اتفق خبراء مصرفيون على أن أهم التحديات التى يواجهها القطاع المصرفى المصرى، خلال عام 2023 تتمثل فى حجم السيولة الكبيرة الموجودة بالسوق وكيفية جذبها إلى البنوك، وانخفاض الطلب على الاقتراض، والعمل على تعزيز الشمول المالى.
وأضافوا - فى تصريحات لـ«المال » - أن هناك بعض الحلول لمجابهة تلك التحديات، من خلال تفعيل أدوات التحوط من المخاطر، وطرح مبادرات مدعمة لتمويل القطاعات الهامة، بالإضافة إلى طرح منتج أو وعاء ادخارى جديد يستوعب السيولة المرتفعة.
هانى حافظ: لابد من تفعيل أدوات التحوط من المخاطر
وقال هانى حافظ، الخبير المصرفى إن التحديات التى يواجها القطاع المصرفى تتعاظم نظرا لـظهور المؤشرات العالمية مصحوبة بتوقعات نمو بنسب منخفضة جدا لكافة الاقتصادات الدولية لعام 2023 مع احتمالية استمرار معدلات التضخم العالمية خلال ربعين متتالين على الأقل لعام 2023 مما يلوح فى الأفق خطر حدوث الركود التضخمى.
وشهدت وتيرة التضخم ارتفاعات متتالية غير مسبوقة مدفوعة بارتفاع الأسعار العالمية للمواد الغذائية والطاقة، وانخفاض سعر الصرف واختناقات سلاسل الإمداد ومجموعة من التحديات الهيكلية.
وتعد الأغذية والمشروبات المحرك الأكبر فى ارتفاع معدلات التضخم، وبناء عليه شرعت البنوك المركزية فيإجراءات التشديد النقدى عبر رفع أسعار الفائدةوعكس مسار السياسات التوسعية والتى أعقبت ظهور جائحة كورونا وتحولت إلى سياسات انكماشية بعد الحرب الروسية الأوكرانية، خاصة مع بدء عام 2023 دون ظهور أى بوادر للحل أو الحد من تلك التوترات الجيوسياسية، واستمرار حالة عدم اليقين وعدم تأقلم الدول العظمى مع نظام عالمى متعدد الأقطاب.
وتابع «حافظ» إنه فى ضوء ما سبق فإنه يتوجب على البنوك قياس تلك التحديات وآثارها الحالية والمتوقعة من خلال محركات القيمة والتى تتضمن العائد على الأصول المرجحة بالمخاطر (RORWA) والعائد على الأصول (ROA) ونسبة التكلفة إلى الدخل (CIR) والقروض المتعثرة كنسبة مئوية من إجمالى القروض، ومعدل نمو القروض، وكذا معدل نمو الناتج المحلى الإجمالى .
وأوضح أن تلك المحركات تساعد فى قياس الأداء المالى للبنك وتوفر نظرة فاحصة حول كفاءته التشغيلية، فضلا عن قياس جودة المحفظة الائتمانية ومن ثم تحديد مدى قدرة البنك على توسيع عمليات الإقراض وتوليد الإيرادات فى ظل الظروف الاقتصادية العامة ومدى التوقعات بإمكانية نمو الأعمال التجارية.
فى السياق ذاته، يتميز القطاع المصرفى المصرى بكونه من أقوى القطاعات المصرفية العالمية ويرجع ذلك إلى التزام البنك المركزى المصرى بتطبيق الضوابط الرقابية بشكل يتطابق مع جميع المعايير الدولية ومنها معايير بازل على سبيل المثال والتى تتضمن معيار كفاية رأس المال، وذلك بغرض تعزيز قدرة البنوك على امتصاص الصدمات والحفاظ على أموال المودعين ، فضلا عن تمتع البنوك المصرية بالمرونة الكافية بشأن أداء القروض والتسهيلات الائتمانية، وكذا قاعدة الودائع الكبيرة للعملاء.
وأشار«حافظ» إلى أن دور البنوك يتعاظم لكونها شريان الاقتصاد الوطنى، والتى تعمل على التأثير بشكل مباشر على جميع جوانب الاقتصاد، وبالتالى فإن البنوك تبحث عن المجالات المحتملة التى يمكن أن تحفز نسب النمو للاقتصاد الكلى ، خاصة وأن القطاع المصرفى على تماس مع تلك التحديات نظرا إلى موقعه ودوره فى الدورة النقدية والمالية والاقتصادية.
وتوقع أن يتجاوز التضخم النطاق المستهدف للبنك المركزى (%7 -/+( 2) ) وأن يظل ثنائى الرقم خلال السنة المالية 2022/ 2023 بسبب تأثير انخفاض قيمة العملة المحلية، والتضخم المستورد، واختناقات سلاسل الإمداد .
وتجدر الإشارة إلى حدوث تخفيف جزئى للضغوط على ميزان المدفوعاتبفضل تعافى الميزان التجارى البترولى الذى تحول إلى فائض على خلفية ارتفاع قيمة صادرات الغاز، بالإضافة إلى انتعاش قطاع السياحة، وارتفاع إيرادات قناة السويس.
واقترح «حافظ» لمجابهة التحديات القائمة والمخاطر المحتملة، تفعيل أدوات التحوط من المخاطر من خلال إصدار البنك المركزى للضوابط الرقابية الخاصة باستخدام عمليات المشتقات المالية فى سوق الصرف بهدف تقديم خدمة مالية متكاملة تتيح لعملاء البنوك التحوط ضد مخاطر تقلبات أسعار الصرف والسلع.
وأكد على تضافر جهود الحكومة والبنك المركزى المصرى بشأن النضوج الرقمى المبنى على إنتاج المعلومات (البيانات) وجمعها وحمايتها، مما يؤدى الى ظهور أسواق جديدة وفرص عمل عبر القطاعات الاقتصادية - بما فى ذلك الخدمات المصرفية.
وشدد على ضرورة العمل على زيادة صادرات مصر من الفواكه والخضراوات خلال عام 2023 مما يعزز قدرة البنوك على التوسع فى تقرير تمويلات ائتمانية للقطاع الزراعى والصناعات المرتبطة به، ويرجع ذلك إلى التغيير فى نهج الحكومة لإدارة العملة المحلية.
وأوضح أن القطاع المصرفى لا يستطيع أن يعمل منفردا ، بل يعمل بتنسيق مع أجهزة الدولة كافة وقيامها بأدوارها المنوطة، من خلال التنسيق بين أدوات السياسة النقدية والمالية، لاكتمال حلقات الاقتصاد الكلى ، مما يعزز القدرة على الاستمرار فى متابعة الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد .
عز الدين حسانين: مطلوب تطوير البنية التحتية للبنوك الصغيرة
وقال الدكتور عز الدين حسانين، الخبير المصرفى، إن ارتفاع السيولة فى السوق وبالقطاع المصرفى، أحد التحديات التى ستواجه البنوك خلال 2023 نظرا لأن شهادات الـ %18 سيحل أجل استحقاقها فى مارس وأبريل ومايو القادمين، وبالتالى سيتم طرح سيولة منها حوالى 750 مليار جنيه.
وأوضح أن السيولة خارج القطاع المصرفى، سواء من خلال الاستثمارات فى الذهب أو الدولار، فى حدود 600 مليار جنيه، وفقا للبنك المركزى، ليكون الإجمالى فى حدود تزيد عن التريليون جنيه، مما يتطلب مزيدا من الأوعية الادخارية الجاذبة للسيولة المفرطة فى السوق .
وشدد على أنه على بنكى الأهلى ومصر، وبعض البنوك الأخرى الاستعداد لمواجهة هذه السيولة من خلال طرح منتج أو وعاء ادخارى جديد، بعائد سنة ونصف أو ثلاث سنوات؛ لكى يستوعب هذه السيولة قبل أن تخرج للسوق وتتسبب فى موجة تضخمية كبيرة.
وأشار إلى أن انخفاض صافى الأصول الأجنبية بالبنوك، ووصولها إلى 15 مليار دولارتقريبا كالتزمات على البنوك للخارج يشكل تحديا آخر، موضحا أنها فى حاجة إلى ضبط مراكزها الخارجية، وتحسين المركز المالى لصافى الأصول لتتمكن من تلبية احتياجات السوق والمستوردين من الدولار.
وأضاف أن الشمول المالى، يشكل تحديا أيضا، والذى مازال يحتاج إلى المزيد من المبادرات لدمج القطاع غير الرسمى، بالقطاع الرسمى، بالإضافة إلى أن البنية التكنولوجية المالية مازالت، تحتاج إلى المزيد من التطوير والحصول على أفضل النماذج فى العالم.
وأشار إلى ضرورة تطوير البنية التحتية للبنوك الصغيرة والعمل على زيادة فروعها ورأسمالها، وتأهيل موظفيها، لافتا إلى أن السوق المصرفية ستشهد دخول بنوك خليجية جديدة وأجنبية من خلال استحواذات أو اندماجات، مما سيضع عبئا للعديد من البنوك فى المنافسة على حصص سوقية مرضية.
واقترح إصدار شهادات بالجنيه المصرى بعائد شهرى %30 لحملة الدولار فقط من المصريين بالداخل والخارج، وللأجانب المقيمين بمصر لمدة عام ونصف، بالإضافة إلى شهادة ادخار مدتها عامين بعائد %25 لحملة الدولار على أن يتم تثبيت سعر الصرف عند 35 جنيها للدولار، عند التنازل عن قيمة «الأخضر».
وقال أحمد متولى، الخبير المصرفى، إن التحدى الأول يتمثل فى تكلفة الأموال الخاصة بشهادات لـ%25 والـ %18 وموعد استحقاقها والفوائد المرتفعة، مما سيتسبب فى تقليل الأرباح الخاصة بالبنوك.
وأشار إلى ضرورة، جدولة السيولة، واستغلالها فى مشروعات قومية، من خلال التوسع فى المشروعات بالقطاع الصناعى والطاقة المتجددة، وبالتالى ستعود على الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لتتغير نظرتها، وتوفيرعملة أجنبية جديدة، لإنشاء مشروعات جديدة وتقليل الواردات.
ولفت إلى أن التحدى الثانى يتمثل فى سعر إقراض البنوك المرتفع؛ مما يقلل من الفرص الاستثمارية سواء للأفراد أو الشركات، مقترحا ضرورة طرح «المركزى» مبادرات مدعمة لتمويل القطاعات الهامة.
وعن تحدى نقص العملات الأجنبية، أوضح «متولى» أنه من المهم توفيرها ، وزيادة الاحتياطى الأجنبى، والقضاء على السوق الموازية، والذى يمكن من خلال طرح وعاء ادخارى جديد بفائدة أعلى من سعر الفائدة التنافسى فى السوق؛ ليستغنى الناس عن اكتناز الدولار.
