شهدت العشرون سنة الأخيرة تراجعًا فى معدلات توظيف القروض للودائع بنسبة كبيرة؛ إذ سجلت أعلى مستوى لها خلال يونيو 2003 لتصل إلى نحو %70.6 مقابل %48.5 فى يونيو 2022.
وتقاس نسبة التوظيف بمقدار ما لدى البنوك من ودائع مقارنة مع ما تمنحه من قروض وتسهيلات ائتمانية، وكلما ارتفعت هذه النسبة دل ذلك على قيام البنوك بالدور المنوط بها، وهو توظيف أموال المودعين فى صورة قروض تدر عليها عوائد وأرباحًا.
وبدأت نسب التوظيف رحلتها نحو التراجع، منذ 2003، لتنخفض إلى ما دون الـ %60 بقليل؛ إذ سجلت %59.3 خلال يونيو 2005، لتبدأ بعدها دورة تراجع أخرى حيث هوت إلى ما دون %50 بقليل خلال 2011 لتسجل %49.5.
واستمرت هذه النسب فى التراجع، وظلت فى حدود الـ %40 خلال الفترة من يونيو 2011 إلى يونيو 2020، لتشهد بعدها موجة ارتفاع كبرى؛ مسجلة %50.7 خلال يونيو 2021، لتهبط بعدها إلى %48.5 خلال يونيو 2022.
وأرجع محمد بدرة؛ الخبير المصرفى، انخفاض نسب توظيف القروض إلى الودائع، خلال الفترة الأخيرة، إلى ارتفاع حجم الودائع مقارنة مع القروض.
ووصل إجمالى حجم ودائع القطاع المصرفى بخلاف البنك المركزى إلى 8.562 تريليون جنيه بنهاية ديسمبر 2022 حسب تقرير المركز المالى الصادر عن «المركزى».
فى المقابل، سجلت محفظة القروض بالبنوك بخلاف البنك المركزى نحو 3.888 تريليون جنيه بنهاية نوفمبر 2022 مقابل 3.824 تريليون جنيه بنهاية أكتوبر 2022.
وسجلت نسبة توظيف القروض إلى الودائع خلال يونيو 2022 نحو %48.5 لتهبط من %50.7 خلال الفترة ذاتها من العام السابق.
مناخ الاستثمار
وأشار «بدرة» إلى أن مناخ الاستثمار غير مواتٍ بما يكفى الآن، ومن ثم نلحظ تراخيًا فى معدلات اقتراض الشركات والمؤسسات من القطاع المصرفى، لافتًا إلى أن هناك الكثير من المعوقات التى تقف حجر عثرة أمام تسهيل عمليات الاستثمار، وعلى رأسها البيروقراطية، ومعوقات الجهاز الإدارى بالدولة.
وأكد أن رئيس الوزراء يولى هذه المسألة عنايته الكاملة، ويسعى جاهدًا إلى تذليل جميع العقبات التى تقف أمام المستثمرين، وتعرقل استثماراتهم المختلفة.
واستبعد أن يكون لارتفاع معدلات الفائدة دور رئيسى فى تراجع نسب توظيف القروض للودائع فى القطاع المصرفى.
وأبقت لجنة السياسة النقدية، فى اجتماعها الأخير، سعر الفائدة عند %16.25، %17.25، و%16.75، لسعر الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزى، على الترتيب، مخالفًا بذلك كل التوقعات التى أجمعت على الاتجاه لرفع سعر الفائدة.
وأوضح "بدرة" أن مبادرة القطاع الزراعى والصناعى %11 تفتح شهية الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى الاقتراض من البنوك حتى وإن كانت الفائدة مرتفعة، مؤكدًا أن المبادرة ستعمل على حماية هذه الشركات من مخاطر التكلفة المرتفعة للأموال.
وتبلغ قيمة التمويلات المقدمة ضمن المبادرة 150 مليار جنيه، منها 140 مليارا لتمويل عمليات رأس المال العامل، ونحو 10 مليارات لتمويل شراء السلع الرأسمالية، لمدة 5 سنوات تبدأ فور الموافقة عليها من مجلس الوزراء.
وحدد مجلس الوزراء حجم الائتمان المتاح لكل شركة فى ضوء حجم أعمالها والقواعد المصرفية المنظمة، على أن لا يتجاوز الحد الأقصى المستخدم المسموح به لكل شركة 75 مليون جنيه، ونحو 150 مليونا للعملاء المرتبطين، شريطة أن تكون معاملات كل شركة مع بنكين بحد أقصى من البنوك المشاركة فى المبادرة.
السياسة النقدية الانكماشية وتحجيم الاقتراض
أما محمد البيه؛ الخبير المصرفى، فيرى أن السياسة النقدية الانكماشية تلعب دورًا فاعلًا فى تراجع معدلات توظيف القروض للودائع، موضحًا أن هذه السياسة التشددية تؤدى مباشرة إلى تعظيم حجم الودائع وتحجيم الاقتراض.
وتراجع معدل توظيف القروض إلى الودائع من %70.6 خلال يونيو 2003، إلى %48.5 خلال يونيو 2022، لتسجل الودائع 405.187 مليار جنيه خلال يونيو 2022 فى حين بلغ حجم القروض 284.721 مليار خلال الفترة ذاتها.
وأشار «البيه» إلى أن القطاع الخاص هو الأكثر تأثرًا برفع معدلات الفائدة، فى حين يتولى القطاع الحكومى تعويض هذا التراجع فى الاقتراض.
وبلغ إجمالى أرصدة الإقراض المقدمة من القطاع المصرفى 4.0128 تريليون جنيه بنهاية ديسمبر الماضى، استحوذ القطاع الحكومى منها على 1.604 تريليون، وفى المقابل اقتنص القطاع غير الحكومى 2.408 تريليون بنهاية ديسمبر الماضى.
وسجل الائتمان المحلى 7.61 تريليون جنيه بنهاية ديسمبر الماضى مقابل 7.44 تريليون خلال نوفمبر الماضى.
ويمثل الائتمان المحلى، مطلوبات الجهاز المصرفى من القطاعات المحلية، وتتكون هذه المطلوبات من الاستثمار فى الأوراق المالية والتسهيلات الائتمانية بالعملة المحلية والعملات الأجنبية الممنوحة لهذه القطاعات من الجهاز المصرفى.
وأكد «البيه» أن انتهاج مثل هذه السياسة النقدية الانكماشية محض ضرورة خلال الفترة الراهنة؛ إذ يعمد البنك المركزى إلى كبح جماح معدلات التضخم المرتفعة، وخلق معدلات فائدة إيجابية.
وارتفع المعدل السنوى للتضخم الأساسى إلى %40.3 لشهر فبراير 2023 مقابل %31.2 يناير الماضى.
أذون الخزانة كحل بديل
ولفت "البيه" إلى أن البنوك تلجأ إلى الاستثمار فى أذون خزانة فى محاولة لتوظيف فائض السيولة المتراكم لديها.
وتعرّف أذون الخزانة بكونها أداة دين حكومية تصدر بمدة تتراوح من ثلاثة أشهر إلى سنة؛ لذا تعتبر من الأوراق المالية قصيرة الأجل.
وسجل إجمالى استثمارات البنوك فى الأوراق المالية 4.186 تريليون جنيه بنهاية نوفمبر 2022 مقابل 4.228 خلال أكتوبر الماضى.
وكشفت النشرة الشهرية الصادرة عن البنك المركزى عن تسجيل استثمارات البنوك فى الأوراق المالية بالعملة المحلية 3.378 تريليون جنيه بنهاية نوفمبر 2022 مقابل 3.443 تريليون بنهاية أكتوبر الماضى.
وسجل إجمالى استثمارات البنوك فى الأوراق المالية بالعملة الأجنبية 807.977 مليار جنيه خلال نوفمبر الماضى، مقابل 785.601 مليار جنيه بنهاية أكتوبر 2022.
وأوضح «البيه» أن البنوك تلجأ كذلك إلى ربط ودائع لدى البنك المركزى فى محاولة أخرى لتوظيف أحجام السيولة المتراكمة لديها.
المخاطر ونسب التعثر
وأشار إلى أن هناك أيضًا، بخلاف السياسة النقدية الانكماشية، جملة من المخاطر التى دفعت البنوك إلى التحوط أكثر عند الإقراض، منها على سبيل المثال ظروف السوق العالمية، والتقلبات الاقتصادية التى يشهدها العالم أجمع.
وأوضح أن هذه العوامل تدفع البنوك إلى التخوف من تعثر العملاء، ومن ثم باتت أكثر تحوطًا عند اتخاذ قرار منح الائتمان.
وسجلت نسبة التعثر %3.4 بنهاية ديسمبر الماضى، مقابل %3.2 بنهاية سبتمبر 2022 بيد أن ذلك لم ينعكس على معدلات توظيف القروض للودائع، إذ ظلت ثابتة عند حدود %47.9 خلال شهرى سبتمبر وديسمبر الماضيين.
نقص السيولة والتمويل الذاتي
من جانبه، يرى ناصر حسن، الخبير المصرفى، أن ثمة علاقة عكسية بين رفع معدلات الفائدة وانخفاض معدلات توظيف القروض للودائع، وهو الأمر الذى اتفق معه فيه «محمد البيه»، إلا أنه يذهب إلى أن المؤسسات التى تعانى من نقص فى السيولة لن يكون أمامها من وسيلة أخرى سوى الاقتراض من البنوك.
ولكن «البيه» يذهب إلى أن إثقال كاهل المؤسسات بتكلفة إقراض عالية قد تدفعها إلى مسارات مغايرة أبرزها التمويل الذاتى على سبيل المثال.
ويستحوذ قطاع الزراعة، عل سبيل المثال، على 536.95 مليار جنيه من إجمالى أرصدة الإقراض بنهاية ديسمبر الماضى، مقابل 532.47 مليار بنهاية نوفمبر، فى حين تراجع حجم اقتراض القطاع الصناعى إلى 495.355 مليار بنهاية ديسمبر مقابل 501.549 مليار خلال نوفمبر الماضى.
ويذهب ناصر حسن، الخبير المصرفى، إلى أنه بخلاف معدلات الفائدة المرتفعة، هناك الكثير من النفقات والأعباء التى تقع على كاهل العميل، ومن ثم تؤدى فى النهاية إلى تراخى معدلات الاقتراض ومن ورائها نسب توظيف القروض للودائع.
بيد أنه أكد أن مبادرة القطاع الصناعى والزراعى بفائدة %11 ستعمل على رفع معدلات الاقتراض وزيادة حجم التسهيلات الائتمانية للشركات والمؤسسات العاملة فى هذين المجالين، وهو الأمر الذى سينعكس إيجابًا على معدلات التوظيف فى البنوك.
وأشار إلى أن معايير "بازل" تشترط على البنوك أن تصل نسبة السيولة لديها إلى 54% وهى مسألة لا بد أن تؤخذ فى الحسبان حين نتحدث عن نسب التوظيف كذلك.
وأوضح أن المخاطر تلعب دورًا كذلك فى تراجع معدلات التوظيف، ناهيك عن التضخم وتراجع القوى الشرائية، وانخفاض أحجام التمويلات المقدمة فى القطاعات الاستهلاكية على سبيل المثال.
كيف تطورت نسب التوظيف وحجم الودائع والقروض في القطاع المصرفي خلال 20 عامًا؟
| السنة | حجم الودائع بالمليون جنيه | حجم القروض بالمليون جنيه | نسبة التوظيف % |
| يونيو 2003 | 405187 | 284721 | 70.6 |
| يونيو 2004 | 463548 | 296199 | 64.2 |
| يونيو 2005 | 521745 | 306652 | 59.3 |
| يونيو 2006 | 571461 | 323026 | 57 |
| يونيو 2007 | 658215 | 352420 | 54.4 |
| يونيو 2008 | 755636 | 399481 | 53.7 |
| يونيو 2009 | 820175 | 427454 | 53.1 |
| يونيو 2010 | 900165 | 463880 | 52.2 |
| يونيو 2011 | 965339 | 471288 | 49.5 |
| يونيو 2012 | 1026686 | 503218 | 49.5 |
| يونيو 2013 | 1190819 | 544893 | 46.3 |
| يونيو 2014 | 1433728 | 584066 | 41.1 |
| يونيو 2015 | 1740158 | 713661 | 41.4 |
| يونيو 2016 | 2123069 | 937126 | 44.5 |
| يونيو 2017 | 3042155 | 1418421 | 47.1 |
| يونيو 2018 | 3569515 | 1619214 | 45.9 |
| يونيو 2019 | 4007899 | 1840032 | 46.4 |
| يونيو 2020 | 4701427 | 2179637 | 46.9 |
| يونيو 2021 | 5750538 | 2855579 | 50.7 |
| يونيو 2022 | 7369624 | 3490251 | 48.5 |
المصدر: البنك المركزي
إعداد ـ المال
