات الريفية ببناء قدرتهم على الصمود، وتحويل ما يتعرضون إليه من مخاطر، ولكن بمقدور التغطيات أن تحقق ما هو أكثر من ذلك، حينما تعتبر شركات التأمين أن المزارعين المتمتعين بالتغطيات زبائن أقل اقترانًا بالمخاطر عند تأمين الائتمان، مثلًا، ومن ثم استخدامهم الأموال فى بناء مشروعاتهم، كما يمكن إثر ذلك تحفيز استراتيجيات تأقلم الفلاحين مع المناطق الزراعية الجديدة والنائية لعلمهم بجدية تغطيات الأخطار التى تحيق بهم هنالك، ما يشجع المزارعين على اعتماد أساليب إنتاج ذكية، وذلك ما يهيئ سوقًا مستدامة لشركات التأمين فى المناطق الريفية، والتى تحفز الاستثمار فى الزراعة، ودفع عجلة النمو الريفى، وحماية التقدم المحرز فى بيئة محفوفة بالمخاطر.
ولفت إلى ضرورة تقديم شركات التأمين حملات للتوعية بمناطق الريف، إذ إن قلة الوعى ونقص الثقة لدى المزارعين سببين رئيسين لقلة الإقبال على الاستفادة من خيارات التغطيات، على الرغم من مستويات الدعم المرتفعة لأقساط التأمين متناهى الصغر لأصحاب الحيازات الصغيرة، على سبيل المثال.
وأكد “العسكرى” أن التأمين ذو قيمة جمة للمزارعين، بتسهيله عليهم الحصول على قروض وشراء مدخلات محسّنة، كما أنه ييسر الاضطلاع بأعمال تجارية، كوسطاء البيع بالجملة، مشيرًا إلى أنه يمكن عند حدوث خسارة أو ضرر أن يتم استخدام التغطيات لإجراء الإصلاحات وإعادة الاستثمار، لاستعادة الإنتاج بمزيد من السرعة، إذ تمثل زيادة الاستثمار فى المناطق الريفية والنائية، والذى يمكن تعزيزه وحمايته بواسطة التأمين عاملًا رئيسًا لضمان عدم تخلف أحد عن الركب.
شمول التأمين لـ«الأخطار الإضافية»
وقال الدكتور خيرى عبد القادر؛ رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب للمجموعة الدولية للاستشارات التأمينية ICI وخبير التأمين الاستشارى وأستاذ التأمين بكلية التجارة بجامعة القاهرة، إن التأمين على الماشية والخيول تجربة قديمة شهدتها السوق المصرية، وكانت -وما زالت- تغطى نفوق الماشية والأمراض، سواء كان فرديًّا أو جماعيًّا، الأمر الذى يعتبر مهمًّا جدًّا فى مشروعات الثروة الحيوانية البسيطة والمتوسطة، لحرص أصحابها على أخذ تلك الخطوة؛ اطمئنانًا على ما تحت أيديهم من أموال.
عبد القادر: سيساهم ذلك فى حصول المزارعين على أسعار تنافسية
وعزا عزوف المزارعين عن شراء التأمين، إلى أن معدل خسائره بسيط، ما يؤدى إلى انخفاض تعويضاته، وهو ما يُسفر عن انخفاض الطلب من قبل العملاء ومطالبهم بخفض سعر التغطية، مما يُثير أهمية دور التغطيات متناهية الصغر.
وأوضح عبد القادر أنه فى حالة زيادة إقبال الأفراد وصغار المستثمرين ومجموعات الشباب العاملين بأنشطة الزراعة والتسمين الحيوانى والداجنى والاستزراع السمكى، على شراء وثائق التأمين الزراعى متناهية الصغر سيسهم ذلك فى حصولهم على أسعار تنافسية، لافتًا إلى أن شركات التأمين ستكتسب المزيد من الخبرة فى الاكتتاب على هذا النوع من التغطية مع تكرار إصدار وثائقه وصرف تعويضاته عبر حساب معدل الخسائر بدقة، وفى ضوء التجربة العملية.
ويرى أن التأمين متناهى الصغر عامة والمتعلق بالشق الزراعى خاصة فى مصر لم يأخذ حقه الأمثل من الاهتمام؛ نظرًا لعدم تمكن شركات القطاع من إغراء المؤمَّن لهم بعروض مقبولة، فغالبًا ما تكون الأسعار مرتفعة كما أن الوثيقة لا تغطى كافة الأخطار المتوقعة، فالتأمين على المحاصيل الزراعية تقتصر وثيقته على تغطية خطر الحريق فقط، معتبرًا أن شركات التأمين لا تقدم منتجات تأمينية لذوى النشاط الزراعى ضد خطر الآفات التى يمكن أن تصيب المحاصيل أو الحشرات الطائرة وغيرها التى يمكن أن تصيب بعض النباتات، مما أدى إلى ضعف الطلب على البوليصة من قبل الأفراد العاديين والمستثمرين الصغار، وذلك ما يحث على أخذ تلك المحاذير فى منتجات الشركات لـ«متناهى الصغر» بعد توصيات مؤتمر الأقصر.
واقترح على الشباب والمستثمرين الصغار الممتلكين لأراضٍ أو مزارع حيوانية الاشتراك فيما بينهم بإنشاء جمعيات تحمل عبء التعاقد وتسديد الأقساط لشركات التأمين، ولاسيما أن أصحاب النشاط الزراعى والحيوانى يتكبدون أثناء كل كارثة خسائر ضخمة، مثل الحمى القلاعية وإنفلوانزا الطيور وأزمة الجراد التى شهدتها البلاد من قبل، مشيرًا إلى أن «الأخطار الإضافية» لا تتوافق وطبيعة التأمين الزراعى، إذ لابد من شمول تلك القائمة للمخاطر التى تتعلق بكل ما يخص نشاط الزراعة، بجانب مخاطر الحريق، مثل الكوارث الطبيعية مثل السيول والفيضانات والعواصف، والأوبئة والأمراض والحشرات الطائرة.
