قال خبراء ومصرفيون إن سياسة التشديد النقدى تؤثر على الدين المحلي، نتيجة أن كل رفع فى سعر الفائدة بمقدار %1 يكلف الموازنة العامة للدولة ما يزيد على 30 مليار جنيه.
وأضافوا، فى تصريحات خاصة لـ«المال»، أنه لابد من إعادة دعم القطاع الصناعي، حتى يتم التخفيف من الأعباء التى يتحملها المستثمرون جراء رفع الفائدة من ناحية، وزيادة الاستثمار الإنتاجى للعمل على دعم الصادرات وزيادة النقد الأجنبى من ناحية أخرى.
يذكر أن لجنة السياسة النقديـة فى البنك المركزى المصرى قررت فى اجتماعها الخميس الموافـق 22 ديسمبر، رفع أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض لليلة واحدة، والعملية الرئيسية، بواقع 300 نقطة أساس (%3) لتصل إلى 16.25، و17.25 و%16.75 على الترتيب، كما تم رفع الائتمان والخصم بواقع 300 نقطة أساس ليصل إلى %16.75.
قال الدكتور أحمد السيد، أستاذ الاقتصاد والتمويل، إنه لا يتفق كثيراً مع التوجه لاتباع سياسة نقدية انكماشية، من أجل تحجيم التضخم.
وأضاف السيد، فى تصريحات خاصة لـ«المال»، أنه على الرغم من أن النظرية الاقتصادية التقليدية تركز على أن رفع سعر الفائدة يؤدى إلى سحب السيولة من الأسواق، ومن ثم انخفاض معدلات التضخم، على الرغم من خصوصية الوضع الاقتصادى فى مصر، فالتضخم غير ناجم عن زيادة السيولة أو الطلب، وإنما هو بصفة أساسية تضخم مستورد، أى ناتج عن ارتفاع سعر الصرف، وزيادة اعتماد الاقتصاد المصرى على الواردات، وبالتالى ترتفع الأسعار، ولا يؤثر رفع الفائدة بشكل جذرى فى هذه الحالة.
ولفت إلى أنه لا يتوقع أن يجذب رفع سعر الفائدة أموالا ساخنة جديدة، نظراً لاستمرار اتباع البنك الفيدرالى الأمريكى مزيدا من سياسة التشديد النقدى فى الولايات المتحدة، مضيفاً أن رفع الفائدة على المستوى المحلى لا يجذب حاملى الدولار للتنازل عنه، طالما أن السوق الموازية لم تنتهِ.
وأشار إلى أننا لابد أن ننظر إلى آثار رفع الفائدة من ناحية أخرى، وهى التكلفة التى تتحملها الموازنة العامة للدولة جراء الفوائد المدفوعة على الدين العام، مشيراً إلى أن كل %1 زيادة فى سعر الفائدة، يكلف موازنة الدولة ما يزيد عن 30 مليار جنيه، وهو ما يعنى أن الرفع الذى تم خلال عام 2022 بمقدار %8 سيكلف الموازنة نحو 240 مليار جنيه، وهو ما يساوى %13-12 من إجمالى الإنفاق العام، مشيراً إلى أن تلك النسبة تعد كبيرة فى ظل توقعات الزيادة بعجز الموازنة، نتيجة ارتفاع مستويات الأسعار.
وتابع أن هناك جانبا آخر شديد الأهمية لابد أن ننظر إليه، وهو تأثير رفع الفائدة على الاستثمار، فمعدلات الفائدة أصبحت مرتفعة على المستثمرين الذين يريدون الاقتراض من أجل التوسع وزيادة معدلات النمو، مضيفاً أنه إذا أقدم المستثمر على تلك الخطوة واقترض، سيقوم بنقل تلك التكلفة على المستهلك، ومن ثم سيؤدى إلى المزيد من ارتفاع الأسعار.
وأكمل أن فترة التشديد النقدى ستكون مؤقتة، وبعدها ستعاود الفائدة فى الهبوط مرة أخرى بعد استقرار معدلات التضخم على المدى المتوسط، موضحا أنه حتى تنتهى هذه المرحلة، سيكون القطاع الصناعى هو الأشد تأثراً بسبب تلك القرارات، ففى ظل رفع أسعار الفائدة من ناحية، وإلغاء مبادرة دعم الصناعة من ناحية أخرى، سيتأثر أهم قطاع من المفترض أنه هو المخرج الوحيد لزيادة الصادرات والنقد الأجنبى فى تلك الفترة.
يذكر أن البنك المركزى المصرى كان قد أبلغ الجهاز المصرفى بإلغاء مبادرة دعم القطاع الصناعى بفائدة %8 وجاء هذا القرار بعد نقل المبادرات التمويلية ذات الفائدة المنخفضة منه إلى وزارة المالية، لتكون هى المسؤولة عن إدارة ومتابعة جميع المبادرات.
وحث الدكتور أحمد السيد على إيجاد آلية لإعادة مبادرات دعم الصناعة، بعيداً عن البنك المركزى للتوافق مع رغبة صندوق النقد الدولي، متابعاً أنه حتى إن كانت هناك شركات صناعية عملاقة قد استفادت من هذه المبادرة بصورة مبالغ فيها، فليس الحل فى إلغائها تماماً، ولكن ينبغى وضع الضوابط للتأكد من توجيهها للمصانع الصغيرة والمتوسطة فقط، وبذلك يتم التخفيف من الآثار المترتبة لرفع الفائدة على الاستثمار، وفى الوقت ذاته الوفاء بالتزامنا تجاه صندوق النقد الدولي.
وأشار إلى أنه لابد من تشجيع القطاع المالى غير المصرفي، لتوفير حلول تمويلية لمختلف القطاعات الاقتصادية بعيداً عن سعر الفائدة المرتفع، وبالتالى نساعد على معدلات استثمار مرتفعة مرة أخرى.
قال الدكتور مدحت نافع، رئيس مجلس إدارة الشركة العربية للسبائك، إن سياسة التشديد النقدى تكون تبعاتها سلبية على تكلفة الدين العام، وكذلك رأس المال بالنسبة للاستثمار، مضيفاً أن ذلك سيؤدى إلى المزيد من عجز فى الموازنة العامة، ومن ثم الاعتماد على النقد الأجنبى فى عملية الاستيراد، طالما أن الاستثمار المحلى يصطدم بتكلفة اقتراض كبيرة، لافتاً إلى أنه وفقاً لذلك سيتعين على وزارة المالية أن تستخدم مؤشرات مختلفة عن تلك التى تستخدمها، منسوبة إلى الناتج المحلى الإجمالي، والذى يراه متضخماً بفعل عوامل غير حقيقية، على حد تعبيره.
ولفت الدكتور مدحت نافع، فى تصريحات خاصة لـ«المال»، أنه لابد من دعم الاستثمار الإنتاجي، وخاصة الصناعي، باستمرار مبادرات دعم الصناعة ولو بنقلها خارج القطاع المصرفي، مشيراً إلى أنه يتعين على وزارة المالية تنويع مواردها بعيداً عن أدوات الدين، باستخدام منتجات مبتكرة، منها التحصيل الضريبى المبكر، بخصومات وحوافز متعددة.
قال هانى أبوالفتوح، الخبير المصرفي، إن الحكومة تعتبر أكبر المقترضين، وبالتالى أى رفع فى سعر الفائدة يصب مباشرة فى زيادة العوائد على أذون وسندات الخزانة، وهى ماتسمى بأدوات الدين المحلي.
وأضاف أبوالفتوح، فى تصريحات خاصة لـ«المال»، أن ذلك سيؤثر على تكلفة اقتراض الحكومة، مشيراً إلى أن البنك المركزى كان قد طرح فى المزاد الأخير لأذون الخزانة حوالى 50 مليار جنيه، ولكنه قَبِل منهم ما يقدر تقريباً بنحو 5 مليارات فقط، نظراً لطلب البنوك عوائد مرتفعة عليها، وهو خارج النطاق الذى ترغب وزارة المالية أن تقترض به.
