مذكرات مواطن مهموم (179)

ويقول خبير أمريكى إن الغالب أن الجيش الروسى ما زال يفتقر إلى القدرات والمهارات اللازمة لإنجاح هجوم واسع النطاق، وأضاف محذرًا

Ad

الحرب بعد سنة

أترك مؤقتًا تجربتى مع الإعلام الفرنسى لأحاول ذكر بعض جوانب حصاد أول سنة حرب روسية أوكرانية.

الموقف حمّال أوجه. من ناحية روسيا نجحت فى الاستيلاء على %15 من الأراضى الأوكرانية، وتمارس ضغطًا مستمرًّا للاستيلاء على مزيد من الأراضي. من ناحية أخرى لم تحقق روسيا أيًّا من أهدافها الأصلية؛ أى لم تبلع كل أوكرانيا ولم تُسقط النظام، ولم تنجح حتى فى إحكام السيطرة على الدونباس، وغزوها البربرى كلّفها خسائر هائلة فى المُعدات والأرواح، بين الخسائر على الجبهة والهجرة الجماعية لمئات الآلاف من أبنائها.

وحتى لو نجحت روسيا فى تحقيق أهدافها أو بعضها - وأشكُّ جدًّا فى هذا - فإن التكلفة الإستراتيجية للحرب باهظة، دولتان هامّتان فى طريق الانضمام إلى «الناتو»، نفوذ روسيا وهيمنتها على القوقاز تراجعا لصالح تركيا، نفوذها فى آسيا تراجع لصالح الصين، فعالية سلاح الطاقة/ المواد الأولية تضاءلت، وسلوك روسيا أجبر ألمانيا وفرنسا على فك ارتباطهما بموسكو، تبدو روسيا كأنها بائع اعتدى على أحسن زبائنه. وبسببه فإن روسيا «فقدت» الشعب الأوكرانى لما لا يقل عن خمسين سنة، وقوت الأجنحة والفرق الغربية التى ترى أن موسكو لا تفهم إلا لغة القوة. ولا أتكلم عن تأثير العقوبات لأن الخبراء يختلفون بشدة حول هذا الموضوع.

الخبراء الفرنسيون يرون أن المصانع الحربية الروسية نجحت فى التكيف بعد ثلاثة أشهر من بداية الغزو، البريطانيون يرون أن هذه المصانع تمر بأزمة حادة، فلا هى قادرة على إنتاج الذخائر ولا الدبابات اللازمة ولا الطيارات المسيَّرة... إلخ.

وفى المقابل نعرف أن الغرب يواجه المشكلة نفسها، فمصانعه الحربية عاجزة عن إنتاج الأسلحة والذخائر التى تحتاج إليها أوكرانيا، الاستهلاك الأوكرانى من الذخائر أكبر بكثير من قدرات الغرب الإنتاجية، ومن ثم يقل المخزون بسرعة مَهولة،

الاستهلاك الأوكرانى مرتفع لأسباب متعددة؛ منها تكتيكات ميليشيات «فاجنر» التى ترسل أفواجًا متتالية من الجنود- أغلبهم أُخرجوا من السجون- لاجتياح المواقع الأوكرانية، وتسفر الهجمات عن مئات من القتلى فى صفوف المعتدين، ولكنه يسمح لقوات «فاجنر» المدرَّبة والتى لم تشارك فيه بمشاهدة التكتيكات الأوكرانية والتعرف على نقاط قوة ونقاط ضعف الدفاعات.

الخبراء عاجزون عن الاتفاق حول مسألة تحديد المستفيد من إطالة الحرب، الرئيس بوتين يعتقد أن الوقت يلعب لصالح روسيا؛ لأنه يراهن على تململ الغرب وانهيار روح الأوكرانيين المعنوية، يرى أغلب الخبراء رأيه، ولكن أقلية ترى أن الوقت يلعب لصالح أوكرانيا؛ لأن عددًا يزداد من جنودها يتدرب على استخدام الأسلحة الغربية وعلى تطبيق التكتيكات الغربية، ويسمح لجيشها بتملك عدد كبير من هذه الأسلحة.

الخبراء يتوقعون سقوط باخموت، ويختلفون حول الأهمية الإستراتيجية لهذا السقوط، أميل إلى القول الذى يرى أنه، مهما كانت أهميتها الإستراتيجية؛ تافهة أو هامة، فإنها لا تستحق الثمن الذى دفعته القوات الروسية للاستيلاء عليها.

من الواضح أن أداء الجيش الروسى تحسَّن، وأن ضباط الجبهة تعلَّموا من أخطائهم، ولكنه ليس واضحًا هل نجحوا فى توصيل «الدروس المستفادة» إلى القمة، وليس واضحًا إن كانت هذه الخبرات المكتسبة قادرة على تعويض قلة أعداد ضباط الصف وصعوبات الإمداد، ولا نعرف مدى تأثير الرئيس بوتين- الجاهل بالأمور العسكرية- على التخطيط والتنفيذ. يبدو من الصعب تصديق أن الفريق أول جيراسيموف اشترك فى وضع الخطة الأصلية التى فشلت فشلًا ذريعًا؛ لأن هذه الخطة تجاهلت أصول الحرب ودروس الحروب السابقة.

ويقول خبير أمريكى إن الغالب أن الجيش الروسى ما زال يفتقر إلى القدرات والمهارات اللازمة لإنجاح هجوم واسع النطاق، وأضاف محذرًا أننا لا نعرف إن كان الجيش الأوكرانى يملكها، فالنجاح فى خيرسون يعود أساسًا إلى النجاح فى قطع خطوط الإمداد الروسية، والنجاح فى خاركييف يفسره الضعف البالغ للدفاعات الروسية فى هذه المنطقة.

* أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية