أصبحت الشكوك حول نهاية العولمة كما نعرفها، محورا لنقاشات عديدة على مدار الأشهر التالية لاندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وما رافقها من تداعيات على توزيع النمو الاقتصادى وحجم التنافس الجيوسياسى واتجاهات التجارة وتحولات سلاسل الإمداد.
وبينما ترجح معظم التحليلات أنه حتى لو لم تكن العولمة قد انتهت تماما، فإنها على الأقل باتت تتطور حاليا لتأخذ أشكالا مختلفة على رأسها تحول الدول نحو تحالفات إقليمية خاصة فيما يمكن وصفه بالعوالم.
منذ أواخر القرن العشرين، كانت العولمة هى الاتجاه السائد، مع قليل من الشكوك حول استمرارها، ومع ذلك وحتى فى فترة ما قبل الحرب الروسية، أدى صراع الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والصين، والبريكست، والضعف الذى كشفته الجائحة لسلاسل الإمداد، والتطورات التكنولوجية، إلى تنبؤات بـ «تفكك» العولمة مع مستقبل يضم مناطق تجارية بعينها كبديل عن التجارة العالمية المتصورة حاليًا.
ويقول مايكل أوسوليفان، كبير مسؤولى الاستثمار السابق فى «كريدى سويس»، ومؤلف كتاب: «التسوية: ماذا بعد العولمة؟» الصادر فى 2019، إن «نقلة نوعية ستشهد تفكك النظام العالمى الذى عرفناه خلال الثلاثين عامًا الماضية، وسيتجه العالم بعدها نحو تعدد الأقطاب».
ومع ذلك، وفقا لبلومبرج، لن تموت العولمة، بل هى ببساطة تمر بعملية تطور إذ أننا أصبحنا «أكثر تعرضًا للثقافات العالمية أكثر من أى وقت مضى».
التكنولوجيا المالية توفر بديلا لنظام «بنوك المراسلة»
حقبة جديدة وعملات مختلفة.. الأرض تهتز تحت الدولار
إذا كان العالم ينجرف من عالم أحادى القطب إلى عالم جديد متعدد الأقطاب، فمن المستحيل ألا تؤثر هذه التغيرات على النظام النقدى الدولى.
منذ نهاية الحرب الباردة، شهد العالم إلى حد كبير عصرا أحادى القطب كانت أمريكا فيه قوة مهيمنة بلا منازع، وكانت العولمة هى النظام الاقتصادى، وكان الدولار هو العملة المفضلة.
لكن النظام النقدى القائم على الدولار يتعرض للتحدى بالفعل بأساليب متعددة، لكن اتجاهين رئيسيين يكشفان بوضوح هذه التحديات: انتشار جهود إزالة الدولرة من التجارة العالمية، ونهضة العملات الرقمية للبنوك المركزية، وفقا لصحيفة فاينانشيال تايمز.
إلغاء الدولرة

إلغاء الدولرة ليس موضوعًا جديدًا. لقد بدأ منذ التراجع الكبير لأسعار الفائدة الحقيقية فى الولايات المتحدة وأوروبا فى أعقاب الأزمة المالية، حيث استاءت الدول ذات فوائض الحساب الجارى من فكرة العوائد السلبية على مدخراتها.
لكن فى الآونة الأخيرة، يبدو أن وتيرة إزالة الدولرة قد تحسنت وطورت من أساليبها.
خلال العام الماضى، دفعت الصين والهند ثمن السلع الروسية باليوان والروبية والدرهم الإماراتى.
كما أطلقت الهند آلية تسوية بالروبية لمعاملاتها الدولية.
وطلبت الصين من دول مجلس التعاون الخليجى الاستفادة الكاملة من بورصة شنغهاى للبترول والغاز الطبيعى لتسوية تجارة النفط والغاز بـ«الرنمينبى» على مدى السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة.
كما تعمل البرازيل والأرجنتين على عملة مشتركة من شأنها إزالة الدولرة من تجارة أمريكا اللاتينية بالكامل.
العملات الرقمية للبنوك المركزية
يمكن أن تسرع العملات الرقمية للبنوك المركزية من التحول بعيدا عن الدولار، فوفقًا لصندوق النقد الدولى، تنتشر العملات الرقمية فى جميع أنحاء العالم، خاصة فى الشرق والجنوب، حيث يقوم أكثر من نصف البنوك المركزية فى العالم باستكشاف أو تطوير العملات الرقمية باستخدام برامج تجريبية أو بحثية.
ومن شأن تقنيات العملات الرقمية أن تحول البنوك المركزية إلى ما يشبه «بنوك المراسلة»، وبالتالى الاستغناء عن شبكة البنوك المراسلة التى تعتمد على الدولار الأمريكى.
التغيير «على قدم وساق»
سجلت فوائض الحساب الجارى للصين وروسيا والمملكة العربية السعودية رقما قياسيا، ومع ذلك لم يتم إعادة تدوير هذه الفوائض إلى حد كبير فى الأصول الاحتياطية التقليدية مثل سندات الخزانة الأمريكية التى تقدم عوائد حقيقية سلبية بمعدلات التضخم الحالية.
وبدلاً من ذلك، شهدنا المزيد من الطلب على الذهب (مشتريات الصين الأخيرة)، والسلع (استثمارات السعودية المخطط لها فى مجال التعدين) والاستثمارات الجيوسياسية مثل تمويل مبادرة الحزام والطريق ومساعدة الحلفاء والجيران.
كما تعمل تلك الدول على الاحتفاظ بالفوائض فى الودائع المصرفية فى شكل سائل لامتلاك القدرة على اتخاذ خيارات أوسع وأسرع فى خضم عالم متغير.
السنوات التسع القادمة ستحدد الفائزين والخاسرين من الاضطرابات الحالية
سلاسل الإمداد تتغير فى عصر التجارة الإقليمية
تعيد الحرب فى أوكرانيا تشكيل التحالفات الاستراتيجية وتغير تدفق التجارة عبر الحدود، فى حين تتغير سلاسل الإمداد، بينما تمر التجارة الدولية بأسوأ فترة من تراجع العولمة منذ تأسيس منظمة التجارة العالمية قبل أكثر من ربع قرن.
ويقول نيكولاس لانج، العضو المنتدب لمجموعة بوسطن الاستشارية: «بعد ما يقرب من 30 عامًا من بيئة تجارية آمنة نسبيًا، نحن فى خضم ديناميكية جديدة بين الشرق والغرب، فهناك مجتمع تقوده الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى من جهة وآخر تقوده الصين وروسيا، إلى جانب احتمال ظهور مجموعة ثالثة من دول عدم الانحياز».
وأضاف لانج أن 4 من سلاسل الإمداد الرئيسية، وهى الطاقة والزراعة والمعادن الصناعية وأشباه الموصلات، عانت من الحرب ومن التوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين، وفى الأثناء يؤدى الانتقال من التجارة العالمية نحو المزيد من التجارة الإقليمية إلى انخفاض وفورات الإنتاج الكبير.
ووفقًا لتوقعات تقرير مجموعة بوسطن الاستشارية (BCG) فإنه فى ظل التغييرات الحالية ستخلق السنوات التسع القادمة فائزين وخاسرين من الاضطرابات التجارية.
خرائط جديدة للتجارة الإقليمية
وفقا للتقرير، سيعزز الاتحاد الأوروبى تجارته مع الولايات المتحدة بمقدار 338 مليار دولار، مدفوعة إلى حد كبير بصادرات الطاقة الأمريكية إلى أوروبا، كما سيعمل على توسيع تجارته المشتركة مع دول الآسيان وأفريقيا والشرق الأوسط والهند.
كما ستنخفض التجارة بين الولايات المتحدة والصين بمقدار 63 مليار دولار.
وسيتباطأ نمو التجارة أيضًا بين الاتحاد الأوروبى والصين، إذ سينمو بمقدار 72 مليار دولار فقط، وهو ما وصفته مجموعة بوسطن الاستشارية «بزيادة متواضعة مقارنة بالسنوات السابقة».
وفى العام الماضى، توقع العديد من المحللين أن تتطلع الولايات المتحدة إلى أمريكا اللاتينية لتلبية احتياجاتها الصناعية والواردات الأقرب إلى الوطن، وقد زادت التجارة بالفعل.
وقفزت الواردات الشهرية الأمريكية من المكسيك إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق فى عام 2022 لتتراوح بين 37 و41 مليار دولار بعد أن تراوحت بين 30 و35 مليارا فى عام 2021.
وقالت الشركة الاستشارية إن تجارة روسيا مع الصين والهند ستنمو بمقدار 110 مليارات دولار «بما فى ذلك 90 مليارا مع الصين وحدها».
وبحسب التقرير، ستكون دول جنوب شرق آسيا هى الفائز الرئيسى، حيث تم ربط ما يقدر بنحو 1 تريليون دولار فى التجارة الجديدة إلى حد كبير بالتجارة الجديدة مع الصين واليابان والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى.
وتوقع التقرير نمو تجارة الـ«آسيان» مع الصين بمقدار 438 مليار دولار، وهو أكبر نمو بين الأقاليم.
فرصة الأسواق الناشئة
وفى أوج تحول عالمى كبير يحكمه التوتر الجيوسياسى وتخيم عليه تداعيات الحرب، وجدت الأسواق الناشئة فرصة أكبر للتقدم وملء فجوات السلع والخدمات فى سلاسل الإمداد التى عانت من اضطرابات كبيرة قادتها إلى تغير جذرى.
وبحسب تقرير أعدته مؤسسة «أكسفورد بيزنس جروب» للتحريات الاقتصادية، شهدت التجارة العالمية تراجعا منذ الربع الثالث من 2022، فى معظم أنحاء العالم بينما كانت شرق آسيا المنطقة الوحيدة التى سجلت نموًا تجاريًا إيجابيًا.
وفى حين أن التباطؤ التجارى يساعد فى التخفيف من الاختناقات فى سلاسل الإمداد، إلا أن ظهور استراتيجيات جديدة كتنويع الموردين ودعم الأصدقاء، يعنى أن سلاسل الإمداد لا تزال تتحول.
ووفقا للتقرير، يوفر هذا بدوره فرصًا للأسواق الناشئة لملء الفجوات عبر تطوير علاقات تجارية إقليمية وعالمية أقوى.
فجوات الإنتاج
ومنذ عام 2020، اتبعت العديد من الشركات والحكومات ما يسمى باستراتيجية الصين + 1، لتنويع طاقتها الإنتاجية من خلال تنفيذ عمليات فى بلدان أخرى مع الحفاظ على وجود كبير فى الصين.
وبحسب التقرير، لم يتخذ أى بلد خطوات قوية لجذب الاستثمار الأجنبى وتوفير بديل لسلاسل التصنيع والإمداد الصينية مثل فيتنام، التى ساعدت صادراتها المتزايدة إلى الولايات المتحدة والأسواق الأخرى على استقرار اقتصادها.
وسجلت فيتنام نموًا بنسبة %8 فى عام 2022، وهو أعلى معدل منذ عام 2011، مدعومًا بنمو بنسبة %11.9 فى قطاع الخدمات اللوجستية.
وتم توقيع اتفاقيتين تجاريتين قبل الجائحة وهما اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبى وفيتنام، والاتفاقية الشاملة والمتقدمة للشراكة عبر المحيط الهادى، وقد وضعت الاتفاقيتان الأساس لهذا الأداء الإيجابى.
كما حلت بنجلاديش والهند وماليزيا وتايلاند محل الصين فى سلاسل الإمداد العالمية، مما يؤكد قوة أداء اقتصادات شرق آسيا فى عام 2022.
الهند تنافس نفوذ الصين بعيدا عن الحظيرة الأمريكية
الدول النامية تُعيد التموضع فى نظام «متعدد الأقطاب»
ترجح التحليلات التى تتحدث عن قرب نهاية العالم الذى يحكمه قطب واحد هو الولايات المتحدة، التحول إلى نظام «متعدد الأقطاب» وليس فقط ثنائى الأقطاب.
فبينما تظهر الصين مع روسيا فى مقابل الولايات المتحدة كقوى متنافسة، تتزايد قوة الدول النامية التى لا تنضم بالكامل إلى أى من المعسكرين، وتضم هذه الدول عمالقة على رأسها الهند، بحسب تقرير نشرته مجلة «Nikkei Asia» اليابانية.
وفقا للتقرير، يمكن تقسيم المجتمع الدولى بشكل عام بين الشرق والغرب إلا أن هذا العالم ثنائى القطبين يتحول تدريجياً إلى عالم متعدد الأقطاب، وإذا استمر هذا الاتجاه، فإن جهود البلدان المتقدمة لتشكيل تكتلات تجارية شاملة قد يُنظر إليها قريبًا على أنها من تراث الماضى.
وبحسب التقرير، كرس الغرب للانقسام العالمى عبر سياسة «دعم الأصدقاء» التى تفرق فى نهاية المطاف بين الديمقراطيات والدول التى تتوافق مع الصين أو روسيا.
بزوغ الهند
وفقا للتقرير، تلعب الهند دورًا متزايد الأهمية على الساحة الدولية نظرًا لتزايد عدد سكانها وقوتها الاقتصادية إذ تشير التقديرات إلى أنها ستتفوق على الصين لتصبح أكبر دولة فى العالم من حيث عدد السكان هذا العام، وفى العام الماضى ربما تكون قد تفوقت على بريطانيا فى الحجم الاقتصادى.
وأشار التقرير إلى أن نهرو، أول رئيس وزراء للهند، دعا إلى سياسة عدم الانحياز وإلى وحدة الدول النامية فى الخمسينيات خلال حقبة الحرب الباردة. لكن موقف الهند الحالى مختلف، إذ إن العالم الثالث، كما كان يشار إلى الدول النامية مجتمعة فى ذلك الوقت، لم يكن أكثر من مجموعة من البلدان التى ينتشر بها الفقر قبل سبعة عقود.
ويتوقع مركز اليابان للأبحاث الاقتصادية أن الناتج المحلى الإجمالى للهند سيستمر فى النمو وسيشكل %16 من إجمالى الناتج المحلى العالمى فى عام 2060.
وبحسب التقرير، فإن الأمر يبدو كما لو أن الهند تستعيد قوتها الاقتصادية التى كانت تتمتع بها فى القرن السادس عشر، عندما كانت تمثل ما يقرب من ربع الاقتصاد العالمى.
وتظهر تطلعات الهند من خلال الدعوة التى أطلقها رئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودى خلال قمة صوت الجنوب العالمى التى استضافتها الهند.
ودعا مودى أكثر من 120 دولة نامية إلى التعاون للضغط على نظرائها الأكثر تقدمًا، وحث الدول النامية على وجوب أن يكون لها «صوتا معادلا».
ولم تكن هذه هى المرة الأولى فى الأشهر الأخيرة التى ينتقد فيها رئيس الوزراء الهندى النظام العالمى الحالى.
سياسة «دعم الأصدقاء»
كتبت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين فى مذكرتها الصادرة فى ديسمبر: «تهدف سياسة دعم الأصدقاء التى تطبقها إدارة بايدن إلى تعميق تكاملنا الاقتصادى مع عدد كبير من الشركاء التجاريين الموثوق بهم الذين يمكننا الاعتماد عليهم».
ولتحقيق دعم الأصدقاء، أطلقت الولايات المتحدة مؤتمر الإطار الاقتصادى لمنطقة المحيطين الهندى والهادى (IPEF) مع 14 دولة العام الماضى.
لكن هناك فجوة واسعة بين ما هو مأمول وما هو واقعى، فقد كان هناك افتقار واضح للقواسم المشتركة خلال الاجتماع الوزارى الافتتاحى IPEF الذى عقد فى صيف عام 2022، وفقا للتقرير.
وغابت إندونيسيا عن المؤتمر، فى ظل خلافات مع الولايات المتحدة، كما رفضت الهند المشاركة فى المفاوضات التجارية، وهو ما كشف عن تصدعات فى الشراكة بمجرد انطلاقها.
وأشار التقرير إلى أنه خلال الثلاثينيات من القرن الماضى، أنشأت بريطانيا وفرنسا تكتلات اقتصادية ضمت مستعمراتهما واستبعدتا المنافسين، ويقال إن هذه التكتلات كانت من العوامل التى أشعلت فتيل الحرب العالمية الثانية.
وخلص التقرير إلى أن الفارق الجوهرى بين الماضى والحاضر هو أن الدول النامية بدأت فى الظهور كقوة جماعية اقتصاديًا وسياسيًا.
خصصت 465 مليار دولار لتوطين الصناعات الاستراتيجية
الولايات المتحدة تهدم قواعد النظام الاقتصادى العالمى الذى شيدته

يسير الاقتصاد العالمى وفق قواعد ونظم أقرتها أمريكا منذ عام 1945، وقد أدى هذا النظام إلى تكامل اقتصادى غير مسبوق مما عزز النمو، وانتشل مئات الملايين من الفقر وساعد الغرب على الانتصار على روسيا فى الحرب الباردة.
لكن هذا النظام بات فى خطر داهم، بحسب تقرير نشرته صحيفة “ستار تربيون” الأمريكية، التى أشارت إلى أن النظام القديم “بات تحت الضغط” بينما يتضاءل اهتمام واشنطن بالحفاظ عليه بعد الأزمة المالية العالمية فى 2007.
التخلى عن قواعد السوق الحرة
أصبح واضحا أن الرئيس الأمريكى جو بايدن قد تخلى عن قواعد السوق الحرة من أجل سياسة صناعية شديدة التنافسية، ما وجه ضربة جديدة للنظام الاقتصادى العالمى.
وخصت إدارة بايدن إعانات ضخمة تصل إلى 465 مليار دولار لدعم التصنيع المحلى فى قطاعات الطاقة الخضراء والسيارات الكهربائية وأشباه الموصلات.
ويحظر المسؤولون الأمريكيون تدفق المزيد من الصادرات، خاصة الرقائق المتطورة ومعدات صناعة الرقائق إلى الصين.
وأوضحت الصحيفة أنه بالنسبة للكثيرين فى واشنطن، تتمتع السياسة الصناعية القوية بجاذبية مغرية لأنها تساعد على دعم الهيمنة التكنولوجية لأمريكا على الصين التى سعت منذ فترة طويلة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتى فى المجالات الحيوية عبر تدخل الدولة.
لكن النتيجة المباشرة لتلك السياسة كان اندلاع دوامة خطيرة من الحمائية فى جميع أنحاء العالم.
واشنطن وبكين.. الصدام حتمي
وفقا للصحيفة، يبدو أن الصراع الاقتصادى الأمريكى مع الصين حتميًا فى ظل اندماج الصين بشكل أعمق فى الاقتصاد العالمى.
وتخشى إدارة بايدن اليوم من خطر الاعتماد على الصين للحصول على البطاريات بالطريقة التى اعتمدت بها أوروبا على روسيا للغاز قبل غزو أوكرانيا.
ويشعر الديموقراطيون والجمهوريون على السواء بالقلق من أن فقدان الريادة الأمريكية فى صناعة الرقائق المتقدمة لصالح تايوان قد يقوض قدرتها على تطوير الذكاء الاصطناعى الذى يتوقع أن تعتمد عليه جيوش المستقبل فى التخطيط الاستراتيجى وتوجيه الصواريخ.
ويريد البعض ببساطة منع الصين من أن تصبح غنية جدًا كما لو كان إفقار 1.4 مليار شخص سيضمن السلام، بحسب الصحيفة.
ويركز آخرون على زيادة قوة أمريكا الاقتصادية والحفاظ على تفوقها العسكرى، قائلين إن إعادة التصنيع فى قلب البلاد سوف يعيد إحياء الدعم لرأسمالية السوق.
وفى هذه الأثناء، وبصفتها القوة المهيمنة على العالم، يمكن لأمريكا أن تتغلب على شكاوى الدول الأخرى، وفقا للصحيفة.
التخلى عن دعم الانفتاح
وذكرت الصحيفة أن عبقرية أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية كانت فى إدراكها أن مصالحها تكمن فى دعم الانفتاح فى التجارة العالمية، ونتيجة لذلك، اتبعت العولمة.
اليوم، انخفضت حصة الولايات المتحدة من الإنتاج العالمى إلى %24 وتحتاج أمريكا إلى أصدقاء أكثر من أى وقت مضى، ومع ذلك، فإن الحمائية الأمريكية تثير غضب الحلفاء فى أوروبا وآسيا.
وأوضحت الصحيفة أنه يجب على أمريكا استمالة الاقتصادات الناشئة، بالنظر إلى أنه بحلول عام 2050 ستكون الهند وإندونيسيا ثالث ورابع أكبر اقتصادين فى العالم، وكلاهما ديمقراطيات لكنهما ليسا أصدقاء مقربين لأمريكا.
وبحلول عام 2075، ستكون نيجيريا وباكستان قد اكتسبتا نفوذًا اقتصاديًا أيضًا، وإذا طالبت أمريكا الدول الأخرى بتجنب الصين دون السماح لهذه الدول بالتواجد فى الأسواق الأمريكية، فسوف ترفضها القوى الصاعدة.
وبحسب الصحيفة، يتمثل مصدر القلق الأخير فى أنه كلما زاد الصراع الاقتصادى، زادت صعوبة حل المشكلات التى تتطلب تعاونًا عالميًا.
فرغم أن البلدان تتسابق لتأمين التكنولوجيا الخضراء، فإنها تتشاجر حول كيفية مساعدة العالم الفقير على إزالة الكربون إذ ثبت أنه من الصعب إنقاذ البلدان التى تعانى من أزمة ديون مثل سريلانكا، بسبب عرقلة الصين، وهى دائن كبير.
وإذا لم تستطع الدول التعاون لمعالجة بعض المشاكل، فسيصبح من المستحيل إصلاحها وسيعانى العالم جراء ذلك، وفقا للصحيفة.
