على مدى عقدين كاملين ماضيين، حافظت الأسواق الناشئة على تفوقها فى النمو الاقتصادى مقارنة بالدول المتقدمة، وهى مرشحة للحفاظ على هذا التفوق حتى عام 2026، وفقا لوحدة الاستخبارات الاقتصادية «إيكونومست انتليجينس».
وبحسب تقرير للوحدة، أدى النمو السريع فى الاقتصادات الناشئة إلى زيادة حصتها من الناتج المحلى الإجمالى العالمى على حساب أوروبا الغربية، لكن الأسواق الناشئة تواجه حاليا عددًا من التحديات التى تصعب عليها حفظ تفوقها على الاقتصادات المتقدمة فى المدى القريب.
ومع ذلك، يرى التقرير أن الاقتصادات الناشئة خاصة فى آسيا لا تزال تملك مقومات جذابة للمستثمرين، وبوسعها مواصلة النمو القوى عبر تعزيز نقاط قوتها.
سر طفرة الاقتصادات الناشئة
وفقا للتقرير، لا يوجد نموذج واحد يصلح لتفسير سبب تحقيق الأسواق الناشئة هذا النمو القوى.
وأوضح التقرير أن الأسواق الناشئة الأسيوية حققت نتائج مذهلة، وبصرف النظر عن الصعود الصاروخى للصين (وبدرجة أقل الهند)، فإن دولًا مثل كوريا الجنوبية وإندونيسيا تفوقت فى الأداء.
وذكر أن العوامل التى دفعت النمو الصينى، خاصة نمو التصنيع والصادرات كثيفة الموارد تتضمن الحجم الضخم من العمالة منخفضة التكلفة، وهو ما يختلف عن الهند، إذ كان النمو مدفوعًا بشكل أساسى بالخدمات.
وأشار إلى أن النمو فى أمريكا اللاتينية مرتبط بتطوير صادرات صناعية منخفضة التكلفة تخدم سوق أمريكا الشمالية أو بتصدير السلع إلى الصين.
وفى أوروبا الوسطى والشرقية، أدى التوسع الكبير للاتحاد الأوروبى فى منتصف العقد الأول من القرن الحادى والعشرين إلى اندماج هذه الاقتصادات فى سلاسل الإمداد فى أوروبا الغربية، مما يدعم نموًا أقوى تقوده الصادرات.
التهديد الأكبر
وبحسب التقرير، فإن التهديد الأكبر يتمثل فى تشديد السياسة النقدية العالمية، مما يصعب جذب المستثمرين إلى أسواق الديون المحلية مع زيادة تكلفة خدمة الديون، وتتضاعف تلك التكلفة بالنسبة للاقتصادات التى اقترضت بالدولار الأمريكى.
فى الوقت نفسه، وفقا للتقرير، يؤدى الارتفاع الحاد فى أسعار السلع الأساسية إلى الضغط على الأسواق الناشئة الفقيرة من حيث الموارد الطبيعية (التى يعانى العديد منها بالفعل من عجز فى الحساب الجاري).
وأوضح التقرير أن معنويات المستثمرين الأكثر اضطرابا تعمل على إضعاف التدفقات المالية المتجهة إلى الاقتصادات الناشئة فى وقت تشتد فيه الحاجة إليها.
ولما كان الغذاء يمثل حصة كبيرة فى سلة أسعار المستهلك فى الأسواق الناشئة فإن تأثير الارتفاع الصاروخى فى أسعار الحبوب والزيوت النباتية يفاقم من التحديات.
آسيا تقود النمو
ورغم هذه التحديات، تتوقع إيكونومست أن يظل نمو الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى أقوى فى الأسواق الناشئة منه فى الاقتصادات المتقدمة حتى 2026.
كما تتوقع أن يبلغ متوسط النمو السنوى فى منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية (المتقدمة) %1.8، مقارنة مع %3.9 فى الاقتصادات غير الأعضاء فى المنظمة، حتى عام 2026.
وحسب المنطقة، سيظل النمو الأسيوى فى أقوى مستوياته إذ من المتوقع أن تنمو بلدان رابطة دول جنوب شرق آسيا وحدها بمعدل %4.7 سنويًا حتى 2026، أما فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فستكون النسبة %3.4 سنويا.
ومع ذلك، سيظل النمو فى أمريكا اللاتينية ضعيفًا عند %2.2 سنويًا، وفقا للتقرير.
وذكر التقرير أن النمو طويل الأجل تحركه ثلاثة عوامل رئيسية وهى العوامل الديموجرافية (إنتاجية القوى العاملة)، والاستثمار (تراكم رأس المال) والتقدم التكنولوجى (الذى يساعد على دفع إنتاجية عوامل الإنتاج الإجمالية).
وتتمتع الأسواق الناشئة تقليديًا بميزة ديموجرافية واضحة تتمثل فى السكان الأصغر سنًا، مما يمنحها مجالًا للحاق بالأسواق المتقدمة.
ومع ذلك، وبمرور الوقت، بحسب التقرير، ستبدأ التركيبة السكانية للأسواق الناشئة فى التغير وهو ما يظهر فى بعض البلدان، مثل الصين.
عوامل الحفاظ على التفوق
وذكر التقرير أن الأسواق الناشئة سريعة النمو ستكون قادرة على التوسع بسرعة أكبر إذا أحرزت تقدمًا أكبر فى تحسين مناخات الاستثمار.
وأوضح أن بعض القطاعات ستكون أكثر أهمية فى تحديد الاقتصادات التى تنمو بسرعة فى السنوات القادمة.
وفقا للتقرير، فإن التوسع السريع فى الأشكال غير التقليدية للخدمات المالية سيوفر حلولاً مبتكرة فى الأسواق التى طالما كانت تفتقر إلى الخدمات التى تقدمها البنوك.
وستؤدى طرق الدفع الجديدة التى ابتكرتها شركات التكنولوجيا المالية إلى انتشار قنوات التحويل الرقمية بين الأفراد والشركات والحكومات.
وبحسب التقرير، سيساعد الاستثمار فى التكنولوجيا على دفع عجلة النمو فى الأسواق الناشئة، من خلال إدخال التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعى.
