شهد قطاع الاتصالات والتكنولوجيا خلال السنوات الـ 20 الماضية ثورة تشريعية تستهدف فى جانب كبير منها وضع أطر تنظيمية وإجرائية للمتغيرات التكنولوجية، تحت شعار أن التطور التكنولوجى يحتاج إلى قوانين تعزز وتحمى حقوق الأفراد فى حياتهم الشخصية، وتضمن بياناتهم الخاصة.
البداية مع قانون حماية البيانات الشخصية رقم 151 لسنة 2020 كأول تشريع مصرى متكامل ينظم حماية الخصوصية فى البيئة الرقمية، وقد نظم القانون حقوق الشخص المعنى بالبيانات «صاحب البيانات»، وتم تحديد مستويين من البيانات الشخصية العادية مثل الاسم ورقم الهاتف ومعرفات الهوية الأخرى، والبيانات الشخصية الحساسة مثل بيانات الأطفال، والبيانات المالية والصحية.
كما قام القانون بتحديد شروط جمع ومعالجة البيانات، ووضع الالتزامات الخاصة بالجهات والمؤسسات المتحكمة فى البيانات بما يضمن حماية الخصوصية، وكذا ولأول مرة تم النص على تعيين مسئول لحماية البيانات الشخصية فى كل جهة لضمان حماية خصوصية المواطنين، والنص على المعايير الواجب الالتزام بها فى أنشطة التسويق الإلكترونى المباشر.
وتناول القانون إنشاء مركز لحماية البيانات يكون هو الجهة المنظمة لتحديد معايير حركة البيانات عبر الحدود، والرقابة والتفتيش على الجهات لضمان حماية البيانات وكذا إصدار التراخيص والتصاريح الخاصة بها. ولم تصدر لائحته التنفيذية حتى الآن.
بينما تمثلت المحطات التشريعية الثانية فى قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، والذى صدق الرئيس عبد الفتاح السيسى على بنوده، وتم نشره فى الجريدة الرسمية خلال أغسطس 2018.
ويستهدف القانون تنظيم التزامات وواجبات مقدمى خدمات تقنية المعلومات، وإسباغ الحجية القانونية فى الإثبات الجنائى للأدلة الرقمية لأول مرة فى تاريخ التشريعات المصرية، وكذا وضع نصوص عقابية تتناول صور الجرائم السيبرانية المختلفة، بما يهدف لحماية حقوق المواطنين والمؤسسات والجهات المختلفة من أى جرائم يتعرضون لها فى البيئة الرقمية.
كما تناول أيضًا تنظيم مسئولية مديرى نظم المعلومات فيما يتعلق بحماية النظم والمواقع التى يتولون إدارتها من أى اختراقات أو حوادث أمنية إلكترونية.
وتلا ذلك إصدار اللائحة التنفيذية للقانون بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1699 لسنة 2020، والذى حدد فيه المعايير الفنية الواجب اتخاذها لحماية البنية التحتية المعلوماتية الحرجة للجهات الحكومية والأجهزة المختلفة، وكذا المعايير الواجب الالتزام بها من قبل الشركات والمؤسسات لحماية منظوماتهم المعلوماتية من أى انتهاكات أو جرائم فى هذا الصدد.
المحطة الثالثة والأهم فى تاريخ تشريعات قطاع الاتصالات هى قانون التوقيع الإلكترونى رقم 10 لسنة 2003 والذى ترتب عليه إنشاء هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات «إيتيدا» التابعة لوزارة الاتصالات ويتكون من 30 مادة.
تهدف إيتيدا بحسب القانون إلى المساهمة فى تطوير وتنمية الجهات العاملة فى قطاع الاتصالات والتكنولوجيا وتوجيه وتشجيع وتنمية الاستثمار فى صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ورعاية المصالح المشتركة لأنشطة التكنولوجيا، ودعم البحوث والدراسات فى قطاع التكنولوجيا وتشجيع الاستفادة بنتائجها، بالإضافة إلى تشجيع وتعزيز دور المشروعات الصغيرة والمتوسطة فى مجال استخدام وتوظيف آليات المعاملات الإلكترونية.
وتعمل الهيئة على تقديم حزمة خدمات منها إصدار وتجديد تراخيص مزاولة انشاط خدمات التوقيع الإلكترونى وإيداع وقيد وتسجيل النسخ الأصلية لبرامج الحاسب الآلى وقواعد البيانات التى تتقدم بها الجهات أو الأفراد الناشرون، على أن تحصل إيتيدا على رسم %1 من إيرادات الخدمات والأعمال المقدمة.
المحطة الرابعة والأخيرة هى قانون تنظيم الاتصالات رقم 10 لسنة 2003 والذى نص على تأسيس هيئة تنظيمية وهى الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات بوصفه هيئة وطنية مختصة ومسئولة عن إدارة وتنظيم قطاع الاتصالات مع مراعاة تطبيق مبادئ الشفافية والمنافسة الحرة والخدمات الشاملة وحماية حقوق المستهلك.
كما ألزم القانون أيضًا المستثمرين ومقدمى خدمات الاتصالات فى مصر بالامتثال للقواعد التنظيمية والمعايير التى يضعها الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات حتى يتمكنوا من الانضمام إلى السوق أو طرح خدمة جديدة. ويُمكّن القانون الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات من إقرار الحدود التى تؤدى فى حالة تجاوزها إلى الإخلال بقواعد المنافسة الحرة، ووضع التعليمات وسبل الانتصاف فى مثل هذه الحالات.
أما على صعيد القرارات الجمهورية وقرارات رئيس مجلس الوزراء فقد صدر عدد من القرارات بهدف تهيئة المناخ للتحول الرقمى وتطوير الخدمات الحكومية، وكذا لدعم منظومة الأمن السيبرانى. ومنها قرار رئيس الجمهورية رقم 552 لسنة 2015 بتشكيل لجنة عليا لتنقية قواعد البيانات القومية.
بالإضافة إلى قرار رئيس الجمهورية رقم 501 لسنة 2017 بإنشاء مجلس أعلى للمجتمع الرقمى، والقرار رقم 511 لسنة 2022 بإعادة تشكيل المجلس الأعلى للمجتمع الرقمى. وعلى صعيد رئيس مجلس الوزراء فقد تم إصدار عدد من القرارات منها القرار رقم 2259 لسنة 2014 بتشكيل المجلس الأعلى للأمن السيبرانى بهدف تأمين البنية التحتية المعلوماتية الحرجة، والقرار رقم 994 لسنة 2017 بشأن إلزام كافة الجهات الحكومية بتنفيذ قرارات وتوصيات المجلس الأعلى للأمن السيبرانى. وكذا قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 132 لسنة 2020 بتأسيس شركة مصر الرقمية للاستثمار لدعم مشروعات وزارة الاتصالات وهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات فى مجالات البنية التحتية المعلوماتية وخدمات التحول الرقمى.
وقال الدكتور محمد حجازى، رئيس لجنة التشريعات والقوانين السابق فى وزارة الاتصالات، إن السوق مازالت تفتقر إلى الكثير من التشريعات والأطر التنظيمية اللازمة لتهيئة المناخ للاستثمار فى القطاع، وأيضًا لضمان دعم الشركات الناشئة، ودعم جهود الدولة للتحول الرقمى على رأسها ضرورة صياغة وإصدار قانون أو إطار تنظيمى ملزم لتصنيف البيانات واتاحتها بين الجهات الحكومية بما يخدم دعم وتمكين التحول الرقمى وتكامل قواعد البيانات القومية.
كما شدد حجازى أيضًا على أهمية صياغة وإصدار سياسة استخدام خدمات الحوسبة السحابية، بما يضمن خفض تكاليف التشغيل للجهات الحكومية، ودعم استخداماتها للشركات الصغيرة والمتوسطة، وهو ما سيدعم أيضًا من توجه الشركات العالمية لإقامة مراكز بيانات فى مصر، بالإضافة إلى تعديل قوانين الشركات والاستثمار لدعم الشركات الناشئة ورواد الأعمال للحدِّ من هجرة الشركات الناشئة للدول المحيطة، وضمان إمكانية الحصول على أموال المستثمرين، وإدخالهم فى الشركة وسهولة خروجهم.
وقال أن الحكومة بحاجة كذلك إلى إصدار إطار تشريعى منظم للهوية الرقمية معتمدًا على تكنولوجيا سلاسل الكتل، وبما يدعم الخدمات الحكومية فى كافة القطاعات، ويُساعد أيضًا على دعم انشطة التجارة الالكترونية، فضلًا عن إتاحة الطلب المحلى من خلال تبنى الحكومة لتفعيل تطبيق قانون تفضيل المنتج المحلى لمساعدة الشركات المصرية ودعمها وخفض الضغط على العملة الأجنبية.
وتابع: يجب أيضًا إعادة النظر فى الإطارين الخاصين بإنترنت الأشياء ومراكز البيانات والحوسبة السحابية، وخاصة فى ضوء أن متطلباتهم التنظيمية معوقة للاستثمار، ولا تتوافق مع الواقع العملى المحلى والعالمى، ويحد منتنافسيةالقطاع، معتبرًا أن ذلك سيسهم فى تحسين المؤشرات والتقارير الدولية الخاصة بمصر على مستوى مؤشر سيادة القانون علاوة على مؤشرات سهولة أداء الأعمال والابتكار العالمى والتنافسية والجاهزية الإلكترونية.
