كيف حافظت البنوك المحلية على ربحيتها؟

أرجع عدد من الخبراء والمحللين المصرفيين استمرار البنوك المحلية فى تحقيق معدلات ربحية مرتفعة فى الوقت الذى تتكبد فيه نظيرتها العالمية خسائر فادحة

Ad

أرجع عدد من الخبراء والمحللين المصرفيين استمرار البنوك المحلية فى تحقيق معدلات ربحية مرتفعة فى الوقت الذى تتكبد فيه نظيرتها العالمية خسائر فادحة، إلى ارتفاع أسعار الفائدة والذى يمثل عامل الحسم الذى أسهم فى تعزيز ربحية البنوك العاملة فى السوق المصرية.

وأضافوا، لـ «المال» أن أرباح البنوك المحلية جاءت مدفوعة باستمرار توظيف البنوك لفائض السيولة لديها فى أدوات الدين الحكومية ، لافتين إلى أن الاعتماد على التكنولوجيا فى العمل المصرفى أسهم، من جهة أخرى، فى خفض تكاليف التشغيل، والذى انعكس إيجابًا على معدلات الربحية.

وأشاروا إلى أن المصارف العالمية تكبدت خسائر كبيرة خاصة منذ جائحة كورونا، ثم الحرب الروسية الأوكرانية التى خلّفت آثارًا مباشرة وغير مباشرة على القطاع المصرفى فى العالم ككل.

الأزمات العالمية

قال محمد عبد العال الخبير المصرفي، إن هناك الكثير من العوامل التى أثرت سلبًا فى ربحية البنوك والمصارف العالمية خلال الفترة الأخيرة، ولعل أبرزها الأزمات الاقتصادية على الصعيد العالمي، وحالة التباطؤ والانكماش العالميين، وكذلك تداعيات أزمة كورونا.

وتكبد العديد من البنوك خسائر واسعة خلال عام 2022؛ نظرًا لارتفاع أسعار الفائدة،وعدم اليقين فى أسعار الصرف، والانخفاض الحاد فى مؤشرات الأسهم وتأثر أسواق السندات.

وأضاف عبد العال أن الحرب الروسية الأوكرانية خلّفت آثارًا مباشرة وغير مباشرة على القطاعات الاقتصادية ككل، والقطاع المصرفى بشكل خاص.

تكبدت البنوك فى جميع أنحاء روسيا مجتمعة خسائر بلغ إجماليها 24.95 مليار دولار (1.5 تريليون روبل) فى النصف الأول من عام 2022.

ولفت عبد العال إلى أن البنوك الخارجية تتكبد خسائر نظرًا لكونها مؤسسات كبرى، وأكثر عرضة للمخاطر، وبالتالى تؤثر فيها الأزمات بشكل كبير، موضحًا أن معدلات الفائدة المرتفعة تؤثر سلبًا على أرباح البنوك، كما أن أحجام الأصول عادة ما تكون محدودة خلال الأزمات.

خفض المخصصات والقروض الدولارية

أوضح هانى جنينة الخبير المصرفى والمحاضر الاقتصادي، أن %50 من أصول البنوك مستثمرة فى أدوات حكومية، وذلك عن طريق اقتراض مباشر للحكومة أو الهيئات الحكومية المختلفة، ومن ثم تدر هذه الأصول عائدًا كبيرًا.

وأضاف «جنينة» أن بعض البنوك المحلية خفضت من مخصصاتها، لا سيما وأن البنوك الأجنبية كانت متحفظة بعض الشيء فيما يتعلق بالإقراض وخلافه، كما كان لديها نسب تعثر منخفضة جدًا، ونسب كفاية رأس مال مرتفعة.

والمخصص هو كل مبلغ يستقطع من الإيرادات من أجل مقابلة إهلاك (النقص فى قيمة الأصل) أو تجديد الأصول الثابتة أو مقابلة نقص فى قيمة أى أصل من الأصول، أو بهدف مقابلة التزام أو خسائر يمكن التعرف عليها ولا يمكن تحديد قيمتها بدقة.

وأشار«جنينة» إلى أن تخفيض المخصصات ينعكس إيجابًا على الأرباح، لافتًا إلى أن البنوك الحكومية أو بنوك القطاع الخاص، سواءً كان قطاع خاص مصرى أو أجنبى عملت على تعزيز إقراضها للحكومة، وهو الذى ساعدها على تحقيق معدلات ربح مرتفعة، خاصة فى ظل الارتفاعات المتوالية فى معدلات الفائدة.

وذكر أن إعادة تقييم القروض الدولارية،وكذلك إيراداتها والفوائد المتحصل عليها بالعملة الصعبة أسهمت هى الأخرى فى تعزيز أرباح البنوك المصرية،لا سيما فى ظل اختلاف أسعار الصرف حاليًا عما كانت عليه فى السابق.

يأتى هذا فى الوقت الذى تراجعت فيه القيمة السوقية الإجمالية لأكبر 25 بنكًا عالميًا بنسبة %14.4 لتصل إلى 3.2 تريليون دولار أمريكى خلال 31 مارس 2022 (الربع الأول من عام 2022)،وفقًا لما توصلت إليه شركة GlobalData المتخصصة فى مجال تحليل البيانات والأبحاث.

وشملت قائمة البنوك التى تكبدت خسائر كبرى: تشارلز شواب، وبنك أوف أمريكا، وبنك كومنولث الأسترالي، وويلز فارجو، وجيه بى مورجان تشيس.

رفع الفائدة

أما أيمن ياسين الخبير المصرفي، فذهب إلى أن البنوك الأمريكية كان لديها أحجامًا كبرى من السيولة،ولكنها فى الوقت ذاته لم تعد قادرة على الإقراض؛ نظرًا لأن تكلفة الأموال صارت مرتفعة، وبالتالى أحجمت أفراد وقطاعات عن الاقتراض من البنوك.

ورفع الفيدرالى الأمريكى أسعار الفائدة 8 مرات خلال العام الماضي؛ وذلك لمواجهة التضخم الذى سجل مستويات قياسية خلال عقود فى العام الماضي.

وأضاف «ياسين» أن هذه العوامل أثرت سلبًا على معدلات ربحية البنوك العالمية، لكن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة للبنوك المحلية.

لماذا تحقق البنوك المحلية أرباحًا متوالية؟

وأرجع « ياسين» استمرار البنوك المحلية فى تحقيق المكاسب والأرباح المرتفعة فى ظل حالة التباطؤ الاقتصادى وسياسات الانكماش العالمية إلى كون الحكومة هى المقترض الأكبر من هذه البنوك.

وارتفع الائتمان المحلي،حسب أحدث بيانات البنك المركزي، إلى 8.076 تريليون جنيه بنهاية يناير الماضي،مقارنة بـمبلغ 7.617 تريليون نهاية ديسمبر 2022.

وأظهرت بيانات البنك المركزى المصرى ارتفاع إجمالى أرصدة الائتمان المحلى بالبنوك العاملة بالسوق المصرى 218.142 مليار جنيه خلال عام كامل؛ حيث سجلت 8.076 تريليون خلال يناير الماضي،مقابل 5.8948 تريليون نهاية يناير 2022، مسجلة نسبة نمو قدرها %37.

وذكر «ياسين» أن الحكومة والقطاع الخاص كليهما مستمران فى الاقتراض، لافتًا إلى أن البنوك العالمية لديها معدلات سيولة مرتفعة ولكن لديها فى المقابل منتجات فى الأسواق، بيد أن الأمر بالنسبة للبنوك المحلية معكوسًا، فمعدلات السيولة مرتفعة ولكن ثمة شح فى المعروض من المنتجات.

وارتفع حجم السيولة المحلية «M2» إلى نحو 7.737 تريليون جنيه بنهاية يناير 2023 مقابل نحو 7.402 تريليون بنهاية ديسمبر 2022، وذلك حسب بيانات البنك المركزى المصري.

وتتكون السيولة المحلية من المعروض النقدى M1 أو ما يعرف بكمية وسائل الدفع الجارية، وأشباه النقود.

واستحوذ أكبر 10 بنوك على 78.29 % من أرباح القطاع المصرفي؛ حيث سجلت 73.125 مليارجنيه بنهاية سبتمبر 2022، وذلك حسب بيانات صادرة عن البنك المركزى المصري.

وسجل صافى أرباح البنوك بالقطاع المصرفى نحو 93.396 مليار جنيه بنهاية سبتمبر 2022، مقابل 56.8 مليار بنهاية يونيو الماضي،وسجل إجمالى أصول القطاع المصرفى بخلاف البنك المركزى 10.823 تريليون جنيه بنهاية سبتمبر 2022.

وأشار تقرير البنك المركزى إلى أن المركز المالى الإجمالى لأكبر 10 بنوك، بخلاف البنك المركزي، سجل 8.432 تريليون جنيه بنهاية سبتمبر 2022.

العوائد وتكاليف التشغيل

وفى السياق ذاته ذهب هانى أبو الفتوح الخبير المصرفي، إلى أن أرباح معظم البنوك كانت مدفوعة بارتفاع الفائدة، لا سيما وأن عام 2022 كان عام رفع الفائدة بامتياز.

ورفع البنك المركزى الفائدة بواقع %8 خلال العام الماضي؛ منها %1 فى 21 مارس فى اجتماع استثنائى للجنة السياسة النقدية، ثم أقر زيادة أخرى %2 فى مايو ، لمواجهة الصدمات السعرية بسبب التبعات السلبية للحرب الروسية الأوكرانية على الأوضاع الاقتصادية العالمية.

وقرر البنك المركزى خلال اجتماعه الاستثنائى 27 أكتوبر الماضى رفع سعر الفائدة على عائدى الإيداع والإقراض لليلة واحدة، ورفع سعر العملية الرئيسية للبنك المركزى بواقع 200 نقطة أساس ليصل إلى %13.25 و%14.25 و%13.75 على نفس الترتيب، وتم رفع سعر الائتمان والخصم بواقع 200 نقطة أساس إلى %13.75.

واختتم «المركزي» عام 2022 برفع أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزى بواقع 300 نقطة أساس ليصل إلى %16.25، %17.25 و%16.75 على الترتيب، كما تم رفع الائتمان والخصم بواقع 300 نقطة أساس ليصل إلى %16.75.

وذكر «أبو الفتوح» أن البنك مؤسسة مالية مثل أى مؤسسة أخرى، هدفها تحقيق الربح، ومن أجل ذلك قد تلجأ إلى الكثير من السبل والإجراءات، موضحًا أن الاعتماد على التكنولوجيا قد يكون أحد عوامل خفض تكاليف التشغيل، وهو الأمر الذى ينعكس إيجابيًا على معدلات الأرباح.

يقدر البنك الدولى الذى يتخذ من واشنطن مقرًا له أنه من غير المرجح أن يتجاوز النمو العالمى %1.7 فى عام 2023، متوقعا أن يكون التباطؤ الاقتصادى خلال العام الجارى واسع النطاق.

وفى مطلع يناير الماضي، قالت المديرة العامة لصندوق النقد الدولى كريستالينا جورجيفا،:«العام الجديد سيكون أكثر صعوبة من العام الذى نتركه وراءنا».