في استطلاع أجرته «المال».. «المخاطر» و«تأخر العوائد» و«التشريعات» مثلث إحجام البنوك عن تمويلات بناء السفن

عاد بشكل كبير الحديث عن توجه الحكومة، ممثلة فى وزارة النقل، وقناة السويس ، لبناء أسطول وطنى من السفن لتولى مهمة نقل البضائع الاستراتيجية للسوق

Ad

عاد بشكل كبير الحديث عن توجه الحكومة، ممثلة فى وزارة النقل، وقناة السويس ، لبناء أسطول وطنى من السفن لتولى مهمة نقل البضائع الاستراتيجية للسوق المحلية من الخارج والعكس، بدلًا من الاعتماد على الخطوط الملاحية الدولية.

وأعلنت وزارة النقل فى أكثر من مناسبة، أن هناك مساعى لعودة الأسطول الوطنى إلى سابق عهده فى ستينيات القرن الماضى، ومؤخرًا كشفت هيئة قناة السويس عن أن صندوقها الجديدة الجارى تأسيسه سيكون أحد أهم مشروعاته بناء السفن المستقبلية والاستثمار فى الترسانات البحرية، ومراكب البضائع.

وباعتبار أن البنوك عادة تكون لاعبًا رئيسيًا، خاصة فى المشروعات الوطنية العملاقة، استطلعت “ المال” فى تقريرها، آراء خبراء القطاع المصرفى، خاصة أن العاملين فى شركات النقل يوجهون انتقادات مستمرة لسياسة البنوك المحلية، ورفضها توفير تمويلات مناسبة لبناء السفن للعمل بين الموانئ المصرية والدول الأخرى.

وأرجع خبراء ومحللون مصرفيون أسباب إحجام تراجع البنوك عن تقديم التمويلات والتسهيلات الائتمانية اللازمة لقطاع النقل البحرى، خاصة المتعلقة ببناء السفن، كونه تمويلا طويل الأجل لأصول متحركة، هو ما يعنى أن نسبة المخاطر التى ينطوى عليها المجال كبيرة ومن ثم تتجنب تمويله.

إلى ذلك، قال محمد بدرة الخبير المصرفى، إن منح القطاع المصرفى التمويلات والتسهيلات الائتمانية للقطاع البحرى والأنشطة المختلفة فى مجال صناعة السفن يتوقف على خبرة كل بنك فى هذا القطاع.

وأضاف أن أحد أسباب إحجام البنوك عن التمويل كونه قطاع مليئًا بالصعوبات، إضافة إلى نقص الخبرات والكفاءات فى هذا الشأن لدى القطاع المصرفى، لافتًا إلى أن الحل الأمثل وضع خطة لتحويله إلى قطاع استثمارى جاذب للقطاع الخاص فى البداية.

من جانبها، أوضحت سهر الدماطى الخبير المصرفى، أن القطاع البحرى تمويلاته طويلة الأجل الأصول متحركة، ومن ثم فإن نسبة المخاطر عالية، مقارنة بمجالات أخرى لا تحتاج لنفس التمويلات الكبيرة ومعدلات تحقيق أرباح أعلى.

وأضافت أن التأمين على السفن قد يكون من العوامل الهامة التى تسهل من عملية الحصول على القروض المناسبة، موضحة أن الشركات العاملة فى قطاع النقل البحرى تختلف عن بعضها البعض، وبالتالى فإن قرار الائتمان يخضع لدراسة مستفيضة وفقا لطبيعة عمل كل شركة.

وأشارت سهر الدماطى إلى أنه من المهم إجراء دراسات جدوى من قبل القطاع المصرفى، إضافة لتقديم التوقعات المستقبلية حول هذا القطاع، فى خطوة لتسهيل عملية منح التمويل وتقديم التسهيلات.

ولفتت إلى أن هناك الكثير من الظروف الاقتصادية العالمية التى ألقت بظلال سلبية النقل البحرى شكل عام، وبالتالى عرقلت عمليات تقديم التمويل منها، الحرب الروسية الأوكرانية، وتعطل سلاسل الإمداد، وقبلها حائجة كوفيد 19، لافتة إلى أن جميعها عوامل تؤثر لا يمكن التغافل عنها أو تحمل تبعاتها الكبيرة.

فى سياق متصل، قال هانى حافظ، الخبير المصرفى، إن قطاع النقل البحرى ليس مجرد سفينة فقط، ولكن يتضمن مشروعات عملاقة تتمثل فى المناطق اللوجيستية على سبيل المثال، لافتًا إلى ان ذلك يتطلب ضرورة وجود إدارات متخصصة بالبنوك لتقييم مشروعات النقل البحرى.

وأضاف “حافظ”، أن البنوك تمويل محطات لموانئ بمجالاتها المختلفة، لأنها تتميز بسرعة العائد على الاستثمار وارتفاع الربحية، ما يحفز البنوك على الدخول فيها بقوة.

وأشار إلى أن النقل البحرى أصبح من القطاعات الواعدة، خاصة بعد البدء فى مشروعات قناة السويس، وميناء الإسكندرية التى يتم من خلالها النفاذ إلى الأسواق الخارجية، ضافة إلى العديد من الخدمات اللوجستية للمصدرين بأداء متميز وتوقيت أسرع فضلًا عن تكلفة أقل.

وأفاد بأن النقل البحرى يعد شريان الاقتصاد العالمى، وينقل نحو %90 من التجارة العالمية ما يتوجب العمل على تخفيف المخاطر المتعلقة، ودخول شركات التأمين بقوة فى هذا المجال، وكذا على البضائع المحملة، فضلًا عن العمل على تقليل المعوقات، الأمر الذى يؤثر مباشرة على قبول البنوك توفير التمويلات.

وألمح “حافظ” إلى أن سفن الشحن هى أقل مخاطرة على عكس الشائع كونها محصنة وغير مستهدفة فى أوقات الحروب والصراعات، لأنها تنقل الطعام والسلع الإستراتيجية.

وأكد أنه يوجد فرصة قوية للبنوك للدخول فى تمويل قطاع النقل البحرى والخدمات اللوجستية، خاصة مع مراعاة اتباع استراتيجية قائمة على العائد والدخول فى عقود متنوعة وطويلة الأجل للأطراف المقابلة ذات الجدارة الائتمانية.

وتابع أن أهمية قطاع النقل البحرى تتمثل فى كونه يعمل على مجابهة العديد من الأزمات العالمية، وزيادة التعاون مع دول العالم لمواجهة العديد من التحديات الهيكلية الاختناقات والاضطرابات فى سلاسل التوريد، والإمداد العالمية فى ظل ارتفاع مُعدلات التضخم العالمى بوتيرة عنيفة.

ويرى الخبير المصرفى أن الحكومة المصرية تنتهج استراتيجية توفير البنية الأساسية اللازمة لتمكين القطاع الخاص من القيام بدوره فى الاستثمار وتسهيل حركة التجارة الخارجية والتوسع فى الإنتاج والتصدير، والتى تحتاج إلى زيادة أسطول النقل البحرى المصرى من أجل تسهيل عمليات النقل والشحن وتقليل نفقاتها.

وطالب بضرورة إقرار مزايا للقطاع البحرى، ومنها بند رفع العلم المصرى، وإلغاء رسوم التسجيل أسوة بدول بنما، وقبرص، وتخفيض الضرائب، وتسجيل السفن بنظام المناطق الحرة، فضلا عن مزيد من الإيضاح بشأن آلية التأمين على السفينة فى حالة الغرق أو الحجز عليها أو تغير عَلمها، مع الفصل الواضح بشأن أى نزاعات قضائية محتملة بين شركات النقل البحرى وشركات الملاحة والخدمات البحر.

وقال محمد البيه الخبير المصرفى، إن تمويل البنوك لقطاع النقل البحرى ينطوى على أهمية كبيرة، لا سيما فى ظل توجه الدولة لجعل نقل التجارة الخارجية عبر أسطول وطنى خالص، يتبع وزارة النقل المصرية، وأن تكون هى المسئول الأول والأخير عن تحديث إجراءات القطاع وطرح سياساته.

وأضاف أن القطاع المصرفى يدعم رؤية الدولة فى هذا الاتجاه، ولكن يعوقه توافر بيئة سياسية وقانونية قابلة للتطبيق، يستطيع الجهاز المصرفى من خلالها تأمين المخاطر، وتحفيزه على المزيد من التمويل للنقل البحرى.

وفرّق “ البيه” بين نوعين من التمويل لقطاع النقل البحرى، النوع الأول الذى يركز على تمويل سفن جاهزة، تم بناؤها بالفعل ولها خطوط ملاحية معروفة، وتملك عقودًا لنقل البضائع، موضحاً أن هذه العقود تستطيع البنوك أن تمولها حتى تقوم بمهمتها فى الشحن والنقل.

أما الثانى، فينصب بشكل أساسى على بناء السفن نفسها، وهذا الأمر مختلف، ويتطلب مجموعة من العوامل والضمانات، ومنها توافر دراسة فنية دقيقة لعملية البناء، وتأمينات للعقود المبرمة بين الجهتين، مع تواجد مهندسين مراقبين للبناء، يقومون بإصدار تقارير دورية.

وأوضح “البيه” أن الإجراءات المتبعة فى مصر طويلة، تتطلب موافقات من جهات عدة، يصعب إصدارها لتنفيذ الرهن على السفن.

وأكد أنه من أكبر المخاطر التى تواجه البنوك فى عملية تمويل إنشاء أسطول بحرى المخاطر المتعلقة بالتجارة العالمية، فى أوقات متواترة تمر بتباطؤ شديد، ومن ثم تتأثر حركة السفن، ما قد يضر بربحية القطاع المصرفى، لافتًا إلى أنه لا بد أن تتم دراسة هذا الجانب بدقة، ومن جميع السيناريوهات المحتمل وقوعها فى التجارة العالمية.

وذكر أنه على الرغم من عدم سهولة التمويل لقطاع النقل البحرى، لكن الحلول ما زالت قائمة، مقترحاً أنه لا بد من القيام بتغييرات جذرية فى السياسات الملاحية المتعلقة بالسفن داخل مصر، تعمل على تشجيع الجهاز المصرفى على الدخول فى تمويل النقل البحرى بقوة.

وتابع أنه لا بد من إنشاء جهة خاصة تكون هى المنوطة بتسهيل تنفيذ كل الإجراءات، لتوفير الوقت والجهد، وتتوافق مع رؤية الدولة فى هذا الاتجاه، فضلا عن توليها متابعة احتياجات الخطوط الملاحية للسفن جديدة، وضامنًا أمام القطاع المصرفى، حال نشوب أى خلاف، تعمل هى على تصريف وبيع السفن لصالح البنك، لتحميه من تكبد مخاطر جسيمة، وتشجعه على التمويل للنقل البحرى.

سهر الدماطى: القطاع واسع ونسبة التقلبات مرتفعة واستثماره طويل الأجل

حافظ: المساهمات توجه عادة لمشروعات محطات الموانئ باعتبارها الأكثر جاذبية

البيه: ضرورة تأسيس جهة حكومية ضامنة ومتابعة لاحتياجات الخطوط