وسع البنك المركزى الروسى، فى 18 ينايرالجارى، قائمة عملاته التى يحددها ضمن أسعار الصرف الرسمية مقابل الروبل، لتشمل الجنيه المصرى، فى خطوة أشاد بها العديد من الخبراء والمحللون، لمدى أهميتها فى زيادة التبادل التجارى والاستثمار والسياحة وتقليل الاعتماد على الدولار.
لذلك كان لزاما البحث وراء إمكانية إدارج بنوك مركزية أخرى للجنيه ضمن أسعار صرفها الرسمية؛ لتقليص حصة العملة الأمريكية فى احتياطياتها الدولية، وهل يمكن أن يمتد تأثير ذلك فى تراجع قيمة الجنيه أمام الدولارأم لا؟
وحدد خبراء مصرفيون لـ«المال «العوامل التى تحكم تلك التجربة، متوقعين مشاركة دول بعينها وإمكانية إقدامها على إدراج الجنيه.
ومثّل الدولار فى السبعينيات %80 من الاحتياطيات العالمية، بينما وصل فى 2022 إلى %58.8 فقط، وهو أدنى مستوى فى 20 عاما، وفقا لتقرير صادر عن محللون فى معهد الأبحاث التابع لبنك« كريدى سويس» السويسرى.
من جانبه، قال الدكتور ناصر حسن، الخبير المصرفى، إن مسألة إدارج بنوك مركزية أخرى للجنيه، والخروج من سيطرة الدولار، يتوقف على عدة محاور.
وأوضح حسن أن العامل الأول يتوقف على اجتماعات "الفيدرالى الأمريكي" وهو ما سيجعل العديد من الدول تترقب ما يمكن اتخاذه مع الدولار، سواء بالتثبيت أو الرفع، خصوصا أن دول الخليج تربط عملتها به.
وربطت دول الخليج العربية عملاتها بالدولار الأمريكى على مدى عقود، لأنه يقلل مخاطر أسعار الصرف الأجنبى بالنسبة إلى دول المنطقة حيث إن جانباً كبيراً من إيراداتها يأتى من النفط، الذى يتحدد سعره فى السوق العالمية بالعملة الأمريكية.
وبسؤاله عن كفاية تحالفات مع دول أخرى على غرار روسيا للخروج من سطوة الدولار، أشار حسن إلى أنه لا يكفى، مشيرا إلى أن المحور الثانى هو الأخذ فى الاعتبار بالميزان التجارى، شريطة أن يكون لصالح الدولتين، وليس لحساب دولة على أخرى.
ويعنى قرار اعتماد الجنيه المصرى ضمن سلة العملات التى يُحدَّد سعرها فى روسيا رسميًا أن ميزان التبادل الجارى بين البلدين سيتم التعامل معه وفقًا للجنيه والروبل، وليس بالدولار كما كان فى السابق.
وأخيرا، أشاد حسن بالعقود الآجلة على الجنيه المصرى، التى يعتزم البنك المركزى إطلاقها، مشيرا إلى أن نتائجه ستتسبب فى استقرار لسعر الصرف.
والعقود الآجلة غير القابلة للتسليم هى أدوات تستخدم عموما للتحوط أو المضاربة على العملات عندما تزيد ضوابط الصرف من صعوبة تداول الأجانب فى السوق الفورية مباشرة.
واستبعد حسن أن يدرج البنك المركزى الصينى الجنيه المصرى ضمن أسعار الصرف الرسمية، موضحا أن الميزان التجارى للصين أكبر مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتحكمهما مصالح مشتركة.
وارتفع حجم التبادل التجارى بين الصين والولايات المتحدة خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2022، بنسبة %36.6، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضى ليبلغ 470.31 مليار دولار أمريكى، وفقا لتقرير لمصلحة الجمارك الصينية.
ورجح حسن أنه فى حال كان الميزان التجارى بين مصر والثلاث دول الهند، أذربيجان، وأرمينيا، مرتفعا، سيمنح فرصة جيدة لإدارج البنوك المركزية لتلك الدول للجنيه ضمن أسعار صرفها الرسمية، مشيرا إلى زيارة الرئيس السيسى الأخيرة لتلك البلاد، واستثماره الفرص من أجل تنمية التعاون الاقتصادى مع هذه البلدان، بما يحقق المصالح المشتركة.
وقال الدكتور ضياء حلمى الفقى، الأمين العام لغرفة التجارة المصرية الصينية، وخبير فى الشئون الصينية والآسيوية، إن تجربة التعامل بالعملات الوطنية بالجنيه واليوان بين مصر والصين، تدرس بعناية، متوقعا أن يتم التطبيق فى القريب العاجل، كتبادل جزئى فى البداية؛ ليتدرج فيما بعد.
وأشار الفقى إلى أنه سيكون مهما للميزان التجارى الصينى، وتخفيف الضغط فى الطلب على الدولار خاصة أن الصين أكبر شريك تجارى لمصر، وبالتالى عند التعامل بعملة غير الدولار سيكون الطلب أقل عليه.
ورجح الفقى أن يعود الدولار لسعر مقبول فى مقابل الجنيه المصرى، والأهم استيراد مستلزمات الإنتاج، والخامات بعملة ممكنة، ليفيد الاقتصاد المصرى بشكل إيجابى وتنوع سلة العملات فى صالح الصناعة المصرية، مشيرا إلى أنها جزء كبير من رؤية مصر 2030.
وعن إمكانية إقرار الصين اعتماد الجنيه المصرى، فى البنك المركزى لديها، أشار الفقى إلى أنه أمر متوقع وهام لكلا البلدين على حد سواء، ومصلحة مشتركة ستؤتى ثمارها.
وأوضح الفقى أن الأهمية تكمن فى اعتماد العملات الوطنية فى التبادل التجارى، فى تخفيف العبء على الدولار الأمريكى، مشيرا إلى أنه من غير المنطقى أن تبيع مصر إلى بكين والعكس.
وسجل حجم التجارة بين مصر والصين خلال عام 2021 نحو 19.97 مليار دولار بزيادة 37.3 % مقارنة مع عام 2020، وارتفع إلى 12.7 مليار دولار خلال أول 9 أشهر من عام 2022، مقارنة مع 11.9 مليار دولار خلال نفس الفترة من عام 2021 بنسبة نمو قدرها %9.8.
وأشار الخبير الاقتصادى إلى أن اعتماد العملات الوطنية أمر مهم، ولكنه ليس جديدا، لأن مجموعة البريكس التى تأسست عام 2006، بخمس دول هى الصين وروسيا والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل، لتمثل %40 من سكان العالم، هدفها كان اقتصاديا تجاريا بحتا، وتبادل المجموعة البيع والشراء والميزان التجارى بينها جميعا، وتداول العملات الوطنية لهذه الدول.
وتابع الفقى: العالم يدرك أنه لا يمكن أن يحتكم العالم للدولار فقط، فى التبادل التجارى، أو التعامل به بهذه النسبة المرتفعة، وبجانبه سلة عملات ضعيفة ليست بحجم العملة الأمريكية.
وقال هانى جنينة، الخبير الاقتصادى والمحاضر بالجامعة الأمريكية، إن عملية تبادل العملات سواء الدولار، أو الين، أو اليوان الصينى، وحتى الجنيه المصرى، ليست هى ما يحدد مشكلة الدولة فيما يتعلق بميزانها التجارى، مشيرا إلى أن الأزمة الأساسية تتمثل فى أن الدولة لا تنتج ما يكفى من فوائض التصدير.
ويعرف الميزان التجارى بأنه الفرق بين قيمة واردات البلد وقيمة صادراتها لفترة معينة، ويكون فائضًا إذا زادت قيمة الصادرات على الواردات، أو عجزًا فى الحالة المعاكسة.
ويتشكل الميزان التجارى من عناصر منظورة (حركة السلع)، وعناصر غير منظورة ويصعب قياسها فور وقوعها مثل (تبادل الخدمات، أو عوائد الاستثمارات الخارجية، أو تحويلات المواطنين المقيمين بالخارج).
هانى جنينة: الأزمة الأساسية تتمثل فى أن الدولة لا تنتج ما يكفى من فوائض التصدير
ضياء الفقى: تجربة التعامل بالعملات الوطنية بين مصر والصين تُدرس بعناية
