قال عدد من الخبراء والمصرفيين إن هناك أسبابا التى أدت إلى تباطؤ البنوك فى منح وترتيب القروض المشتركة، تتمثل فى رفع سعر الفائدة (بواقع %8) خلال عام 2022،بالإضافة إلى تقلبات سعر الصرف، وتفشى حالة عدم اليقين على الصعيد الاقتصادى العالمى فى الفترة الأخيرة.
وأضافوا أن الأمر يتوقف أيضًا على ماهية القطاعات التى يتم ترتيب القروض المشتركة من أجلها،موضحين أن القطاعات الاستراتيجية لا تعانى نقصًا فى معدل الإقراض،وكذلك الحال بالنسبة للمشاريع التى لا يدخل فيها مكون دولارى.
وعلى الرغم من حالة التراجع المذكورة أعلاه، فقد ارتفعت محفظة القروض المشتركة فى معظم البنوك تقريبًا، لكن نمو المحفظة لا يعنى تسارع القطاع فى ترتيب القروض المشتركة، فالأمر مرهون فى النهاية بمعدل نمو المحفظة، وعدد القروض التى يتم ترتيبها.
قال رئيس مجلس إدارة أحد البنوك، إن مصرفه قرر خلال الفترة الأخيرة، إرجاء القروض المشتركة التى كان يعتزم المشاركة فى ترتيبها؛ نظرًا لظروف السوق غير المستقرة، على حد وصفه.
وأضاف أن ملامح السوق غير واضحة،كما أن ثمة حالة من الغموض وعدم اليقين للاقتصاد العالمى بشكل عام، وهى الأمور التى تتضافر جميعها لدفع مصرفه إلى تأجيل الدخول فى قروض مشتركة خلال الفترة المقبلة.
شهية البنوك للمخاطرة
أوضح محمد عبد المنعم الخبير المصرفي،أن القروض المشتركة تحكمها عدة عوامل أبرزها شهية البنوك للمخاطرة، بالإضافة إلى نوع القرض ذاته.
والقروض المشتركة هى قروض كبيرة الحجم نسبيًا، ويتم تنظيمها لصالح جهة أو مقترض معين بمشاركة مجموعة من البنوك والمؤسسات التمويلية،بقيادة بنك أو مصرف معين يقوم بدور مُرتب التمويل وإدارته بالشكل الأمثل.
وأشار «عبد المنعم» إلى أن آجال القروض المشتركة عادة ما تكون طويلة،ومن ثم قد تحجم البنوك عنها،لا سيما فى ظل ارتفاع معدلات الفائدة.
موضحًا أن القطاع المصرفى إذا أراد أن يلجأ إلى الإقراض فعادة ما يقدم لعملائه من الشركات – فى حال القروض المشتركة – تسهيلات بعائد أعلى من الكوريدور بواقع 1 أو %2.
ويصل سعر الفائدة على الإيداع والإقراض وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزى إلى %16.25، %17.25، و%16.75، على الترتيب.
والكوريدور Corridor System هو عبارة عن إطار تشغيلى جديد لتنفيذ السياسة النقدية،ويشمل هذا النظام سعرين للعائد لليلة واحدة فى تعاملات البنك المركزى مع البنوك أحدهما للإيداع والآخر للإقراض.
ويمثل سعرعائد الإيداع الحد الأدنى لسعر الفائدة بالـ Corridor، بينما يمثل سعر عائد الإقراض الحد الأقصى له.
وأوضح محمد عبد المنعم الخبير المصرفي، أن من الأسباب التى أدت إلى انخفاض عدد أو كمية القروض المشتركة الممنوحة من البنوك خلال الفترة الماضية كون كثير من الشركات عملت على تأجيل عملياتها التوسعية؛ نظرًا لمعدلات الفائدة المرتفعة.
شهادات %25
وبيّن أن شهادات %25 لم تكن ذات أثر حاسم فيما يتعلق بانخفاض أعداد القروض المشتركة؛ إذ أنها موجهة لقطاع الأفراد فى المقام الأول،فى حين يتم توجيه القروض سالفة الذكر للشركات الكبرى.
وأصدر بنكا الأهلى ومصر، 4 يناير الماضي، شهادة بعائد %25 يصرف سنويًا، و%22.5 يصرف شهريًا،وبعدها تسابقت البنوك لطرح شهادات مرتفعة العائد على غرار هذين البنكين.
وكان البنك التجارى الدولى أول من اتخذ الخطوة بعد «الأهلي» و«مصر»؛حيث أصدر شهادة ادخار لمدة عام ونصف بعائد ثابت %20، يصرف شهريا، و%22.5 يصرف عند الاستحقاق.
ثم تبعه بنك قطر الوطنى فأصدر شهادة ادخارية جديدة للأفراد لمدة سنة ونصف بعائد سنوى يصل إلى %20 يصرف شهريًا ، و22.5 % يصرف عند الاستحقاق.
وكان بنك القاهرة آخر البنوك التى لحقت بهذا السباق؛إذ أصدر خلال الأيام القليلة الماضية،شهادة جولد،ومدتها سنة،بعائد يصل إلى %25 يُصرَف فى نهاية مدة الشهادة،أو بعائد يبلغ %22.5 يُصرَف شهريًّا،ويبدأ الاكتتاب فى هذه الشهادة بفئة الألف جنيه ومضاعفاتها.
وطرح بنك المشرق شهادة سنوية جديدة، بعائد %22.5 يصرف شهريًا، وكذلك فعل البنك العربى الأفريقى الدولى.
السياسة النقدية الانكماشية
أما محمد البيه الخبير المصرفي، فعلل انخفاض عدد القروض المشتركة من قبل البنوك خلال الفترة الأخيرة، بكون البنك المركزى اعتمد منذ فترة سياسة نقدية انكماشية، وهو الأمر الذى ينعكس بطبيعة الحال على أداء نشاط الإقراض بشكل عام، ومن ضمنه القروض المشتركة.
وأضاف أنه من ضمن مستهدفات هذه السياسة النقدية التشديدية العمل على سحب وتقليل معدلات السيولة من السوق، وبالتالى تلجأ إلى رفع الفائدة؛ من أجل تقليل المعروض من العملة المحلية،ومن ثم العمل على كبح جماح التضخم.
وأوضح «البيه» أن الفائدة المرتفعة تدفع المقترضين إلى التريث قبل الإقدام على خطوة الحصول على تسهيل أو قرض مشترك من البنوك،لافتًا إلى أن أزمة نقص المعروض من العملة الأجنبية،وانخفاض معدلات التنازل عن الدولار، كلها أمور تؤثر سلبًا على نشاط القروض المشتركة.
وأفاد أن بعض الشركات تتقدم أحيانًا للحصول على قرض مشترك،ولكنه يتطلب فى ذات الوقت مكونًا دولاريًا، أو توفيرًا للدولار فى الحال، وهو ما قد يكون خارجًا عن قدرة بعض البنوك، ومن ثم تتعطل عملية منح الائتمان.
وعلى الجهة المقابلة، لفت إلى أن الاستثمار غير المباشر، مثل شراء الأسهم فى البورصة أصبح جاذبًا جدًا، إذ أن سعر الأسهم صار منخفضًا جدًا،موضحًا أنه من الممكن عبر مبلغ دولارى بسيط شراء عدد كبير من الأسهم.
مبادرة الصناعة %11
وبسؤاله عن إمكانية إسهام مبادرة الصناعة %11 فى إعادة تنشيط القروض المشتركة، استبعد «البيه» هذا الاحتمال، معللًا وجهة نظره بكون حجم الائتمان الممنوح لكل شركة صغير جدًا.
وأعلن مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزارء مؤخرًا، إطلاق مبادرة تمويل قطاعى الصناعة والزراعة بفائدة %11.
وتبلغ قيمة التمويلات المقدمة ضمن المبادرة 150 مليار جنيه، منها 140 مليار جنيه لتمويل عمليات رأس المال العامل، ونحو 10 مليارات لتمويل شراء السلع الرأسمالية، لمدة 5 سنوات تبدأ فور الموافقة عليها من مجلس الوزراء.
وأوضح «البيه» أن الشركات التى تلجأ إلى القروض المشتركة عادة ما تطلب مبالغ أكبر بكثير من الـ 150 مليون المقرر ضمن المبادرة.
وحدد مجلس الوزراء حجم الائتمان المتاح لكل شركة فى ضوء حجم أعمالها والقواعد المصرفية المنظمة،على أن لا يتجاوز الحد الاقصى المستخدم المسموح به لكل شركة مبلغ 75 مليون جنيه، ونحو 150 مليون جنيه الحد الأقصى للعملاء المرتبطين، شريطة أن تكون معاملات كل شركة مع بنكين بحد أقصى من البنوك المشاركة بالمبادرة.
ولم تدخل المبادرة حيز التنفيذ بعد، ولم تبدأ البنوك فى تقديم التسهيلات ضمن هذه المبادرة،إذ لم يعتمد البنك المركزى المصرى الاشتراطات اللازمة من أجل تقديم التسهيلات ضمنها.
القطاعات الاستراتيجية
و أشار هانى حافظ الخبير المصرفي،إلى أن القروض المشتركة قروضاعملاقة، ترتبط عادة بالاستثمار فى قطاعات معينة، وفى الغالب ترتبها بنوك كبرى.
وأضاف«حافظ»أن دخول المكون الدولارى فى قرض من القروض لا يؤدى إلى إرجائه مباشرة،وإنما يخضع الأمر للأولويات العامة التى تنتهجها الدولة فى هذا الصدد،موضحًا أن الأولوية الآن للمواد الخام والسلع الاستراتيجية ثم السلع الغذائية، والأدوية.
وعلى صعيد ارتباط القروض المشتركة بشهية البنوك للمخاطرة، فقد ذهب «حافظ» إلى أنه من العسير المزاوجة بين هذه النوعية من القروض وبين المخاطر، موضحًا أن المخاطرة مرتبطة بقطاعات بعينها.
