أصابت صدمة الطاقة فى 2022 أوروبا والكثير من بلدان العالم بالفوضى، بعدما غذت التضخم وجعلت الركود أكثر قربا، لكن تلك الصدمة فى حد ذاتها حملت نهاية لنظام الطاقة المعتمد على الوقود الأحفورى منذ القرن العشرين.
ووفقا للإيكونوميست، كان النظام العالمى لطاقة النفط والغاز يتسم بكثرة “التحالفات بين الأعداء” فأبرمت أوروبا صفقات مع روسيا خلال فترة ما بعد الاتحاد السوفيتى، وعلى نحو أقل حدة، اعتمدت الولايات المتحدة على تحالف الرئيس الأمريكى فرانكلين دى روزفلت مع السعودية عام 1945.
صدمة 2022
كان النقص الحاد فى الطاقة الناجم عن الغزو الروسى لأوكرانيا مؤلما، وبحلول سبتمبر 2022 كانت الطاقة مسؤولة عن ثلث القفزة التى شهدتها الدول الغنية فى معدلات للتضخم استقرت عند %9.
وبعد قطع إمدادات الغاز الطبيعى إلى أوروبا بقرار من الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، اضطرت الشركات والمستهلكين إلى خفض الاستهلاك بنسبة %10 سنويا وتفاقمت مخاوف خفض التصنيع.
وهرعت أوروبا إلى استيراد الغاز الطبيعى المسال بحرا، مما أدى إلى صعود أسعاره العالمية وخفض الاستهلاك فى البلدان الأكثر فقرا مثل باكستان.
واستمر ارتفاع أسعار النفط الخام وتحولت منظمة أوبك إلى مصدر تهديد باتخاذها قرارا بخفض الإنتاج، متجاهلة توسلات الرئيس الأمريكى جو بايدن لضخ المزيد من النفط.
كما زاد الطلب على الفحم ليصل إلى أعلى مستوياته على الإطلاق.
وبحلول نوفمبر تراجعت أسعار العقود الفورية للغاز الطبيعى فى أوروبا بدعم من خفض التصنيع والطقس الدافئ، ورغم هذا فمن المتوقع أن تظل أسواق الطاقة العالمية فى 2023 غير مستقرة.
2023.. الفوضى مستمرة
ومن المتوقع أن يظل العالم يعانى فى 2023 من انعدام استقرار أسواق النفط والغاز، إذ ستستمر التحالفات التى يعقدها مستوردو النفط مع الأعداء، لكن فى الوقت ذاته ستتضاعف جهود إنشاء نظام جديد للطاقة يتسم بأسعار أرخص وملوثات أقل وأمان أعلى.
فى عام 2023، ستقبل معظم الدول على الدخول فى اتفاقيتين جديدتين مع السعودية وروسيا، إذ أنها سترحب بالاستثمار على المدى القصير فى الوقود الأحفورى نظير ضمان أمن الطاقة، لكن حكومات هذه الدول ستقبل على الأجل البعيد على تبنى سياسة لتوطين الصناعة فى محاولة منها لتسريع التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة.
وبجانب هذا، ستعانى أسواق الطاقة من شح إضافى فى الإمدادات عندما يؤدى تعافى الاقتصاد الصينى فى 2023 إلى زيادة الطلب على النفط والغاز.
التحول الجريء نحو الطاقة المتجددة
سيعزز استمرار انعدام استقرار أسواق الطاقة على النحو السابق التحول إلى نظام أفضل للطاقة لكن يستلزم التحول إلى هذا النظام ضخ الاستثمارات على مصادر أخرى للطاقة، فبعد صدمة عام 1973 تراجعت معدلات استهلاك النفط كما هبطت الانبعاثات ودعمت الأسعار المرتفعة انتعاش الاستثمار فى مصادر جديدة من الإمدادات، مثل ألاسكا، وفى مصادر بديلة مثل الطاقة النووية.
وفى ظل الصدمة الحالية، لم تتحقق أى زيادة حتى الآن فى الاستثمار فى مصادر بديلة، ومن المتوقع أن تتجه أكبر 500 شركة طاقة فى العالم عام 2023 إلى زيادة الإنفاق الرأسمالى بنسبة %9 فقط فوق مستويات ما قبل الجائحة، إذ إنها ستضطر لتأجيل الاستثمار لأسباب جيوسياسية ولانعدام اليقين بخصوص التحول إلى الطاقة النظيفة.
وسيكون من الصعب تحقيق التصور الليبرالى المستند إلى إقامة سوق للطاقة العالمية يعتمد على الألواح الشمسية والبطاريات وتسرى عليه ضريبة كربون عامة ويتسم بسلاسل إمدادات عابرة للحدود ذات كفاءة فائقة.
ومن غير المتوقع أيضا أن تبرز الولايات المتحدة كمورد رئيسى للطاقة إلى أوروبا، لأنها ستفضل تقليص الصادرات سعيا منها لإتاحة أسعار منخفضة داخليا تصب لصالح المستهلكين والشركات.
لكن، من المتوقع أن تضطر الحكومات إلى ذلك لزيادة تدخلها فى أسواق الطاقة عام 2023 لكى تضمن تنويع الإمدادات وزيادة الاستثمارات.
وستقبل الحكومات على دعم مشروعات الطاقة المتجددة فى إطار سياسة تستهدف زيادة فرص العمل والتصنيع محليا، وهذه هى الاستراتيجية المطبقة فعليا فى الصين والهند.
وبجانب هذا، تطبق أمريكا قانونا لخفض التضخم يشتمل على بنود لدعم التصنيع المحلى وتقديم محفزات بقيمة 400 مليار دولار، ستحذو أوروبا حذو هذه الدول وستلجأ إلى دعم التصنيع المحلى.
