صداع المقاولات يزداد ألمًا بعد كل قرار اقتصادى وتعويم للعملة

على مدار آخر 20 عامًا عانى قطاع المقاولات بالسوق المحلية من عدة أحداث، وجَّهَت ضربات قوية للشركات جعلته يخرج عن المسار الصحيح مع هدوء وتيرة النمو

Ad

على مدار آخر 20 عامًا عانى قطاع المقاولات بالسوق المحلية من عدة أحداث، وجَّهَت ضربات قوية للشركات جعلته يخرج عن المسار الصحيح مع هدوء وتيرة النمو، ولعل الحدث البارز المشترك بينهم هو التعويم للعملة المحلية.

وكانت النتائج التى أسفرت عن التعويم واحدة تقريبًا تتمثل فى ارتفاع أسعار المواد الخام، وزيادة تكاليف الإنشاءات، علاوة على صعوبة توفر موارد النقد الأجنبى، ولكنها اختلفت فى حدتها فى الثلاث سنوات.

ومع كل تعويم، كانت تزداد أوجاع قطاع المقاولات، وتزداد دعواتهم بإقرار قوانين، ومنح تسهيلات من شأنها التخفيف من الآلام الناجمة عن تدنى قيمة العملة المحلية.

ففى التعويم الأول سنة 2003، كانت هناك زيادات بالفعل فى الأسعار وصلت لنحو %300، بحسب متعاملين فى السوق فى تصريحات صحفية لهم آنذاك، ولكن لم يكن هناك إشكالية كبيرة فى الحصول على الدولار، وفى نوفمبر 2016، كانت موارد النقد الأجنبى وقتها لا تكفى لسداد الاحتياجات الخارجية لمصر لمدة 3 شهور، وهو ما مثَّل السبب الرئيسى للتعويم، وبالتالى زادت حدة صعوبة الوصول للدولار، وبحسب أخبار منشورة، وصف أحد أعضاء مجلس الاتحاد المصرى لمقاولى التشييد والبناء أن تعويم 2016 أثر بالسلب على قطاع المقاولات 10 أضعاف أزمة تحرير سعر الصرف فى 2003.

أما فى تعويم 2022، وكان ثلاث مرات على مدار العام، فوصلت تلك الحدة لذورتها، وهو ما أسفر عن تعطل حركة الصناعة، ونقصت سلع معمرة وغير معمرة بشكل كبير فى السوق المحلية، وبات هناك فجوة بين ما تحتاجه الدولة من موارد أجنبية وبين ما تملكه بالفعل.

ويمكن إرجاع السبب فى تصاعد حدة النقص فى موادر النقد الأجنبى خلال 2022 للأزمات الاقتصادية العالمية، فلم يلبث أن يتعافى العالم من الآثار الاقتصادية السلبية الناجمة عن فيروس كورونا فى 2020، وما نتج عنها من أزمة فى سلاسل التوريد وتعطل حركة الإنتاج، حتى تغلغل فى كارثة أخرى، أطلق عليها البعض الحرب العالمية الثالثة، وهى غزو روسيا لأوكرانيا، ما تسبب فى زيادة الضغط على الأسواق الناشئة، ورفع حدة مشكلاتها.

وبناء عليه، تستعرض «المال» فى التقرير التحليلى التالى أوضاع قطاع المقاولات على مدار العشرين عامًا، ومطالب المقاولين للنهوض بالقطاع ودعمه فى أوقات الأزمات، بجانب أهم القوانين الخاصة المحفزة للقطاع، علاوة على كيفية تغير عمل القطاع فى ظل تغير خريطة مصر العمرانية والطفرة العقارية الحادثة منذ عام 2014.

العقد المتوازن

فمنذ التعويم الأول فى عام 2003، تعالت رغبات المقاولين بتطبيق وإقرار صياغة العقد المتوازن، الذى ينظم العلاقة بين شركات المقاولات وجهات الإسناد، ففى عام 2014 طالب الاتحاد المصرى لمقاولى التشييد والبناء الوزارة بالإسراع فى إقرار العقد.

وفى عام 2013، طالب اتحاد المقاولين من وزارة الإسكان وقتها بتفعيل العقد المتوازن لضمان حقوق الطرفين المقاول وجهات الإسناد، جراء ظهور بوادر لأزمة نقص فى الأسفلت، نتيجة لتدهور الأوضاع السياسية وقتها فى منطقة القناة.

وفى عام 2017، عادت تلك المتطلبات مرة أخرى على الطاولة، مع الأخذ فى الاعتبار أنها لم تخمد خلال الفترة الماضية لتلك السنة، لحل مشكلات المقاولات المزمنة والحفاظ على حقوقها.

وأشار إلى أن إقرار العقد المتوازن واتباع نموذج موحد لعمليات المقاولات، يضمن التزام الشركات بالقانون وتعديلاته وعدم حدوث أى مشكلات تعطل سير العمليات الإنشائية بالمشروعات وتهدد استقرار القطاع.

والعقد المتوزان يحمى حقوق جميع الأطراف، المقاول والمالك والاستشارى، ويساوى بينهم فى الحقوق والواجبات، بما يعود بالنفع على الاستثمارات وحركة التنمية والمشروعات.

ويضم العقد المتوازن 4 نماذج وفقًا لنوع الأعمال وهى عقود الإنشاءات وعقد مقاولات أعمال الهندسة الميكانيكية والكهربائية وعقد تسليم مفتاح والعقد الموجز.

تطبيق العقد المتوازن يضمن انخفاض تكلفة تنفيذ المشروعات القومية، ويقضى على مبالغة الشركات فى رفع اﻷسعار، نتيجة إضافة هامش مخاطرة ضمن تكلفة تنفيذ المشروع لتجنب الخسائر المحتملة فى حالة تأخر صرف المستحقات أو فرض غرمات تأخير التسليم.

كما يضمن تلافى العديد من السلبيات التى عانى منها المقاولون جراء الارتفاعات المتزايدة والمفاجئة فى أسعار الخامات، ومدخلات تنفيذ المشروعات.

وحتى عام 2021، طالب العديد من شركات المقاولات العاملة بالسوق المحلية بتطبيق العقد المتوازن بالقطاع الذى تأثر سلبًا بتعويم الجنيه فى 2016، وأزمة كورونا، ما أسفر عن ارتفاع فى أسعار مواد البناء، وتأخر تسليم المشروعات.

قانون المزايدات والمناقصات

وكانت من ضمن متطلبات المقاولين نتيجة تحرير سعر الصرف فى عام 2003، تعديل قانون المزايدات والمناقصات، قانون رقم 89 لسنة 1998 على الأعمال المسندة من قبل الجهات الحكومية وشركات قطاع الأعمال العام ولا تسرى على شركات القطاع الخاص، ومن ثم فإن شركات المقاولات العاملة مع القطاع الخاص لن تستفد بالتعديلات التى تسرى بالقانون، ومن ثم فلابد من تطبيق عقد متوزان، وإلزام جميع الجهات به للحفاظ على حقوق الشركات وضمان المساواة مع جهات الإسناد.

وكانت هناك مطالب منذ عام 2014 لحث الجهات المسئولة عن شركات المقاولات للسعى نحو تعديل قانون المناقصات والمزايدات رقم 89 لسنة 1998.

وفى عام 2018، صدق رئيس الجمهورية على قانون رقم 182 لسنة 2018، بشأن قانون تنظيم التعاقدات التى تبرمها الجهات الحكومية والعامة ليكون بديلا لقانون 89 لسنة 1998، لكن لم يتم تفعيله حتى الآن.

وتم مؤخرًا تعديل المادة «55» من اللائحة التنفيذية لقانون المناقصات والمزايدات، بما يلزم جهات الإسناد بإضافة العناصر المتغيرة فى التكاليف فى المعادلة السعرية، وصرف فروق أسعار حال حدوث أى متغيرات سعرية بها بعدما كانت جهات الإسناد فى السابق تصرف فروق الأسعار على الحديد والأسمنت فقط، نتيجة مشكلات ما بعد تعويم 2003.

ويتم حاليًّا العمل بقانون المزايدات والمناقصات المعدل فى سنة 2018.

ومنذ عام 2003 وحتى عام 2012، شهدت سوق المقاولات خروج نحو 14700 شركة من السوق، لينخفض عددها من 26800 شركة مقارنة بنحو 41500 شركة، بسبب التحديات التى واجهها القطاع من ضرائب وتأمينات اجتماعية، بحسب تصريحات حسن عبدالعزيز رئيس مجلس الاتحاد المصرى للتشييد والبناء وقتها، ويشغل حاليًّا منصب رئيس الاتحاد العربى الإفريقى.

وعانى قطاع المقاولات فى عام 2007 عقب تحرير سعر الصرف عام 2003، إذ تراجع عدد المقاولين المسجلين فى الاتحاد المصرى للتشييد والبناء من 28 ألف مقاول إلى 3800 مقاول فى 2005، وانخفض لنحو 2400 مقاول فى 2007، وخلال 2007 أعلنت 1000 شركة مقاولات إفلاسها.

وتوقفت الحكومة عن سداد ما عليها من مستحقات للمقاولين وراء توقف %80 من شركات المقاولات، بالإضافة للارتفاع المستمر فى أسعار مواد البناء، حديد التسليح تحديدًا، والذى شهد قفزات متتالية، وهو ما أدى إلى تعطل حركة أعمال المقاولين بسبب الديون التى تراكمت عليهم نتيجة عدم سداد الجهات الحكومية لمستحقاتهم، الأمر الذى زاد من صعوية المشكلة ورفض البنوك التعامل مع المقاولين، حتى لو كان يمتلك الضمانات المطلوبة، إذ اعتبرت البنوك وقتها أن المقاولات قطاعًا ميتًا.

وكانت هناك مطالبات بتفعيل قرار رئيس الوزراء رقم 1864 لسنة 2004 عن الأعمال التعاقدية لشركات المقاولات بعد تاريخ تحرير الصرف وحتى تاريخ صدور القانون 5 لسنة 2005 فى 7 مارس 2005 والخاص بتعديل بعض أحكام قانون تنظيم المناقصات والمزايدات أو تنفيذ فتوى مجلس الدولة بإلزام جهة الإدارة بصرف فروق الزيادات التى طرأت على أسعار الحديد والأسمنت والمواد الإنشائية للمقاولين، وهى الفتوى التى صدرت فى 11 ديسمبر 2003 دون التفريق بين العقود التى أبرمت قبل تحرير سعر الصرف أو بعده.

وفى عام 2007، عدلت الدولة بنود اللائحة التنفيذية لقاون المناقصات والمزايدات لحماية الشركات من التغيرات المفاجئة فى أسعار مواد البناء ومدخلات تنفيذ المشروعات.

قانون التعويضات

فى عام 2017، شكلت الحكومة لجنة خاصة بالتعويضات فى أغسطس، تضم نحو 48 ممثلًا عن عدة جهات، منها وزارة الإسكان، وهيئة الطرق والكبارى، واتحاد المقاولين، والغرف التجارية، وتختص بمراجعة المستندات المقدمة من شركات المقاولات، التى تطلب الحصول على تعويض نقدى، بعد ارتفاع تكلفة تنفيذ المشروعات نتيجة تحرير سعر الصرف.

ويتم حساب التعويضات من خلال دراسة وضع كل شركة ومدى تضررها، بداية من أول قرار لتخفيض الجنيه فى مارس 2016 وحساب نسبة التغير فى أسعار مواد البناء فى كل شهر.

وفى عام 2017، أقرت الحكومة أول تعويض لشركات المقاولات عن المشروعات المنفذة فى أعقاب تحرير سعر الدولار، والذى نتج عنه صرف 20 مليار جنيه.

يشار إلى أن مجلس الوزراء وضع نماذج للعناصر الخاضعة للتغيير بعد قرار تعويم الجنيه، نظرًا لأنه قبل ذلك كانت الحكومة تعتمد خضوع الأسمنت والحديد فقط، وبعد ارتفاع الأسعار، شملت النماذج جميع مواد البناء. ويتم حساب التعويضات من خلال دراسة وضع كل شركة، ومدى تضررها من القرارات الاقتصادية، وحساب نسبة التغير فى أسعار مواد البناء كل شهر.

وخلال 2022، كانت الوزارة قد عقدت أكثر من اجتماع مع لجنة التعويضات لدراسة التعديلات اللازمة لتتناسب مع التغيرات الحالية فى تقلبات الأسعار، خاصة أن الغرض من تشكيل اللجنة كان تعويض شركات المقاولات بعد قرار تحرير سعر الصرف عام 2016، وفقًا لمصادر من الاتحاد المصرى لمقاولى التشييد والبناء فى تصريحاتها لـ”المال”.

وأوضحت المصادر فى يونيو 2022 أنها طالبت بتعديل المدى الزمنى الخاص بقانون التعويضات الصادر فى أغسطس 2017 نتيجة التداعيات الاقتصادية السلبية بعد تحرير سعر الصرف، وتطالب الشركات بتعديل النطاق الزمنى ليسرى على كل أعمال عقود المقاولات والتوريدات وغيرها من الخدمات خلال الفترة من أول مارس 2022 وحتى 31 ديسمبر، والتى وقعت خلالها ظروف شبيهة وترتب لعقود، وذلك لعقود المقاولات التوريدات والخدمات التى جرى تنفيذها اعتبارًا من 2022/3/1 وحتى نهاية تنفيذ العقد.

كما طالبت بإضافة تعديل يسمح لمجلس الوزراء بتكليف اللجنة العليا للتعويصات بصرف مبالغ مناسبة لشركات المقاولات كلما اقتضت الحاجة، أو فى حالة الظروف الاستثنائية.

وفى نوفمبر الماضى، وافق مجلس النواب على مشروع قانون تعويضات عقود المقاولات فى التوريدات العامة، نتيجة زيادة الأسعار الناجمة عن القرارات الاقتصادية المتتابعة.

ونشرت الجريدة الرسمية- فى فبراير 2023 قرار الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، بتحديد اللجنة العليا للتعويضات أسس وضوابط ونسب التعويضات، عن الأضرار الناشئة بسبب القرارات الاقتصادية خلال الفترة من 1 مارس 2022 وحتى 31 يناير 2023.

ووفقًا لمصادر تحدثت إليهم «المال”، ستقدم شركات المقاولات المتضررة للجنة المختصة بوزارة الإسكان خلال الأيام القليلة المقبلة كل المستندات اللازمة التى تؤكد تضررها من ارتفاع التكاليف، ورغبتها فى الحصول على تعويضات، على أن يتم دراسة تلك المظاريف فى ضوء الجداول المعدة من عام 2017 التى تشمل كل الأعمال المدنية والإنشاءات.

قال طارق يوسف الرئيس التنفيذى لشركة كونكريت بلس للإنشاءات إلى أن سوق المقاولات المحلية شهدت انتعاشة منذ عام 2014 ولا تزال مستمرة، وهو ما تعاملت معه الشركة باحترافية، حيث فضلت فى الفترة منذ 2011 وحتى 2014 التأنى فى دخول فى مشروعات جديدة لعدم وجود ضمانات كافية بشأن معدلات تنفيذ المشروعات وحصولها على مستحقاتها، وهو الأمر الذى جعلها قادرة ومستعدة تمامًا للحصول على مشروعات فى 2014.

وأوضح أن الطفرة الأخيرة بقطاع المقاولات فى السوق المحلية، دفعت بالتوازى عدة شركات تطوير عقارى للتوسع وطرح مشروعات جديدة، وهو ما استفادت منه الشركة وتم التعاون معهم فى تنفيذ مراحل إنشائية متعددة.

تطور متطلبات وتحديات المقاولات

خلال عقدين، لم تتغير مطالب المقاولين العاملين بالسوق المحلية، إذ تمحورت حول أربع نقاط رئيسية وهما تعويض شركات المقاولات المتضررة جراء قرارات اقتصادية أخلت بالتكلفة التنفيذية المحددة للمشروع، بجانب منح مدد زمنية إضافية أيضًا لتلك الشركات، علاوة على تطبيق العقد المتوازن بين المقاول وجهات الإسناد، إضافة إلى مناداتهم بضرورة حماية الشركات الصغيرة والمتوسطة والتى تشكل نسبة كبيرة من القطاع.

وبدأت تلك المطالب بعد عام 2003، نتيجة التعويم، وكذلك عادت مرة أخرى بعد ثورة يناير، إذ طالب رئيس اتحاد مقاولى التشييد والبناء وزارة الإسكان بإعطاء مدة جديدة لشركات المقاولات لتنفيذ المشروعات المتعاقد عليها، والتى تأخر التنفيذ بها بسبب أحداث الثورة وحظر التجوال، بالإضافة إلى مشكلات التوقف بسبب الوقود والسولار وإضرابات النقل.

وأشار رئيس الاتحاد وقتها إلى أن الشركات لها حقوق كثيرة لدى جهات التعاقد فيما يتعلق بالمستحقات المصدق عليها من جميع الجهات وتعويضات منذ عام 2003 بسبب تعويم الجنيه، وفروق الأسعار، مطالبًا وزارة الإسكان بضرورة التنسيق مع وزارة المالية لجدولة المستحقات المتأخرة، بالإضافة إلى صرف فروق الأسعار.

وبحسب الأخبار الصحفية المنشورة، منذ ثورة يناير وحتى عام 2014، عانت شركات المقاولات من تراجع فى حجم الأعمال المطروحة، بجانب ظهور العديد من المشكلات على غرار نقص البيتومين وارتفاع أسعار السولار، فهى العمود الفقرى لمشروعات البنية التحتية، إضافة إلى إسناد الأعمال بالأمر المباشر.

وبمتابعة أخبار القطاع فى تلك الفترة، نجد أن شركات المقاولات العاملة فى قطاعى الطرق والبنى التحتية هى الأكثر تأثرًا بالأوضاع وقتها، ففى عام 2013 ظهرت بوادر أزمة نقص فى الأسفلت، التى من شأنها أن تؤثر فى تنفيذ عدد من مشاريع الطرق والبنى التحتية، وأرجعت الشركات أسباب تلك الأزمة نتيجة لارتفاع الطلب على مادة البيتومين التى تدخل فى صناعة الأسمنت، بجانب تأثر منتجات السن الخرسانية بالأحداث السياسة التى تشهدها منطقة القناة آنذاك.

ومع بداية عام 2015، بدأت تلك الشركات تعقد آمالا نتيجة طرح مشروعات مرتقبة من قبل الدولة تمثلت فى البنية التحتية ومشروعات الإسكان الاجتماعى، والطفرة العمرانية والعقارية.

وبدأت وقتها التحول نحو آلية إسناد المشروعات عن طريق طرح مناقصات يتم من خلالها فحص العرض الفنى والمالى المقدم من الشركات، وتحديد الشركات الفائزة، بدلًا من آلية الإسناد المباشر.

واستمرت النظرة التفاؤلية مسيطرة على قطاع المقاولات خلال 2016، نتيجة لإعلان الدولة عن مشروع العاصمة الإدارية الجديدة ومشروع تنمية قناه السويس، فضلًا عن دعم الدولة لقطاع التشييد والبناء وقتها، ولكن تعرض القطاع لخسارة فادحة تقدر بنسبة %100 نتيجة تعويم العملة فى الربع الأخير من العام، وتخارج حوالى 2000 من القطاع، وإفلاس 1989 شركة.

وخلال عام 2017، توقفت بالفعل العديد من شركات المقاولات عن العمل نتيجة لقلة السيولة، وارتفاعات الأسعار المبالغ فيها، وبدأ مسئولين من الاتحاد بمطالبة مجلس الوزراء بمنح مدد إضافية لشركات المقاولات لتنفيذ المشروعات بواقع 3 أشهر للأعمال المتعلقة بتنفيذ المشروعات القومية و6 أشهر لتنفيذ الأعمال الكهروميكانيكية.

واستمرت الطفرة العقارية فى عام 2018، إذ حصدت شركات المقاولات عدة مكاسب بنهاية العام، إذ وصل حجم الأعمال بالقطاع بنحو 200 مليار جنيه مع الجهات الحكومية و60 مليار جنيه مع القطاع الخاص، وفقًا لأخبار منشورة فى ذلك التوقيت.

واستمرت أيضًا الأعمال المتاحة بسوق التشييد والبناء خلال 2019، نتيجة افتتاح وتطوير 14 مدينة جديدة، مع انخفاض سعر الفائدة، والذى يبشر بزيادة حجم استثمارات القطاع، بجانب دخول لاعبين جدد، وكانت كلمة السر فى دفع القطاع هى طروحات مشروعات الدولة والتى ساهمت فى حل أكبر أزمة واجهت سوق المقاولات مؤخرًا، وهى تضاؤل حجم الأعمال محليًّا، أى أن مشروعات الدولة أحدثت انفراجة للقطاع.

ووفقًا للاتحاد المصرى لمقاولى التشييد والبناء، حقق قطاع المقاولات حجم أعمال يقدر بنحو 260 مليار جنيه.

وتصدر ملف تنظيم أوضاع العمالة أولويات قطاع المقاولات خلال عام 2019، نتيجة لضم القطاع العديد من العمالة جراء المشروعات القومية الكبرى المطروحة.

وجاءت كورونا فى 2020 لتكبت الآمال الوردية التى كان يتبناها العاملون بقطاع المقاولات، ولتكون السمة المسيطرة على القطاع سحب الأعمال، وتوقف الأعمال التى تم البدء بها.

وفى مايو 2020، أصدر البنك المركزى قرارًا بضم شركات المقاولات لمبادرة القطاع الخاص الصناعى والزراعى، والتى تنص على إتاحة 100 مليار جنيه من خلال البنوك بعائد سنوى %8 متناقص لتمويل الشركات، والتى لاقت استحسانًا كبيرًا من قبل تلك الشركات.

وفى عام 2021، حقق قطاع المقاولات حجم أعمال يقدر بقيمة 800 مليار جنيه، وفقا للاتحاد المصرى لمقاولى التشييد والبناء، نتيجة لاستمرار الفطرة العمرانية، وقفز حجم أعمال القطاع العام والخاص، والتوسع فى تدشين مدن ومشروعات تنموية جديدة.

وكان الحدث البارز خلال 2022 بالنسبة لقطاع المقاولات هو توقف العمل بمبادرة الـ%8، وهو ما يمثل كارثة لشركات المقاولات، خاصة بعد أن شهدنا رفع معدلات الفائدة بنسبة %8 خلال العام، فى إطار جهود البنك المركزى لكبح جماح التضخم، جراء الحرب الروسية الأوكرانية وأزمات الاقتصاد العالمى.

وكانت جملة «كثير من الأعمال قليل من الأرباح» هى الأكثر وصفًا لقطاع المقاولات خلال 2022، وذلك بحسب رصد جريدة «المال» لنتائج أعمال الشركات المقيدة بالبورصة.

وكان عام 2022 هو عام المحاولة بالنسبة للقطاع ليثبت أمام تلك التحديات، وأن يستمر بالسوق بغض النظر عن تحقيقه للأرباح أم لا.

وفى بداية 2023، شهدنا قرار رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى الخاص بصرف تعويضات للشركات المتضررة عن الفترة من مارس 2022 حتى 31 يناير 2023، مع إعطاء مدة زمنية قدرها 6 أشهر للشركات التى تأخرت نتيجة للظروف الاقتصادية الصعبة.

تطور الأنماط

وجدنا فى الفترات الأخيرة تطور قطاع المقاولات من خلال الوسائل والمعدات المستحدثة، وتطور أساليب الشركة، كذلك تبنى آليات ووسائل جديدة وفقًا لمواصفات الجودة العالمية، وهو ما لمسناه فى تصميمات المبانى الحالية وطرق التنفيذ.

واجتمع متعاملون فى السوق على أن تطور وتنامى القطاع جاء متماشيًا مع المشروعات المتاحة، ومواصفات تنفيذها الموضوعة، ما فرض على الشركات تحديثًا للمعدات وأيضًا طرق الإدارة.

وتغير شكل قطاع المقاولات من خلال الاستعانة بخبراء أجانب، بجانب اتباع معايير الجودة العالمية والمشاركة فى مشروعات متنوعة، وغير ذلك.

وفى السنوات الماضية، اقتصرت المشروعات بنسبة كبيرة التى شارك فيها المقاولون على المشروعات السكنية فقط، ولكن حاليًّا أصبح هناك تنوع لتضم مشروعات الدولة العمرانية ومشروعات الاستثمار فى البنية التحتية مثل الكبارى والأنفاق والطرق، بالإضافة إلى المولات التجارية الكبيرة، إضافة إلى التنوع فى أنماط التنفيذ الجديدة والمختلفة.

وساعد طلب المطورين على تنفيذ المشروعات من خلال المواصفات المصرية والعالمية، المقاولين على مواكبة تلك الطفرة، واستحداث سبل جديدة، وهو ما كان لا يحدث قديمًا إلا فى المشروعات الاستراتيجية فقط.

إن التنوع فى سوق المقاولات حاليًّا لم يقتصر فقط على نوعية المشروعات، وإنما أيضًا يشمل أنماط التنفيذ الجديدة والمختلفة، لافتًا إلى مبادرة مشروع حياة كريمة وأعمال التشطبيات للمنازل، إذ الحرص على إنشاء منازل آدمية تصلح للعيش فيها.

وشهدت سوق التطوير العقارية فى الأسابيع القليلة الماضية توجهًا لافتًا من اللاعبين الرئيسيين لاختراق السوق السعودية عبر إنشاء شركات تابعة فى خطوة بررها التنفيذيون والخبراء بأن المملكة من أبرز الأسواق المجاورة، والتى ترحب بالاستثمارات المصرية.

وتنوعت وسائل الشركات المصرية فى اختراق السعودية سواء بالدخول فى شراكات مع مؤسسات تعمل هناك بهدف نقل الخبرات المصرية فى مجال التطوير العقارى أو المقاولات، فيما رجح بعض الخبراء لـ«المال» أن تتزايد تلك الظاهرة لرغبة الشركات المصرية فى تنويع الإيرادات، وجلب عملة صعبة.