حققت مصر طفرة غير مسبوقة خلال السنوات الماضية فى تنمية صناعة الخدمات الرقمية والمعروفة باسم «التعهيد”، والتى تتمثل فى نقل أعمال وخدمات تجارية من وإلى البلاد، بسبب تضافر مجموعة عوامل تنافسية، أهمها وجود كوادر بشرية مدربة، وامتلاك مصر موقع جغرافى متميز، وانخفاض تكلفة القوى العاملة مقارنة بالأسواق الأخرى.
سعت الدولة إلى زيادة عائداتها من هذه الصناعة عبر التوسع فى إنشاء المدن التكنولوجية بالمحافظات وتوفير التدريب وفرص العمل، ضمن استراتيجية بناء «مصر الرقمية”، لتظل محط أنظار المؤسسات الدولية وخبراء الصناعة ومحور اهتمام الشركات العالمية فى مجال تعهيد خدمات التكنولوجيا العابرة للحدود.
ووفق بيانات وزارة الاتصالات التى حصلت «المال» على نسخة منها، بلغ حجم صادرات مصر من الخدمات الرقمية فى عام 2006 نحو 150 مليون دولار ارتفعت إلى 1.1 مليار فى 2010 ثم 2 مليار فى 2013، و2.4 مليار فى 2015 و3.3 مليار فى 2017 و3.7 مليار بـ 2018، وصولا إلى 4.9 مليار دولار فى 2021/ 2022 مقارنة بـ 4.5 مليار دولار فى 2020/ 2021.
ويعمل فى نشاط التعهيد «الأوت سورسينج» فى مصر أكثر من 240 ألف موظف يقدمون الخدمة لـ 100 دولة حول العالم بـ 20 لغة متنوعة، طبقًا لتقديرات مجلس الوزارء.
وتستهدف وزارة الاتصالات زيادة صادرات مصر الرقمية بنسبة %13 لتصل إلى 5.5 مليار دولار خلال العام المالى الحالى 2022/ 2023 المنتهى فى 30 يونيو المقبل.
اتخذت اهتمامات الحكومة بالصناعة فى أكثر من محور على رأسها إطلاق الدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات فى فبراير 2022 استراتيجية مصر الرقمية لصناعة التعهيد (2022 / 2026) بهدف مضاعفة حجم الصادرات المصرية من منتجات وخدمات تكنولوجيا المعلومات العابرة للحدود، عبر تقديم حزمة حوافز جديدة لجذب الاستثمارات والتوسع فى الموجودة بالفعل، وتمكين الشركات المحلية وتشجيع إنشاء أعمال جديدة، وتعزيز تنافسية مصر فى مجالات البحث والتطوير وخدمات القيمة المضافة، على النحو الذى يسهم فى تسريع نمو اقتصاد المعرفة.
ونجحت هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات «إيتيدا”، من خلال الترويج للحوافز الاستثمارية التى تتيحها الاستراتيجية، فى تحقيق المزيد من النمو فى صناعة التعهيد فى مصر والتوقيع مع ٤٨ شركة خلال عام 2022 لإقامة مراكز تعهيد أو التوسع فى مراكزها بعدد إجمالى ٥٦ مركزا.
وكان من بين هذا الاتفاقيات؛ توقيع مجموعة اتفاقيات مع 29 شركة عالمية بحضور رئيس مجلس الوزراء فى نوفمبر 2022؛ من شأنها توفير أكثر من 34 ألف فرصة عمل جديدة للشباب المصرى فى مجالات التعهيد على مدار 3 سنوات؛ بقيمة تصديرية تصل إلى 1 مليار دولار سنويا بحلول 2025.
وبحسب مؤشر كيرنى لمواقع تعهيد الخدمات العالمية، احتلت مصر المركز 15 عالميا والأول على مستوى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا خلال عام 2021 بنحو 5.62 نقطة متفوقة بذلك على عدد من دول المنطقة، حيث تلتها الإمارات بـ 5.47 نقطة، ثم تركيا بـ 5.46 نقطة، وموريشيوس بـ 5.45 نقطة، وكينيا بـ 5.31 نقطة، والمغرب بـ 5.28 نقطة، ثم غانا بـ 5.19 نقطة، بعد ذلك إسرائيل بـ 4.69 نقطة، وجنوب إفريقيا بـ 4.6 نقطة.
ومن المعروف أن مؤشر كيرنى يصدر كل عامين ويضم نحو 60 دولة ويقيس 4 عناصر رئيسية هى (الجاذبية المالية، توافر العمالة الماهرة، بيئة الأعمال، قابلية الدولة للتحول الرقمي).
وكانت مصر قد فازت بجائزة بأفضل مقصد لخدمات التعهيد خلال أكتوبر 2016 ضمن الجوائز الأوروبية الخاصة بالجمعية العالمية لخدمات التعهيد.
كانت مصر تنافس على صدارة المثلث الماسى قبل أحداث ثورة 25 يناير 2011 مع دولتى الهند وماليزيا، إلا أن الساحة الدولية شهدت مؤخرًا صعود قوى جديدة تنافس مصر بقوة منها المغرب وجنوب إفريقيا وكينيا وبولندا وبلغاريا والمجر.
وقال سعيد رياض، نائب رئيس شعبة خدمات التعهيد بجمعية اتصال لتكنولوجيا المعلومات، إن مصر قطعت شوطًا كبيرًا فى النهوض بصناعة خدمات التعهيد العابرة للحدود «الأوف شورينج» منذ عام 2000، تلى ذلك نجاح الحكومة فى استقطاب كيانات أمريكية للسوق المصرية.
وأضاف رياض أن العالم بدأ ينظر لمصر فى حقبة الألفينيات على أنها تمتلك العديد من الفرص الواعدة فى مجالات التعهيد وخدمات الكول سنتر، لافتًا إلى أن الحكومة وضعت على رأس اهتماماتها كيفية النهوض بتلك الصناعة وتعظيم صادراتها.
وأفاد أن مصر خرجت عن الخريطة العالمية لخدمات الكول سنتر على خلفية أحداث ثورة 25 يناير بسبب انقطاع خدمات والاتصالات فى تلك الفترة، إلا أنه بعد هدوء الأوضاع نسبيًّا واستعادة الحياة إلى طبيعتها بدأت مصر تعود لخارطة الطريق، خاصة أنها تمتلك العديد من الكوادر الماهرة، والتى يمكنها إتقان أكثر من لغة.
ولفت إلى أن خلال نهاية عام 2019، بدأت الدول تعانى من جائحة كوفيد- 19 وآثارها، مما ساهم فى ظهور نموذج «العمل عن بُعد»، وبعض النماذج الجديدة لخدمات التعهيد كالـ CHATBOOT.
وأكد أن وزارة الاتصالات تقدم مجهودات كبيرة للنهوض الدائم بصناعة التعهيد، مما يرسخ صورة مصر على خارطة التعهيد، والنهوض بها خلال الحقب المقبلة.
