أوضح عدد من الخبراء المصرفيين أن تخفيض البنوك المركزية حصة الدولار كمكون فى احتياطياتها الدولارية، كان نتيجة غير مباشرة لتضافر عدة عوامل أبرزها دخول اليورو كمنافس قوى، بالإضافة إلى معاودة الاتجاه إلى الذهب كمخزن للقيمة.
وأضافوا لـ «المال»،أن تنويع محفظة الاحتياطى النقدى كانت نوع من التحوط ضد المخاطر المستقبلية المحتملة المرتبطة بالدولار،فى حين أشار بعضهم إلى وجود بعض الاختلالات على صعيد الاقتصاد الكلى الأمريكى، وارتفاع الدين المحلى هناك، ليصل إلى 31 تريليون دولار، ومن ثم جاءت خطوة المصارف المركزية العالمية مدفوعة بهذه العوامل.
وأفادوا أن بعض الدول تحاول الخروج من هيمنة الاقتصاد الأمريكى،لاسيماوأن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على تصدير مشاكلها مثل التضخم إلى الخارج.
وأكد آخرون أن ضبط الميزان التجارى يعد العامل الحاسم فى حل مشكلة الارتباط بالعملة الأمريكية، مشددين على أنه إذا كان لدى أى دولة فائض كافٍ من السلع والخدمات التى تصدرها للخارج، فلن تكون تحت وطأة العملة الخضراء أوأيةعملة أخرى مهما كانت.
وأشار تقرير عن «مستقبل النظام النقدى» الصادر عن معهد الأبحاث التابع لبنك «كريدى سويس»،إلى أن الدولار فى السبعينيات كان يمثل %80 من الاحتياطيات العالمية،بينما وصل فى 2022 إلى مستوى %58.8 فقط، وهو أدنى مستوى فى 20 عامًا.
محمد عبد العال: التغيرات الجيوسياسية دفعتها إلى الذهب كملاذ آمن
قال محمد عبد العال الخبير المصرفى،إن أكبر حصة من المعاملات الدولية تتم بالدولار،معللًا ذلك بطائفة من الأسباب أبرزها أن معظم أرصدة البنوك المركزية بالدولار، ناهيك عن كون المقاصة الدولية تتم بالعملة ذاتها.
وأضاف أن الدولار مقياس أومخزن للقيمة،ومن ثم من المنطقى أن يستحوذ على كل هذه الحصة من المعاملات الدولية.
ورأى «عبد العال» أن التراجع فى الاعتماد على الدولار ليس ناجمًا عن ضعف الثقة فى العملة الأمريكية،وإنما نتيجة لدخول كتل اقتصادية دولية قوية مثل الصين كلاعب رئيسى فى حلبة الاقتصاد،ناهيكعن كون حصة الصين فى التجارة الدولية خفضت الاعتماد على الدولار.
أما تقرير وحدة أبحاث بنك «كريدى سويس» فأرجع هذا التراجع فى نسب الدولار كمكون من الاحتياطى النقدى لدى البنوك المركزية فى العالم،إلى فقدان الثقة فى الاقتصاد الأمريكى فى ظل ارتفاع معدلات التضخم،ووجود عجز ضخم فى الميزانية الأمريكية،والذى يُقدر بحوالى 1.3 تريليون دولار، ناهيك عن ارتفاع الدين العام الأمريكي؛ حيث سجل 31 تريليون دولار، وهو ما يشكل %121.5 من حجم الناتج المحلى الإجمالى.
لكن محمد عبد العال الخبير المصرفى، يذهب إلى أن ثمة أسباب أخرى تقف خلف هذا التراجع،منها مثلًا سعرالفائدة، ناهيك عن قيام البنوك المركزية بحساب المخاطر، فإذا كانت هناك مخاطر عالية مرتبطة بعملة معينة،فمن الطبيعى أن تلجأ المصارف المركزية إلى العملات ذات معدلات مخاطر أقل.
الذهب كملاذ آمن
ولفت «عبد العال» إلى أن الذهب كان هو الآخر عاملًا مؤثرًا من العوامل التى أسهمت فى لجوء البنوك المركزية إلى خفض احتياطياتها من الدولار، موضحًا أن التغيرات الجيوسياسية فى كل أنحاء العالم دفعت المصارف المركزية إلى اللجوء إلى الذهب كملاذ آمن أخير.
وسجل احتياطى مصر من الذهب 7.77 مليار دولار بنهاية يناير الماضى،مقابل 4.20 مليار دولار فى الشهر ذاته من العام السابق،بزيادة قدرها 3.56 مليار دولار، بنسبة نمو قدرها %84.89 خلال 13 شهرًا (من يناير 2022 إلى يناير 2023).
كان مجلس الذهب العالمى،قد قال فى تقرير له صدر خلال مايو 2022، إن البنك المركزى المصرى اشترى 44 طنًا من الذهب خلال شهر فبراير 2022،ليرتفع إجمالى ما يملكه بنسبة %54 ليصل إلى 125 طنًا، وبذلك يعادل %17 من إجمالى الاحتياطيات المصرية، كما أنها النسبة الأعلى بين دول المنطقة.
وذكر عبد العال أن الاحتياطى النقدى لدى البنك المركزى المصرى يتكون من سلة من العملات، هى: الدولار، اليورو، الين اليابانى، ثم الفرنك السويسرى.
وأشار إلى أن دخول الاتحاد الأوروبى ككتلة اقتصادية كبرى، وكمنافس للدولار،أدى إلى حدوث انكماش غير مستهدف فى مكونات احتياطى البنوك المركزية من الدولار،مؤكدًا أن تناقص حصة الدولار نتيجة غير مباشرة لعوامل جمة، أبرزها دخول الاتحاد الأوروبى، ومحاولة المصارف المركزية تنويع محفظة الاحتياطى النقدى لديها؛ لتكون أقدر على مواجهة المخاطر المحتملة.
ويعرّف احتياطى النقد الأجنبى Foreign exchange reserves بكونه عبارة عن الودائع والسندات من العملة الأجنبية فقط التى تحتفظ بها المصارف المركزية والسلطات النقدية،ولكنه يشمل فى الاستخدام الشائع صرف العملات الأجنبية والذهب.
ويحتفظ بالأصول فى المصرف المركزى بمختلف احتياطى العملات،ومعظمهما من الدولار الأمريكى،ومنها باليورو ،والجنيه الإسترلينى، والين اليابانى.
الروبل الروسي
واستبعد عبد العال أن يكون لقرار البنك المركزى الروسى الخاص بإدراج الجنيه ضمن العملات الرسمية تأثير حاسم، موضحًا أن كل ما فعله «المركزى الروسى» هو إدراج الجنيه ضمن قائمة التسعير لديه.
وأدرج البنك المركزى الروسى الجنيه المصرى ضمن أسعار الصرف الرسمية مقابل الروبل.
وقال البنك المركزى الروسى 19 يناير الماضى،إن قائمة العملات الأجنبية التى يحدد سعرها رسميا مقابل الروبل تضمنت الآن 9 عملات هى الجنيه المصرى والدرهم الإماراتى والبات التايلاندى والروبية الإندونيسية،إلى جانب عملات أخرى سيتم تضمينها تشمل، الدونج الفيتنامى والدينار الصربى والدولار النيوزيلندى واللارى الجورجى والريال القطرى، وفقا لوكالة أنباء «سبوتنيك» الروسية .
وأوضح «عبد العال»، أن هذه الخطوة لن تكون ذات أثر حاسم، إذ أن الميزان التجارى بين مصر وروسيا يصل إلى حوالى 4 مليارات دولار، وهو لصالح لروسيا.
الأطر التاريخية
وفى ذات السياق أكد هانى جنينة الخبير الاقتصادى والمحاضر بالجامعة الأمريكية،أنه من المهم وضع مسألة تراجع الدولار كمكون من احتياطى النقد الأجنبى فى البنوك المركزية من %80 إلى %58.8 فى إطاره التاريخى الصحيح.
وأضاف أن الدولار منذ أوائل القرن الماضى إلى أوائل السبعينات، كان هو العملة الرئيسية المرتبطة بالذهب، فى حين كانت بقية العملات الأخرى مثبتة للدولار، بمعنى أنه كان بإمكان أى دولة أخرى لديها دولار كاحتياطى نقدى يمكنها أن تطلب من الفيدرالى الأمريكى أن يحوّل لها هذه العملة إلى ذهب.
هانى جنينة: انخفض كمكون من «النقدى» نتيجة لتنامى دور اليورو
وتابع أنه منذ أوائل السبعينات تم التخلى عن غطاء الذهب؛ نظرًا لارتفاع معدلات طباعة النقود فى الولايات المتحدة،ثم اتجه العالم إلى تحرير سعر الصرف، لافتًا إلى أن عملة اليورو بدأت فى الظهور خلال التسعينات،على إثر ذلك بدأت الدول تتأهب للانضمام لمنطقة اليورو،وبعدها أطلق اليورو كعملة موحدة.
الاحتياطى النقدى والميزان التجاري
وأشار إلى أن اليورو بدأ يدخل كعملة رئيسية فى مكون الاحتياطى النقدى لدى الكثير من دول العالم، كما أن اليورو هو ثانى أكبر عملة متداولة بعد الدولار عالميًا، موضحًا أن اليوان الصينى يدخل هو الآخر كمكون من مكونات الاحتياطى النقدى، ولكنه لا يستخدم إلا من قبل الدول الناشئة، وهى ذاتها الدول التى لديها علاقات اقتصادية وطيدة مع الصين كشريك تجارى.
ولفت إلى أن بعض الدول فى آسيا يتكون الاحتياطى النقدى لديها من اليوان الصينى، وهناك أيضًا ما يسمى باتفاقية مبادلة العملات SWAP بين البنوك المركزية، مشيرًا إلى أن مصر لديها اتفاقية لمبادلة العملة الصينية مع العملة المصرية بقيمة 2.6 مليار دولار،غير أنه لم يتم استخدامها حتى الآن،وهو ضمن الاحتياطى النقدى المصرى.
وسجل احتياطى مصر من النقد الأجنبى 34.224 مليار دولار فى يناير الماضى،مقارنة بـ 34.003 مليار دولار ديسمبر 2022، بزيادة قدرها 221 مليون دولار، وفقًا لبيانات البنك المركزى.
وأكد «جنينة» أن الدولار انخفض كمكون من الاحتياطى النقدى نتيجة لتنامى دور اليورو،وليس لانخفاض أو تراجع دور الولايات المتحدة الأمريكية على الصعيد العالمى.
وأوضح أن المشكلة الأساسية ليست فى الدولار، ولا فى أى عملة أخرى يتم التداول بها، وإنما الأساس فى وجود فائض من السلع والخدمات يتم تصديره بأى عملة من العملات وليس شرطًا أن تكون العملة الأمريكية، ذاك هو الحل الجذرى لحل أزمة نقص العملة الأجنبية.
وأشار إلى أن الفكرة الأساسية فى وجود فائض من السلع والخدمات التى تصدره الدول ويمكنها بناءً على ذلك، جلب العملات الأجنبية أيًا كانت ماهيتها، مؤكدًا أن ضبط الميزان التجارى هو العامل الأساسى فى المسألة كلها، فإن تمت هذه الخطوة فسوف تحل المشكلة.
تذبذب أسعار الصرف واختلالات الاقتصاد الأمريكي
وعلى خلاف الرأيين السابقين، أكد ماجد فهمى رئيس بنك التنمية الصناعية سابقًا، أن تخفيض البنوك المركزية فى العالم من حصة الدولار كمكون من مكونات احتياطياتها النقدية محاولة للخروج من سيطرة العملة الخضراء.
وأضاف أن الولايات المتحدة الأمريكية تحاول تصدير أزماتها عبر الدولار مثل التضخم وخلافه؛ومن ثم كانت خطوة المصارف المركزية العالمية منطقية من هذا المنظور.
ماجد فهمى: الخطوة تعكس محاولة للتحوط ضد احتمالات مستقبلية لتذبذب العملة الخضراء
ويتفق رأى «فهمى» مع ما ذهب إليه تقرير «كريدى سويس» الذى ذكر أن «الاختلالات فى الاقتصاد الكلى قد زادت بشكل كبير،كما تصاعدت التوترات الجيوسياسية فى السنوات الأخيرة، وتزايدت احتمالية التخلى عنالدولار الأمريكيعلى نطاق واسع».
وأشار رئيس بنك التنمية الصناعية سابقًا، إلى أن هذه الخطوة المتخذة من قبل بعض البنوك المركزية تعكس محاولة للتحوط ضد احتمالات مستقبلية لتذبذب الدولار،لافتًا إلى أن قوة أداء الدولار صار مشكوكًا فيها الآن، وهذا خلاف ما كان عليه الأمر فى الماضى.
تعزيز الاحتياطى بالذهب
ومن جانبه أفاد هانى أبو الفتوح الخبير المصرفى،أن دول العالم اتجهت منذ بداية أربعينيات القرن الماضى، إلى استخدام الدولار كعملة رئيسية فى احتياطى النقد الأجنبى،مشيرًا إلى أن الدول كانت تتجه إلى هذا المسار،أى الاحتفاظ بالدولار لأنه كان مخزنًا للقيمة.
وأضاف أن التطورات السياسية ساعدت الدولار على التواجد عالميًا اعتمادًا على قوة الاقتصاد الأمريكى ذاته، ولكن الذهب بدأ يظهر مرة أخرى كمخزن للقيمة.
وأوضح أن مصر بدأت تعزز من مكونها الاحتياطى بالذهب، ناهيك عن أن جزء من ناتج منجم السكرى يتم توجيهه لتعزيز الاحتياطى النقدى.
وأشارإلى أن العمل على تنويع محفظة الاحتياطى النقدى تحوطًا ضد المخاطر التى قد تلحق بهذه العملة؛ إذ من الممكن أن تلجأ الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات، ومن ثم تُضار الدول التى لديها حصص كبرى من مكونات النقد الأجنبى.
