مر قطاع البترول المصرى على مدار العشرين عاما الماضية بعدة تحديات وتغيرات وأحداث سياسية واقتصادية دفعته لتنفيذ حزمة من المشروعات الاستراتيجية وزيادة الشراكات والإستثمارات الاجنبية والقومية محققا اكبر عدد من الاكتشافات لتعظيم إنتاج مصر من الثروات البترولية والغازية.
ترصد » المال» فى هذا الملف أبرز ملامح تطور قطاع البترول المصرى على مدار 20 عاما واهم المحطات التى ساهمت فى احتلاله الصدارة كواحدا من أكبر القطاعات الاقتصادية فى مصر.
تفاقم فاتورة الدعم
بداية قالت مصادر حكومية مسئولة بقطاع البترول أن القطاع واجه خلال حقبة محددة فى العشرون عاما الاخيرة عدة تحديات تصدرتها تقادم معامل التكرير، وأزمة «أسطوانات البوتاجاز» ، وعدم كفاية انتاج الغاز الطبيعى لتلبية كامل استهلاك السوق المحلية ، وتراكم مستحقات شركات البترول الاجنبية ، وتفاقم فاتورة دعم الوقود.
وتابعت : تلك التحديات دفعت القطاع لتبنى خطط طموحة بدأت بتنفيذ مشروعات تطوير معامل التكرير وزيادة قدرات التخزين، وبدء توصيل الغاز الطبيعى للمنازل لإحلاله محل البوتاجاز، وتكثيف التعاون والاستثمارات مع الكيانات الاجنبية لزيادة إنتاج مصر من الثروات البترولية.
تحديات... وأزمات
وأكدت ان تلك المشروعات والاجراءات ساهمت فى مواجهة تلك التحديات وإنهاء أزمة اسطوانات البوتاجاز ، وتم من خلالها الوصول بعدد المنازل العاملة بالغاز حاليا لقرابة 14 مليون مسكن، وزيادة طاقات التكرير وتخفيض حجم استيراد البنزين والسولار الى %25 حاليا.
واستمر القطاع فى تطوير التشريعات وتنفيذ مشروعات التطوير والبحث والتنقيب بالشراكة مع الكيانات العالمية مما أدى لتحقيق الاكتفاء الذاتى من الغاز الطبيعى ، وبدء خطوات مؤثرة لتحويل مصر لمركز إقليمى لتداول وتجارة الطاقة بالمنطقة ، فضلا عن تبنى خطط طموح لوقف استيراد البنزين والسولار عبر توسعات التكرير محليا.
وعلى صعيد أنتاج البترول الخام قالت المصادر ان الشركات العاملة فى القطاع تسعى لاستخراج البترول الخام وزيادة معدلات إنتاجه عبر تكنولوجيات متطورة والوصول لطبقات ومكامن جديدة واستخراجه بطرق غير تقليدية بهدف تلبية إحتياجات مصر من الوقود ومشتقاته وزيادة طاقات التكرير .
وأكدت المصادر ان مناطق خليج السويس والصحراء الغربية وسيناء والصحراء الشرقية وغيرها من المناطق لا تزال تزخر بكميات من البترول الخام يمكن استخراجها وإنتاجها عبر التكنولوجيات الحديثة.
وظل إنتاج مصر من الزيت الخام يدور حول مستوى 600 - 700 الف برميل يوميا منذ عام 2003 حتى الان ، وتسعى الشركات الى تعويض التناقص الطبيعى فى إنتاجية حقول الزيت والحفاظ على معدلات إنتاج جيدة ، يتم تكريرها بالمعامل المصرية لانتاج المشتقات البترولية.
تخزين المنتجات البترولية
على صعيد متصل قال المهندس مدحت يوسف الرئيس الأسبق لشركتى موبكو وميدور أن القطاع على مدار العشرون عاما الماضية استطاع زيادة طاقات تخزين كافة المنتجات البترولية بعد أن كانت مصر تعانى من ضعف طاقات التخزين مما شكل فى تلك المرحلة اختناقات حادة فى تدبير الاحتياجات خصوصا فى المواسم الاستهلاكية.
وذكر يوسف أن البوتاجاز يأتى على رأس المنتجات التى عانت مصر من توفيرها فى حقبة زمنية محددة خلال العشرون عاما الماضية ، لافتقاد مصر لسعات تخزين خلال 2003 تكفى الاحتياجات خاصة فى فصل الشتاء حتى أن الأرصدة المتداولة بلغت فى الشتاء 2.5 يوم فقط مما تسبب فى أزمات متتالية علاوة على ضعف قدرات الموانئ لاستقبال كميات البوتاجاز المورد.
تطوير الموانى
وقال مدحت » الآن حدث توسع كبير فى اتجاهين فى قدرة الموانئ المصرية على استقبال سفن بحمولات تصل إلى 50 الف طن مع تعددية الموانئ المستقبله بالإسكندرية والسويس والسخنة وابورديس ودمياط مؤخرا ، وتم زيادة سعات التخزين بكافة المناطق لتنتهى أزمات البوتاجاز.
.ولفت الى أن القطاع توسع فى انتاج البنزين والسولار محليا عوضا عن الاستيراد وتم تخفيض الكميات المستوردة بشكل واضح ، بعد التوسع الكبير بشركة انربك ، ودخول المصرية التكرير التشغيل بإنتاج بلغ 850 الف طن سنويا ، واخيرا انتاج البنزين باسيوط بكمية 600 الف طن سنويا.
توفير السولار
وتابع مدحت : تم زيادة إنتاج السولار بعد دخول المصرية التكرير بمسطرد محققة 2.2 مليون طن سنويا، وزيادة إنتاج السولار بمعمل ميدور بالإسكندرية بما يعادل 1.25 اضافى على الإنتاج.
ولفت الى تاثير الإجراءات الحمائية لتخفيض استهلاك السولار بمحطات الكهرباء والاستعاضة بالغاز الطبيعى المتوفر ، مضيفا انه تم تحسين كفاءة معامل التكرير من حيث تطويرها لتحقيق مستويات ربحية عالية بمشروعات التكرير كما هو الحال فى توسعات معمل ميدور ومشروع المصرية التكرير بمسطرد وتطوير معمل تكرير اسيوط بوحدات بتكنولوجيا التكسير الهيدروجينى لرفع الكفاءة وتحسين جودة المنتجات.
مشروعات ضخمة لتخزين النفط الخام
ومع الأحداث العالمية وحدوث تغيرات سعرية حادة فى الأسواق العالمية قام قطاع البترول المصرى ببناء مشروعات ضخمة لتخزين النفط الخام فى العديد من المواقع البترولية على شواطئ البحر الاحمر لمواجهة أى أزمات عالمية طارئة لتأمين احتياجات المواطنين تحت اى الظروف ، وفقا ليوسف.
طفرة فى إنتاج الغاز الطبيعي
وعلى صعيد الغاز الطبيعى أكد يوسف أن قطاع البترول المصرى حقق طفرة كبيرة فى إنتاج الغاز الطبيعى مع الشركاء الأجانب فى مياة البحر المتوسط محققا اكتفاء ذاتيا مع تصدير المتبقى للخارج عن طريق محطات الاسالة المصرية.
أزمة 2011
وتابع مدحت بأن احداث يناير 2011 وما صاحبها من توترات جاءت بآثار عكسية نتيجة تباطؤ الشركاء الأجانب وتوقف عمليات تنمية الحقول الغازية ليتضاءل الإنتاج ولا يكفى احتياجات السوق المحلية، ولجأ قطاع البترول حينها للاستيراد إلا أنه استطاع بعد استتباب الأمن القومى عودة الاستثمار فى قطاع الغاز وتحقيق طفرة إنتاجية سريعة بفضل اكبر حقول البحر المتوسط ممثلا فى حقل ظهر ليعاود تحقيق الاكتفاء الذاتى وتصدير كميات كبيرة من الغاز الطبيعى المسال للخارج وحقق مؤخرا عائدات كبيرة تعدت 8 مليار دولار من صادرات الغاز المسال.
معامل التكرير
وعلى جانب أخر أكد مدحت أن هناك تحديات يواجهها قطاع البترول متمثلة فى ضرورة زيادة حصة مصر من النفط بتشجيع الشركاء الأجانب فى ضخ المزيد من الاستثمارات وكذلك المزيد من البحث عن الغاز الطبيعى لاستدامة انتاج مصر.
وأكد أنه لابد من رفع كفاءة باقى معامل التكرير المصرية فى منطقة السويس والإسكندرية والتى لا تزال تعانى من تقادم وحداتها.
الغاز الطبيعى... والإكتفاء الذاتى
بينما أكد الدكتور رمضان ابو العلا الخبير البترولى ، أستاذ هندسة البترول والطاقة ، أن العشرون عاما الماضية مرت على قطاع البترول بالعديد من التحديات والتطورات والانجازات ، وتحول القطاع بشكل تدريجى عبر مشروعاته واتفاقياته وشراكاته مع الكيانات العالمية ليمثل حاليا واحدا من أكبر القطاعات الاقتصادية فى مصر.
وقال أن إكتشاف حقل «ظهر» يعد العامل الرئيسى فى تحول مصر الى الاكتفاء الذاتى وتحقيق طفرة بحجم صادراتها من الغاز الطبيعى.
ولفت ان الاكتشاف ساهم فى توفير 2.5 - 3 مليار دولار فاتورة كان يتم سدادها لاستيراد الغاز سنويا.
ترسيم الحدود.. والاكتشافات الجديدة
وأضاف أبو العلا أن إتفاقية وعرض مناطق جديدة للتنقيب فى البحر الاحمر تفتح الباب لتحقيق مزيدا من الاكتشافات الفترة القادمة ، بالتزامن مع بدء خطوات جادة للوصول الى الاكتفاء الذاتى من البنزين والسولار.
وقال ان مصر أصبح لديها ثقل عقب انشاء منتدى غاز شرق المتوسط ، الى حظى بإحترام المجتمع الدولى ، وتحول لمنظمة حكومية سارعت كافة دول العالم فى الانضمام اليها.
ولفت الى أن إعادة إفتتاح مصنعى الإسالة فى إدكو ودمياط شجع الاتحاد الاوروبى على توقيع اتفاقيات مع مصر لزيادة صادرات الغاز المسال من مصر الى أوروبا.
مشروعات البحث والتنقيب
وعلى صعيد أخر أكد ابو العلا أن القطاع بحاجة الى زيادة دور الشركات الوطنية فى مشروعات البحث والتنقيب عن الخام والغاز فى مصر ، وعدم الاعتماد بشكل كامل على الشركات الاجنبية.
وتابع أنه لابد من زيادة الاعتماد على الشركات الوطنية ودعمها بالتمويلات البنكية الوطنية ومنحها حقوق الامتياز بالمناطق الواعدة الثرية ، مما يجعل مصر تستفاد بكامل الانتاج من تلك الامتيازات بدلا من اقتسامها مع «الاجانب».
مسئولون: تطوير المعامل والاكتشافات وتحسين التشريعات أبرز أسباب الطفرة الراهنة
«خبراء» يطالبون بزيادة دور الشركات الوطنية فى «التنقيب».. وسرعة استكمال خطة وقف استيراد البنزين والسولار
من 2 - 3 مليار دولار خلال 2003 / 2004 الى 8 مليارا مستهدفة العام الحالى
قفزة فى الإستثمارات العالمية بمشروعات البحث والتنقيب والإنتاج
شهدت إستثمارات الشركات الاجنبية العاملة فى مشروعات البحث والتنقيب عن الغاز والخام فى مصر طفرة ملحوظة على مدار السنوات الماضية، لا سيما مع التطوير المستمر فى الاتفاقيات والتشريعات وتحسين مناخ الاستثمار البترولى.
ودارت استثمارات شركات البترول الأجنبية العاملة فى مصر حول مستوى من2 -3 مليار دولار خلال الفترة من 2003/ 2004 حتى 2005 /2006، وظلت ترتفع بشكل تدريجى مقتربة من حاجز 7 مليار دولار خلال 2008/ 2009، و2009/ 2010، وحتى قبيل ثورة يناير.
ورغم ان الاستثمارات الاجنبية شهدت حالة من التباطؤ أو التراجع بسبب الاحداث التى شهدتها البلاد خلال ثورة يناير، الا انه مع استقرار الاوضاع وتحسن مناخ الاستثمار وتوقيع اتفاقيات ترسيم الحدود تضاعفت تلك الاستثمارات محققة اكتشافات ضخمة وطفرة ملحوظة خاصة بالبحر المتوسط والاحمر.
وخلال عام 2014 سجلت اجمالى الاستثمارات الاجنبية بمشروعات البحث والتنقيب والانتاج 7.5 مليار دولار خلال 2014/ 2015، و6.6 مليار دولار خلال 2015/ 2016، واستمرت فى الدوران حول تلك المستويات، الى أن كسرت حاجز 7 مليار دولار مجددا مسجلة 7.3 مليار خلال 2019/ 2020.
ثم تراجعت قيمتها بسبب الاوضاع العالمية خلال جائحة كورونا وما تبعها من انخفاض جنونى باسعار البترول والغاز العالمية لتصل الى 5.4 مليار خلال العام المالى 2020/ 2021، و5.7 خلال 2021/ 2022، وتحافظ الاستثمارات الاجنبية على مستويات مرتفعة حاليا، وسط توقعات وأمال بإنتعاشة مرتقبة فى مشروعات التنقيب بالبحرين المتوسط والاحمر.
وتستهدف الحكومة، ممثلة فى وزارة البترول الوصول الى 8 مليار دولار استثمارات اجنبية بمشروعات البحث والتنقيب والانتاج خلال العام الحالى 2023.
