«تأتى الرياح بما لا تشتهى السفنُ».. جملة تُلخص حال الشركات العاملة بالمجال المالى غير المصرفى بأنشطته المختلفة خلال الوقت الحالى، وذلك جراء قرار رفع الفائدة الأخير بواقع %3 دفعة واحدة.
ورغم جاذبية الأنشطة المالية غير المصرفية وأدائها المتميز خلال السنوات الماضية، إلا أن التوقعات السلبية خيمت على آراء مسئولى الكيانات المتنوعة بالوقت الراهن من تمويل استهلاكى وعقارى ونظيرهما الصغير والمتوسط ومتناهى الصغر أيضًا، إلى جانب التأجير التمولى وكذلك التخصيم نتيجة لتوالى عمليات رفع الفائدة بنسبة سجلت %8 منذ بداية 2022.
وتكهن المسئولون أن تتباطأ وتيرة جميع تلك الأنشطة خلال العام المقبل، نظرًا لزيادة تكاليف الاقتراض، ومن ثم زيادة تكلفة العميل بالتبعية، فيما على جانب آخر قالوا إن شركات التمويل الاستهلاكى تعتبر أحد عوامل تيسير الطلب للمستهلكين من خلال خدمة التقسيط، وهو ما يتعارض مع مستهدفات البنك المركزى المصرى الخاصة بتحجيم الطلب بغرض الهيمنة على معدلات التضخم.
وقد كان البنك المركزى المصرى قد قرر منذ أيام رفع معدلات الفائدة فى السوق المحلية بواقع %3 دفعة واحدة لتُصبح %16.25 على الودائع و %17.25 على الإقراض لتصل نسبة الزيادة الإجمالية منذ بداية العام الجارى 2022 حوالى %8.
بداية، قال حازم مدنى نائب رئيس مجلس الإدارة بشركة «وان فاينانس» للتمويل الاستهلاكى، إن قرار رفع الفائدة الذى تم اتخاذه يوم الخميس الماضى من المتوقع أن يُحدث تأثيرات سلبية على النشاط محليًا.
وأضاف أن الغرض من القرار الهيمنة على الطلب، وبالتالى من المتوقع مع زيادة التكلفة على الشركات والعملاء التابعين أن يتم الإحجام عن خدمات التمويل الاستهلاكى خلال الفترة المقبلة.
وأوضح مدنى أن شركات التمويل الاستهلاكى بشكل عام تعتبر أحد وسائل تيسير الطلب للمستهكلين من خلال تقسيط السلع والخدمات، وهو ما يخالف الهدف الرئيسى من رفع الفائدة بالهيمنة على الطلب لافتا إلى أن نسبة الرفع التى تم إقرارها مؤخرًا فاقت توقعات الشركات، ما أفسد الخطط البديلة التى تم وضعها للتعامل مع الموقف.
وأشار إلى أنه رغم التوقع بضعف الطلب من جانب المستهلكين على خدمات التمويل الاستهلاكى، إلا أن الرؤية الكاملة لا تزال ضبابية، مرجحًا ان تلجأ الشركات العاملة بالمجال لتقليل مستهدفات العام المقبل.
واستبعد لجوء الشركات العاملة بمجال التمويل الاستهلاكى للتوسع ببعض القطاعات الجديدة كوسيلة للتحوط ضد تكهنات انخفاض الطلب المرجح على خدماتها المتنوعة، لافتا إلى أن أى خفض جديد للفائدة «إن حدث» خلال الفترات المقبلة من المفترض أن يؤثر إيجابًا على المجال.
وقال حازم مدنى إن «وان فاينانس» عقدت اجتماعا لمجلس إدارتها موخراً لبحث تداعيات هذا القرار على نشاطها وسُبل التحوط ضدهُ، وما هى الخدمات التى قد تتقبل الزيادة الجديدة فى الأسعار، كاشفا عن أن حجم محفظة الشركة يبلغ حاليًا حوالى 450 مليون جنيه.
وقال بول أنطاكى المؤسس ورئيس مجلس الإدارة بشركة «بريميوم كارد إنترناشيونال»، إن رفع سعر الفائدة ليس من مصلحة الشركات العاملة بمجال التمويل الاستهلاكى.
وأضاف أن نموذج أعمال الشركة قائم على منح خدمة التقسيط للعملاء على فترات زمنية معينة دون فائدة، وبالتالى فهناك تأثيرات سلبية كبيرة قد تلحق بالأداء خلال الفترة المقبلة، بضغط قرار الرفع %3 دفعة واحدة.
وأوضح أن غالبية الشركات العاملة بالمجال إن لم تكن جميعها تعتمد على البنوك فى تدبير السيولة المالية اللازمة لتمويل عملياتها، لافتا إلى أن «بريميوم إنترناشيونال» قد تلجأ خلال الفترة المقبلة لزيادة مصاريف الخدمة على العملاء التابعين لها، كمحاولة منها للتكيف مع الظروف الراهنة، والهروب من فخ التحول للخسارة.
وقال أنطاكى إن هناك عاملا آخر قد يتم اللجوء لهُ يتمثل فى زيادة فترات التمويل الممنوحة للعميل، والتى تُقدر حاليًا بنحو 6 أشهر، موضحًا أن تحصيل الشركة للأقساط الخاصة بها من مرتبات العملاء مباشرة تحميها إلى حد ما من وقوع أى عمليات تعثر.
وأضاف المؤسس ورئيس مجلس الإدارة بشركة «بريميوم إنترناشيونال»، إن التعاقدات قائمة بشكل أساسى على الشركات، مؤكدا أن العميل فى أى من النشاطات العاملة بالمجال المالى غير المصرفى سواء أكانت تخصيما أو تأجيرا تمويليا أو استهلاكيا أو عقاريا أو غيرها هو المتضرر الأكبر من عامل رفع التكلفة.
وأشار إلى أن الخدمات الخاصة بدفع مصروفات المدارس والجامعات على سبيل المثال قد تكون بمنأى عن تلك التأثيرات السلبية المحتملة.
وفى سياق متصل، وفيما بالتأثيرات المتوقعة على شركات التقسيط، قال محمد الفقى الشريك المؤسس والمدير التنفيذى لمنصة «سيمبل - simple» المتخصصة فى خدمات الشراء الآن والدفع لاحقًا، أن قرار رفع الفائدة الأخير بمثابة ضربة قوية للشركات العاملة بالقطاع المالى غير المصرفى.
وتوقع أن تتعرض بعض الأنشطة العاملة فى السوق المحلية بشكل عام للركود، موضحًا أن التكلفة على عملاء شركات التقسيط قد تصل إلى أكثر من %24.
ورجح الفقى أن يلجأ الأفراد والمستثمرون للاحتفاظ بالسيولة المتاحة لديهم فى القطاع المصرفى، فى ظل ترجيحات طرح شهادات جديدة ذات عائد مرتفع، لحين انخفاض الفائدة.
وأضاف أن البنوك عادة ما تحمل الشركات المقترضة هامش إضافة على سعر الفائدة الرئيسى بما يمكنها التحوط ضد المخاطر وتحقيق الربح المستهدف.
وأوضح أن الشركات الناشئة فى مجالاتها قد يصعب عليها إجراء إى جولات تمويلية خلال الفترة المقبلة، بسبب وضع الدولار فى السوق المحلية الفترة المقبلة، وبالتالى فإن الاقتراض البنكى هو السبيل الوحيد المتاح.
وعلى صعيد نشاط التمويل العقارى، رجح محمد الكحكى العضو المنتدب فى مجموعة «تمويل القابضة للاستثمار»، أن إجمالى معدل رفع الفائدة منذ بداية العام الجارى 2022 وصل إلى نسبة كبيرة.
وتوقع أن يتراجع حجم التمويل العقارى بواقع %30 خلال الفترة المقبلة بضغط تداعيات زيادة التكاليف على العملاء نتيجة لرفع الفائدة بواقع %3 دفعة واحدة.
وأشار إلى أن التضرر لحق بالعملاء الحاليين لدى الشركات، خاصة أن الفائدة المحملة عليهم متغيرة، مضيفًا أن هذا سيُحدث أمرين: الأول زيادة نسب التعثر بشكل كبير، والثانى لجوء البعض للسداد المعجل للأقساط.
وأضاف أنهُ فيما يتعلق بالعملاء الجُدد فينقسمان إلى نوعين أيضًا، إما المشترى بغرض السكن، وهذا من الممكن أن يتحمل التكلفة، والثانى مستثمر فقد يتراجع عن توجهه للحصول على وحدة من خلال التمويل العقارى.
وقال الكحكى إنه حدث تراجع فعلى خلال الشهرين الماضيين فى عقود التمويل العقارى بشركته التابعة، إذ تراجع مجموعة من العملاء عقب تقدمهم لشراء وحدات نتيجة زيادة سعر الفائدة.
واستبعد أن تساعد المبادرات المطروحة شركات التمويل العقارى فى تجاوز تلك الأزمة، خاصة أنها دائمًا ما تكون موجهة لأنشطة الإسكان محدود ومتوسط الدخل، وغالبية الكيانات تعمل ومن بينها شركته بالشريحة الفاخرة.
وقال إن الشركات ستعول على محفظة العملاء القائمة، فى ظل احتمالات تعرض التمويلات الجديدة للضرر، موضحًا أن ذلك سيؤدى إلى إحجام الكيانات إصدار برنامج توريق على سبيل المثال.
ولفت إلى أن هناك عوامل قد تلجأ لها الشركات كنوع من التسهيل على العملاء لمحاولة تجاوز تلك المرحلة، تتمثل فى تقديم برامج جدولة مناسبة لدخل العملاء، أو تقليل قيمة الدفعات.
وعلى صعيد نشاط التأجير التمويلى والتخصيم، قال طارق فهمى الرئيس التنفيذى والعضو المنتدب بشركة «التوفيق» العاملة بذات المجالين، إن زيادة تكاليف الاقتراض عادة ما تدفع المتعاملين لإعادة النظر فى توسعاتهم بشكل عام.
وأضاف أن أنشطة التأجير التمويلى والتخصيم، قائمة بشكل أساسى على تمويل العميل بغرض استكمال خططه التوسعية فى المجالات المختلفة، وبالتالى فهناك توقع بتباطؤ أدائها الفترة المقبلة.
وأوضح أن حدة الأثر متوقفة على مدى قوة الكيان التحول مع الظروف المحيطة، مبينا أن غالبية الشركات تُعلق الآمال على أن يتحذ البنك المركزى المصرى أى قرار بالخفض خلال الفترات المقبلة، خاصة إن تم فعليًا الهيمنة على التضخم.
وكشف فهمى أن عددا من البنوك المحلية كانت قد رفعت خلال وقت سابق الفائدة على العملاء بشكل فعلى، تزامنًا مع قرار زيادة الاحتياطى الإلزامى.
وقال إن الجزء الأكبر من نشاط شركة «التوفيق» قائم على تمويل الشركات العقارية، معتقدًا أن تكون تلك الشريحة قادرة على التكيف بشكل أكبر من غيرها مع زيادة التكلفة المتوقعة، خاصة إن كانت تعمل بشريحة الإسكان الفاخر.
وفيما يتعلق بنشاط التمويلات الصغيرة والمتوسطة، قال أحمد كمال الدين العضو المنتدب بشركة «الأولى» للتمويل متناهى الصغر، إن هناك عدة عوامل تؤثر على النشاط بخلاف رفع الفائدة، متعلقة بباقى الظروف الاقتصادية.
ورجح أن يؤثر قرار رفع الفائدة على نشاط التمويلات الصغيرة والمتوسطة ونظيرتها متناهية الصغر، ورغم ذلك قال إنهُ من المبكر تحديد التأثيرات وحسمها بشكل واضح خلال الوقت الراهن.
وأضاف كمال الدين أن التأثير الأولى متعلق بزيادة التكلفة على العميل الحاصل على تمويل، نظرًا لزيادة تكاليف الاقتراض التى تتحملها الشركات من جانب البنوك، والتى عادة ما يتم تمريرها للمتعاقدين.
وأشار إلى أن حدة الأثر ستختلف من كيان لآخر وفقًا لعدة عوامل، من بينها القطاع الذى يعمل بهِ وحجم الطلب على الخدمة أو المنتج التى يقدمها للمستهلك.
ونوه أن هناك جانب آخر يجب الإشارة لهُ يتمثل فى أن الظروف الاقتصادية الحالية خلقت نوعا من الاحتياج لدى بعض العملاء، ومن بينها الشريحة الصغيرة والمتوسطة، مما يعنى أنهُ قد يستمر الطلب من جانب البعض مثل قطاعات السلع الأساسية على رأسها الغذائى على سبيل المثال.
وقال إن الشركات العاملة بمجال التمويلات الصغيرة والمتوسطة ونظيرتها متناهية الصغر، عادة ما تكون ملاذا وحيدا بالنسبة لشريحة كبيرة من المتعاملين بتلك الأنشطة فى ظل صعوبة توجهها للبنوك.
وأضاف أن السوق المحلية كانت قد شهدت خلال الفترات الماضية مرات متتالية لرفع الفائدة على سبيل المثال، وبالتالى فليست هذه المرة الأولى التى تتعرض لها الشركات لضغوط زيادة التكاليف، وتابعت أنهُ خلال مرات الرفع الأولى تمكنت بعض الشركات من تحمل زيادة التكاليف دون تمريرها للعميل.
وأوضح أن متوسط حجم التمويلات التى تقدمها شركة «الأولى» للعملاء تترواح بين -15 20 ألفا وبحد أقصى 200 ألف جنيه، ووفقًا للقوانين المنظمة للنشاط من جانب الهيئة العامة للرقابة المالية.
وأضاف أن تلك المتوسطات ارتفعت خلال الفترات الماضية نتيجة لانخفاض سعر قيمة العملة المحلية، إذ كانت تبدأ سابقًا من قيمة 5 آلاف جنيه، موضحًا أن %80 من تمويلات غالبية الشركات العاملة فى السوق تتركز فى القطاع التجارى بأنشطة المختلفة، ثم الحرفى وبعدها الخدمى.
وكانت الهيئة العامة للرقابة المالية أصدرت منذ أيام تقريرها الشهرى عن أنشطة الخدمات المالية غير المصرفية لشهر سبتمبر 2022.
وقد تراجع إجمالى نشاط الخدمات المالية غير المصرفية بما يتضمن التوريق، التمويل العقارى، التأجير التمويل، التمويل الاستهلاكى، التمويل متناهى الصغر بواقع %10.5 شهريًا ولكن بارتفاع %72.8 سنويًا إلى 17.8 مليار جنيه.
وقد ارتفع تمويل الرهن العقارى بما يتضمن إعادة تمويل الرهن العقارى المقدم من قبل الشركات بخلاف البنوك الأخرى والمطورين العقاريين بواقع %158.7 سنويًا و%165 شهريًا، ليسجل 2.7 مليار جنيه.
وارتفعت قيمة التأجير التمويلى المقدم فى سبتمبر بواقع %12.7 سنويًا ولكن بتراجع %43 شهريًا، لتبلغ 6.5 مليار جنيه من بينها %75 من قيمة التمويل ممنوحة لأنشطة الأراضى والعقارات.
وارتفع أيضًا نشاط التخصيم خلال الشهر بواقع %138.3 سنويًا ولكن بتراجع %15 شهريًا إلى 2.6 مليار جنيه، فيما بلغ التمويل الاستهلاكى المقدم خلال الشهر 2.7 مليار جنيه بارتفاع %62.7 سنويًا إلى 229 ألف مستفيد .
وبالنسبة لأرصدة التمويل متناهى الصغر باستثناء البنوك، فقد سجل 35.5 مليار جنيه فى سبتمبر 2022، بنمو %45 سنويًا و%3 شهريًا، وبلغ عدد المستهلكين 3.9 مليون شخص بارتفاع %14.1 سنويًا و%1 شهريًا.
وحدد البنك المركزى المصرى معدلات التضخم المستهدفة فى مصر، خلال الفترة المقبلة عند مستوى %7 بزيادة أو نقصان 2 نقطة مئوية فى المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2024، ومستوى %5 تزيد أو تنقص 2 نقطة مئوية فى المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2026.
