هل تستعيد مصر عرش صناعة «الغزل والنسيج»؟

ويُعد قطاع الغزل والنسيج من أهم القطاعات الصناعية التى تُساهم بدور بارز فى الاقتصاد القومى المصري، نظرا لما تتمتع به مصر فى هذه الصناعة

Ad

تشتهر مصر منذ قديم الأزل بصناعة المنسوجات الكتانية، نظرا لرقتها ونعومتها التى تقارب نعومة الحرير، إذ كانت المنسوجات والملابس ضمن الهدايا المتبادلة بين الفراعنة وملوك العالم القديم.

ويُعد قطاع الغزل والنسيج من أهم القطاعات الصناعية التى تُساهم بدور بارز فى الاقتصاد القومى المصري، نظرا لما تتمتع به مصر فى هذه الصناعة من ميزة نسبية كبيرة، وشهرتها العالمية فى المادة الخام (القطن) ذات الجودة العالية.

كما تُعتبر صناعة المنسوجات والملابس ثاني أكبر القطاعات الصناعية فى مصر بعد الغذائية.

إستراتيجية طموح

وتتبنى الحكومة المصرية خطة طموح للنهوض بهذا القطاع ومن ثم التربع مرة أخرى على عرش صناعة الغزل والنسيج عالميًا، إذ تستهدف إجراء تحديث شامل للشركات العاملة فى هذا القطاع.

كانت وزارة قطاع الأعمال العام كشفت قبل عدة أشهر عن إستراتيجيتها الشاملة لتطوير شركات الغزل والنسيج التابعة لها بتكلفة استثمارية بلغت 25 مليار جنيه وفقا لدراسة المكتب الاستشارى العالمى «وارنر»، ارتفاعا من 21 مليار كانت مقدرة سابقا.

وتتضمن الإستراتيجية دمج 23 شركة غزل ونسيج فى 7 شركات و9 كيانات لتجارة وحليج الأقطان فى شركة واحدة بهدف خلق كيانات اقتصادية قوية فى الأنشطة المتشابهة وتحسين الإدارة.

وتسعى الحكومة ممثلة فى وزارة قطاع الأعمال العام لتطوير حليج الأقطان إذ تم إنشاء 4 محالج متطورة فى الفيوم، الزقازيق، كفر الدوار وكفر الزيات، على أن يتم تدشين اثنين آخرين العام الجارى لمواكبة المتطلبات العالمية.

وتعمل المحالج الجديدة وفق أحدث تكنولوجيا التى تتم آليا دون تدخل يدوى لإنتاج (بالات قطن) خالية تماما من الشوائب، مع تحسين طرق التعبئة والتغليف ووضع ملصق (باركود) على كل بالة يتضمن بيانات القطن (منطقة الزراعة، اسم حائز القطن، اسم المحلج، تاريخ الحليج، المواصفات الفنية للقطن الشعر).

كما تم إدخال جهاز إلكترونى حديث فى المحالج المطورة(HVI)لقياس خواص شعيرات القطن، وإجراء اختبارات الرطوبة.

وأسست وزارة قطاع الأعمال العام، شركة مع القطاع الخاص لتنفيذ مشروع لإنتاج زيت بذرة القطن بطاقة سنوية 20 ألف طن، ويجرى حاليا الانتهاء من الأعمال الإنشائية للمعاصر فى المحالج الجديدة.

وتتجه الحكومة أيضًا للتوسع فى زراعة القطن قصير التيلة لسد حاجة مصانع الغزل والنسيج، فى إطار الحرص على تقليل فاتورة الواردات وتوفير مستلزمات الإنتاج محليًا، إذ تم تنفيذ التجربة العامين الماضيين بمنطقة شرق العوينات على مساحة 200 فدان.

وبلغ متوسط إنتاجية الفدان 9.85 قنطار عام 2021، وبلغت المساحة المزروعة خلال العام الماضى نحو 250 فدانا.

ويمثل الطلب المحلى والعالمى على الملابس المصنعة من الأقطان قصيرة التيلة نحو 97 و%98 من إجمالى الأقطان المزروعة مقارنة مع 2 إلى %3 لطويلة التيلة.

وتستورد مصر الملابس الجاهزة والغزول السميكة والأقطان قصيرة التيلة للوفاء باحتياجات السوق المحلية، لذا فإن التوسع فى زراعة قصير التيلة فى الصحراء يوفر وارداتها والبالغ قيمتها 2 مليار دولار سنويا.

إبراهيم المانسترلى: النتائج تظهرعام 2024.. وطرح عدد من الشركات فى البورصة

وفى هذا السياق قال المهندس إبراهيم المانسترلى رئيس هيئة الرقابة الصناعية السابق وعضو مجلس إدارة دمياط للغزل والنسيج التابعة لقطاع الأعمال العام، إن ثمار نتائج إعادة هيكلة وتطوير شركات الغزل والنسيج الحكومية تظهر خلال عام 2024، وذلك بعد افتتاح مصانع الغزل والعمل بطاقتها الإنتاجية الضخمة المحددة لها وفقا لمخطط التطوير.

وأضاف - فى تصريحات لـ«المال» - أن الحكومة قامت بخطوات جادة لإصلاح صناعة الغزل والنسيج فى مصر بالإضافة إلى وقف خسائر الشركات التابعة لقطاع الأعمال، مشيرا إلى التعاقد مع استشارى عالمى لوضع مخطط للتطوير منذ 3 أعوام فضلا عن التعاقد على شراء أحدث الماكينات للغزل والنسيج.

ولفت إلى أنه فيما يخص «دمياط للغزل والنسيج» فيجرى العمل على إنشاء مصنع جديد وتحديد خطوط الإنتاج، بالإضافة إلى التعاقد مع استشارى للتنفيذ، موضحا أنه جار إنهاء الأعمال الإنشائية تمهيدا لوضع المعدات اللازمة طبقا لمخطط الوزارة لتطوير الصناعة.

ارتفاع صادرات «الذهب الأبيض» بنسبة %46

ونوه بأن صناعة الغزل والنسيج كانت تعانى منذ سنوات متراكمة بدءًا من زراعة القطن وحتى إطلاق منظومة تداول الذهب الأبيض وبيعه وفق مزادات علنية.

يذكر أن قيمة صادرات القطن المصرى ارتفعت بنسبة %46 خلال الـ10 أشهر الأولى من عام2022، لتصل إلى 232.172 ألف دولار، مقارنة مع 158.122 ألف دولار الـ 10 أشهر الأولى من عام 2021 بزيادة قيمتها 74.050 ألف دولار، وفقا لنشرة التجارة الخارجية الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.

وزادت كمية الإنتاج من القطن عام 2021 لتسجل 2.3 مليون قنطار، بنسبة زيادة %33.3 عن 2020.

وسجلت صادرات القطن الخام نحو 221 مليون دولار خلال عام 2021، مقابل 164 مليونا فى 2020 بزيادة بلغت 57 مليونا.

وارتفعت الصادرات المصرية من القطن بنسبة %101.5 عام 2021 لتسجل 1761 ألف قنطار مترى فى الفترة من سبتمبر إلى أغسطس 2021 مقابل 874 ألف قنطار مترى «سبتمبر-أغسطس» 2020، وكانت الهند أكثر الدول استيرادا للقطن المصرى بـ1.5 مليون قنطار مترى بنسبة %87.3 من الإجمالى، وفق النشرة السنوية لإحصاءات القطن.

شركة متخصصة للتسويق

وأشاد «المانسترلى» بالتحرك الحكومى وتنفيذ مخطط التطوير لإعادة هيكلة أكثر من 30 شركة تابعة ودمجها فى 10 شركات متخصصة الأنشطة،إضافة إلى تأسيس شركة تضم أفضل الخبراء تتولى عملية التسويق لمنتجات الغزل والنسيج وتحدد الطلبات الإنتاجية للتسويق محليا وعالميا.

وذكرأن فكرة إنشاء شركة متخصصة فى الترويج والتسويق للمنتجات وفتح الأسواق، مع التدخل فى الطلبات الإنتاجية للمصانع لتحديد المواصفات المطلوبة ، تقضى على ظاهرة المخزون الراكد داخل مصانع الغزل والنسيج لأول مرة.

وأضاف أن صناعة الغزل والنسيج تُعد من القطاعات كثيفة العمالة وتخلق فرص عمل بشكل مستمر، كما تساهم فى انخفاض معدلات البطالة خاصة فى المدن المتخصصة وعلى رأسها مدن المحلة ودمياط.

وأكد أن الحكومة تتجه نحو تذليل أى عقبات أمام المصنعين لتشجيع التصدير، متوقعا أن يحقق قطاع الغزل والنسيج مؤشرات تصديرية جيدة خلال الفترة المقبلة، كما أن سرعة صرف الأعباء التصديرية للمصنعين تسهم فى نمو الصادرات بشكل مستمر وتوفر العملة الصعبة.

يشار إلى أن مصر نجحت فى تصدير ملابس جاهزة بقيمة 2 مليار دولار خلال عام 2021 ،مقارنة مع 1.4 مليار بنهاية 2020، بنسبة نمو %40 وفقًا لبيانات صادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.

وتوقع «المناسترلى» طرح شركات الغزل والنسيج فى البورصة بعد انتهاء مخطط التطوير بشكل كامل وفق وثيقة ملكية الدولة التى أطلقتها الحكومة مؤخرا.

3 محاور

وقال محمود الداعور الرئيس السابق للشعبة العامة للملابس الجاهزة إن هناك 3 محاور رئيسية للنهوض بقطاع الغزل والنسيج تضمن ضرورة قيام الحكومة بطرح أراض صناعية فى أماكن تصلح لهذه الصناعة خاصة فى القاهرة، الإسكندرية، الشرقية، الغربية وكفر الدوار.

محمود الداعور: طرح أراض ومبادرات تمويل بفائدة مخفضة «ضرورة»

وأضاف أن المحور الثانى يتمثل فى السماح بإصدار التراخيص لغير المناطق الصناعية، بالإضافة إلى توفير التمويل خاصة وأن هذه الصناعة الهامة كثيفة العمالة.

وطالب بتوفير مبادرات تمويل بفائدة منخفضة وأسعار تنافسية، مشيرا إلى أن القطاع يمكن الارتقاء به حال تنفيذ هذه المحاور.

متغيرات عالمية

فى سياق متصل، قال مجدى طلبة الرئيس الأسبق للمجلس التصديرى للغزل والنسيج والملابس الجاهزة، إن القطاع عانى خلال الأعوام الماضية سواء فى عملية التخطيط له أو إداراته.

وأضاف أن الصناعة تحتاج إلى إعادة تقييم سواء من الناحية التكنولوجية أو المنتجات التى تطرحها لكى تواكب الاتجاهات العالمية، خاصة أن القطاع يتأثر بالتغيرات فى الموضة والاقتصاد وغيرها من العوامل.

مجدى طلبة: المنتجات «نمطية» والمنافسة قوية مع دول جنوب شرق آسيا

ولفت إلى ضرورة إجراء دراسة لصناعة الغزل والنسيج المصرية ومقارنتها مع الدول المنافسة لها، مشيرا إلى أن %80 من الصادرات فى هذا القطاع عبارة عن منتجات «نمطية» والوزن النسبى لها ضعيف مقارنة بدول أخرى مثل بنجلاديش.

وأكد أن هذه المنتجات لا تستطيع الصمود أمام دول جنوب شرق آسيا، مقترحا التوجه إلى منتجات ذات قيمة مضافة أعلى مثل الأقطان الطويلة التيلة والتى تُعد القوة الرئيسية لمصر بالإضافة إلى الألياف الصناعية والتى يتجه لها العالم.

وتابع إن العالم يتوجه أيضًا إلى المنتجات المعاد تدويرها حفاظا على البيئة، مشددا على ضرورة الاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة فى ظل تنافس كبير مع أسواق أخرى.

وأشار إلى أن مصر تُعد البوابة الرئيسية لأوروبا ورغم ذلك لا توجد خطوط لعبارات لكى يتم تحميل السيارات عليها لنقل البضائع خلال 36 ساعة بدلا من 10 أيام.

وطالب بإزالة عقبات الحصول على التمويل، للارتقاء بتلك الصناعة المهمة، منوها بأن المجلس التصديرى وضع خلال 2020 إستراتيجية لزيادة صادراته من 3 مليارات دولار سنويا إلى 12 مليارا خلال 4 أعوام.

وأضاف أن الإستراتيجية تضمنت عدة محاور منها التوسع فى زراعة القطن المصرى، وتوفير 500 فرصة عمل جديدة، بالإضافة إلى إتاحة مليون فرصة تدريبية مع التوسع فى الصناعات المغذية.

وجدير بالذكر أن وزارة قطاع الأعمال العام تعتزم استكمال الأعمال الإنشائية فى 65 موقعا (مصانع – مراكز تدريب – مبان إدارية – مخازن – محطات كهرباء ومرافق)، إذ بلغت نسبة الإنجاز فى بعض المصانع بشركة غزل المحلة مابين 80 إلى %85 ومنها مصنع «غزل 1» الأكبر فى العالم من حيث عدد المغازل تحت سقف واحد (حوالى 183 ألف مغزل) على مساحة 64 ألف متر بطاقة إنتاجية 30 طن غزل يوميا.

ووقعت الوزارة عقود للحصول على خطوط إنتاج جديدة مع كبرى الشركات العالمية، والتى سيتم تمويلها عبر قروض مع مؤسسات التمويل وضمان الصادرات الدولية فى سويسرا وإيطاليا بقيمة 10 مليارات جنيه.

وابتكرت الوزارة علامة تجارية جديدة تحمل اسم«nit»مستوحاة من اسم آلهة النسيج فى الحضارة المصرية القديمة فى الأسواق العالمية الكبرى، مع تطوير أدوات التعبئة والتغليف لكافة المنتجات.

كما تم عمل تصميمات جديدة لـ 4 فئات من المنتجات النهائية التى تشمل منسوجات، ومفروشات، وملابس منزلية، وقمصان رجالى، بواسطة مصممين أوروبيين متخصصين.